لعل السؤال عن هل إكرام الضيف واجب أم فرض أم سنة ؟، يعد أحد الأمور الحياتية التي يغفل عنها كثيرون رغم أن الأمثلة والشواهد عليها وردت بنصوص الكتاب العزيز والسُنة النبوية الشريفة، إلا أن السؤال عن هل إكرام الضيف واجب أم فرض أم سنة ؟، يعد أحد الأمور غير المعلومة للكثيرين ، والتي ينبغي الوقوف عند حقيقتها لأنها تتعلق بالمعاملة والتي هي أساس الدين ، من هنا تنبع أهمية معرفة هل إكرام الضيف واجب أم فرض أم سنة ؟.
هل إكرام الضيف واجب
ورد في مسألة هل إكرام الضيف واجب أم فرض أم سنة ؟، أن إكرام الضيف سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، بل واجبةٌ؛ لأنَّ الله أثنى على خليله إبراهيم بإكرام الضَّيف، وعلى نبيه لوط بإكرام الضَّيف، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم ضيفَه، فدلَّ ذلك على أنَّ إكرام الضيف واجبٌ، والضَّيف: هو مَن ينزل بك من القُرى والأمصار، ويجب عليك أن تُكرمه.
وقال في حديث أبي شُريح: جائزته، وجائزته هي يومه وليلته، يعني: غداءه وعشاءه، والضِّيافة الكاملة ثلاثة أيام، ولا يحلّ له أن يُقيم عند أخيه حتى يُؤْثِمه: حتى يُحرجه، قالوا: كيف يُؤثمه؟ قال: يُقيم عنده وليس عنده ما يقريه به، يعني: ينبغي للضيف ألا يُحْرِج أخاه فوق ثلاثة أيام.
ويقول -صلى الله عليه وسلم - : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَصِلْ رَحِمَه، ومَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم جارَه، ومَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُلْ خيرًا أو ليَصْمُتْ، كل هذه الأمور من الآداب الشَّرعية، فيجب على المؤمن إكرام الضيف، وإكرام الجار، وصلة الرحم، وأن يحفظ لسانَه؛ إمَّا الخير، وإمَّا الصَّمت، هذا هو الأدب الشرعي، وهذا هو الواجب على كل مؤمنٍ في حياته؛ أن يتحرَّى إكرام ضيفه إذا نزل به، وإكرام جاره، وعدم إيذاء الجار، مع صلة الرحم -وهم الأقارب- ومع حفظ لسانه مما لا ينبغي، إمَّا أن يقول خيرًا، وإما أن يسكت.
كما قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فالمؤمن يتحرَّى في أقواله وأعماله ما يُوافق الشرعَ، ويحذر ما يُخالف ذلك.
كيفية الإكرام النبوي للضيوف
قال الدكتور حسن اليداك، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التوسط والاعتدال هو المنهج الإسلامي الحنيف، والإكرام المبالغ فيه للضيوف قد يثقل على عاتق صاحب البيت، خاصةً إذا كان يتكبد تكاليف باهظة، في المقابل، فإن تقديم الضيافة بشكل متواضع جدًا قد لا يكون كافيًا، ولذلك، يجب على المضيفين أن يوازنوا بين تقديم ضيافة محترمة دون تكلف زائد.
وأوضح “ اليداك” في إجابته عن سؤال: كيفية الإكرام النبوي للضيوف؟، أن الضيف الذي يأتي من مكان بعيد يستحق إكراماً خاصاً لأنه تحمل مشقة السفر، وفي هذه الحالة، يُفضل استقبال الضيف بترحاب كبير وتقديم الضيافة التي تفوق المعتاد، كأن يتم استقباله بالسيارة وإكرامه على مدى اليوم الأول وليلة وصوله.
وتابع: وفيما يتعلق بالضيوف الذين يأتون من نفس المنطقة، قال إنه يمكن تقديم الضيافة بما يتناسب مع الوضع، دون الحاجة لتكلف زائد بعد اليوم الأول، منوهًا بأن هذا يتماشى مع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم الضيافة بيده للضيوف حتى وإن كانوا غير مسلمين.
وأشار إلى أن هذا أيضًا ما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام مع ضيوفه، حيث قدم لهم الطعام بيده بعد أن أوحى الله إليه أن يكرمهم أكثر، مؤكدًا أن الإكرام النبوي للضيوف هو جزء من السنة النبوية ويجب أن يُطبق في حياتنا اليومية، موضحًا أن تقديم الطعام بنفسك يعكس الاحترام والتقدير للضيوف.
إكرام الضيف في الإسلام
دعا الإسلام إلى التزام مكارم الأخلاق، وجعلها سبباً لدخول الجنّة، فقد سئل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن أكثر الأعمال التي تُدخل الجنة فقال: (تَقوى اللَّهِ وحُسنُ الخلُقِ)، وإكرام الضيف من الأخلاق التي دعا إليها الشرع وتتعلّق به عدّة أمورٍ بيانها فيما يأتي:
إكرام الضيف من الأخلاق التي دعا الإسلام المسلم إلى التحلّي بها؛ لِما فيها من نشر الألفة والمحبة بين الناس، فضلاً عن أثرها في تماسك المجتمع وترابطه، وقد تجلّى هذا الخلق العظيم في قصة إكرام النّبي إبراهيم -عليه السلام- الملائكة لمّا جاءته، فأحسن استقبالهم وقدّم لهم عجلاً سميناً وقرّبه إليهم زيادةً في إكرامهم، على الرغم من عدم معرفته إيّاهم وعدم علمه بأنّهم ملائكةٌ، فكان إبراهيم أول من أضاف الضيف.
وحدّد الشرع المدّة التي ينبغي للمُستضيف ضيافة ضيفه بثلاث أيامٍ، أمّا ما بعدها فيُعدّ كرماً من المُضيف وصدقةً منه عليه، وإنّه يلزم بالمقابل أن يلتزم الضيف باحترام المضيف، وألّا يستثقل عليه بأي شكلٍ، أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن خويلد بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جائِزَتُهُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَما بَعْدَ ذلكَ فَهو صَدَقَةٌ، ولا يَحِلُّ له أنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حتَّى يُحْرِجَهُ).
وأشار الشرع إلى أنّ إكرام الضيف سببٌ للبركة وتوسعة الرزق، أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (طَعامُ الِاثْنَيْنِ كافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافِي الأرْبَعَةِ).
أحاديث في إكرام الضيف
وردت أحاديث صحيحة تحدّثت عن فضل إكرام الضيف، منها:
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا). أخرج الإمام البخاريّ عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: (قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بقَوْمٍ فلا يَقْرُونَنَا، فَما تَرَى؟ فَقالَ لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ نَزَلْتُمْ بقَوْمٍ فأمَرُوا لَكُمْ بما يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فإنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا منهمْ حَقَّ الضَّيْفِ الذي يَنْبَغِي لهمْ).
مظاهر إكرام الضيف
أولاً: الترحيب بالضيوف يُستحسن بالضيف الترحيب بضيوفه والاستبشار بقدومهم وإظهار التودّد إليهم، وعدم التأفّف من مجيئهم، أخرج البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لَمَّا قَدِمَ وفْدُ عبدِ القَيْسِ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: مَرْحَبًا بالوَفْدِ، الَّذِينَ جَاؤُوا غيرَ خَزَايَا ولَا نَدَامَى).
ثانياً: عدم الإسراف في ضيافة المضيف الإسراف منهيٌ عنه في جميع الأحوال، والأصل أن يعمد الإنسان في ضيافته إلى ما هو متعارف عليه بين الناس في الضيافة، وما هو على قدر استطاعته بما تيسّر دون تكلّفٍ.
ثالثاً: توقير العلماء وكبار السن الجدير بالمضيف أن يبدأ بضيافة الكبار احتراماً لهم وإظهاراً لقدرهم وتوقيرهم، فإنّ توقير الكبير أمرٌ مطلوبٌ شرعاً، ثم من السنّة أن يقدّم الإيمن فالأيمن ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّهُ رَأَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا، وأَتَى دَارَهُ، فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشُبْتُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ البِئْرِ، فَتَنَاوَلَ القَدَحَ فَشَرِبَ، وعَنْ يَسَارِهِ أبو بَكْرٍ، وعَنْ يَمِينِهِ أعْرَابِيٌّ، فأعْطَى الأعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قالَ: الأيْمَنَ فَالأيْمَنَ).
رابعاً: مصاحبة الضيف لباب البيت عند خروجه يُسنّ للمضيف مصاحبة الضيف عند إرادة مغادرته البيت إلى باب المنزل احتراماً له وتوددّاً إليه حتى لا يشعر بالإحراج بالخروج وحده.
خامساً: الدعاء للمُضيف يستحبّ من باب تأليف القلوب وإسعاد المُضيف أن يدعو الضيف له بالخير والرزق شكراً له على حسن استقباله وضيافته، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام طعِم عند سعدِ بنِ عُبادةَ، فلمَّا فرغ قال: أكلَ طعامُكم الأبرارُ، وصلَّتْ عليكم الملائكةُ، وأفطر عندكم الصَّائمونَ).
سادساً: عدم إيذاء الضيف لا يجوز إيذاء الضيف بأي شكلٍ كان قولًا أو فعلًا، فليس من أخلاق المسلم ذلك، والشرع لا يرضى ذلك بحالٍ، وعلى المُضيف أن يحسن استقبال ضيفه فيسامره ويبادله أطراف الحديث بما هو خيرٌ، ويتجنّب الغيبة والنميمة وكلّ ما من شأنه أن يفسد المجلس.