تستمر إسرائيل في تجاهل القوانين الدولية ومواثيق الإنسانية، ضاربة عرض الحائط بجميع القرارات الدولية والمواقف المستنكرة لأفعال العدوان على الشعب الفلسطيني.
استمرار العربدة الإسرائيلية
في فجر اليوم، الأربعاء، اغتيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في عملية لم تعلن أي جهة مسئوليتها عنها، لكن الشكوك تحوم حول إسرائيل، التي تعهدت بقتل هنية وقادة حماس بعد الهجوم الذي شنه حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل وأسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز حوالي 250 آخرين.
ووصف موقع "إسرائيل اليوم" عملية الاغتيال بـ "التطور الخطير" الذي قد يعيد تشكيل الحرب المستمرة منذ أكثر من تسعة أشهر في غزة. العملية قد تكون زلزالاً حقيقياً قد يضرب الشرق الأوسط ويؤثر على الداخل الإسرائيلي نفسه، مما دفع تل أبيب إلى الصمت والتهرب من أي أسئلة من الصحفيين.
وعلى الرغم من الاغتيال، يبدو أن الشارع الإسرائيلي مشغول بصفقة تبادل الأسرى مع المقاومة، وليس باغتيال قادة فلسطينيين.
توقيت العملية قد يعيد نتنياهو إلى هدف في ميدان رماية الإسرائيليين مجدداً، خاصة أنه يعتبر العائق الأكبر أمام إبرام صفقة تعيد الأسرى الإسرائيليين من غزة.
وتعتبر عملية اغتيال هنية عملاً ليس في صالح الأمن القومي الإسرائيلي، وإنما في خدمة سيناريوهات نتنياهو المتعددة لإفشال أي جهود لإنهاء الحرب وتسوية ملف الأسرى، خوفاً من استئناف محاكمته في قضايا فساد قد تقوده إلى السجن بعد انتهاء الحرب.
ومن المرجح أن تفضي العملية إلى مراجعة أمريكية للخطاب التبريري للعربدة الإسرائيلية في المنطقة، حيث أصبح شعار "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" شيكاً على بياض استخدمه نتنياهو لتعزيز رصيده السياسي على حساب رصيد واشنطن في منطقة مضطربة.
من جانبه، أدان الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي، بشدة عملية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مؤكداً أن هذا العمل يصل إلى مستوى جرائم الحرب وفقاً للقانون الدولي، ويمثل انتهاكاً واضحاً لسيادة الأراضي الإيرانية.
وأكد مهران في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن اغتيال إسماعيل هنية يمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مشدداً على أن هذا العمل يتعارض بشكل مباشر مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف أن هذا الاغتيال يعد جريمة حرب وفقاً للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعرّف القتل العمد كجريمة حرب، لافتاً إلى أنه ينتهك أيضاً المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية للأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
وأوضح الخبير الدولي أن سلسلة الاغتيالات والهجمات التي تنفذها إسرائيل تشكل نمطاً متكرراً من انتهاكات القانون الدولي، مؤكداً أن هذه الأعمال تنتهك مبدأ التمييز المنصوص عليه في المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والذي يلزم أطراف النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين.
كما اعتبر أن الهجمات العشوائية على المناطق المدنية في غزة تنتهك المادة 51 فقرة 4 من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر الهجمات العشوائية التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
وشدد الدكتور مهران على خطورة استمرار هذه الممارسات، معتبراً أن استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات الاغتيال خارج نطاق القضاء يقوض بشكل خطير النظام القانوني الدولي، مؤكداً أن هذه الأعمال تنتهك أيضاً الحق في الحياة المكفول بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وبين أستاذ القانون الدولي أنه وفقاً للمادة 25 من نظام روما الأساسي، فإن الأفراد الذين يأمرون أو يخططون أو ينفذون مثل هذه الجرائم يتحملون المسؤولية الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ودعا مهران السلطة الفلسطينية والدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى إحالة هذه الجرائم إلى المدعي العام للمحكمة للتحقيق فيها، مشيراً إلى أنه يمكن أيضاً للمدعي العام التحقيق فيها من تلقاء نفسه وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما لفت إلى أن مجلس الأمن الدولي يمكنه إحالة الأمر إذا تحمل مسؤولياته، وكذلك يستطيع بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اتخاذ تدابير لوقف هذه الانتهاكات وفرض عقوبات على المسؤولين عنها إذا كانت هناك إرادة.
وناشد المجتمع الدولي، خاصة الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 1 المشتركة في هذه الاتفاقيات، والتي تلزمها باحترام وضمان احترام القانون الدولي الإنساني في جميع الظروف.
وحذر من عواقب استمرار هذه الانتهاكات، قائلاً: "إن استمرار إفلات إسرائيل من العقاب على جرائمها يقوض مصداقية النظام القانوني الدولي ويهدد السلم والأمن الدوليين. يجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم لضمان احترام القانون الدولي وحماية حقوق الفلسطينيين".
وفي ختام تصريحاته، اعتبر الخبير الدولي أن الحل الوحيد لهذا الصراع هو التمسك بمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مشدداً على ضرورة وقف إسرائيل انتهاكاتها فوراً والامتثال لالتزاماتها الدولية.
وأضاف أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل مسؤولياته في حماية المدنيين وضمان تطبيق العدالة.
وأكد أيضاً ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية والقانونية الدولية لمحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، داعياً إلى تفعيل آليات العدالة الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في هذه الانتهاكات ومحاكمة مرتكبيها حتى لا يفلتوا من العقاب.