يتساءل الكثيرون عن حكم جلوس زوجة الابن أمام والد زوجها بدون حجاب، حيث أجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على سؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أمام والد زوجها ؟
هل يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أمام والد زوجها؟
وقال المفتي إن جلوس المرأة أمام والد الزوج بدون حجاب، جائز؛ لأن والد الزوج أصبح من المحارم بمجرد عقد الزواج حتى لو لم يدخل بها الزوج، وحينها تصبح زوجة الابن محرمة تحريمًا أبديًّا.
وفي بيان ضابط ما يظهر من زينة المرأة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، في هذه الآية الكريمة بيان ما يجوز للمرأة إبداؤه من زينتها وما لا يجوز، ومن يحلُّ لها أن تبدي من بعض الزينة أمامهم من الرجال، ولقد جاءت كلمة: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ مرتين في هذه الآية الأولى بقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.
وقد اختلف العلماء في تحديد المقصود بكلمة: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ وقدره، هل يكون معناه ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد، أو يكون ما جرت العادة بإظهاره وكان الأصل فيه الظهور؟ وقد أثر واشتهر عن أكثر السلف من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين الرأي الثاني، فقد اشتهر عن ابن عباس وعن أنس رضي الله عنهما أنهما قالا في تفسير: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ الكحل والخاتم، وإباحة إبراز هذين يلزم منها إظهار موضعيهما وهما الوجه والكفان، وهذا ما أميل للأخذ به؛ لأن إظهار الوجه والكفين ضرورة للتعامل وقضاء المصالح -بهذا قال المفسرون؛ الطبري والقرطبي والزمخشري والرازي والشوكاني في "فتح القدير"، وغيرهم في تفسير هذه الآية- ولأن في سترهما حرجًا للمرأة التي قد تخرج لكسب قوتها أو تعول أولادها، كما أشار إلى هذا الفخر الرازي في "تفسيره" (23/ 205، 206)، وقوله سبحانه في الآية للمرة الثانية: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ هذا القول حثٌّ للنساء ونهي للمؤمنات عن كشف الزينة الخفية من أجسادهن -كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق- أمام الأجنبي من الرجال، حيث رخَّص الله لها في إبداء الوجه والكفين فقط كما في افتتاح الآية: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾.
من يباح إظهار الزينة أمامهم
استثنت الآية من حظر إبداء الزينة الخفية اثني عشر صنفًا من الناس، هم:
1- بعولتهنَّ: أي أزواجهنَّ، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة، وفي الحديث: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ» أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقي. انظر "البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث" (1/ 99).
2- آباؤهنَّ: ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال؛ إذ الصنفان الأخيران بمنزلة الآباء عرفًا، وفي الحديث: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» رواه مسلم.
3- آباء أزواجهن: فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن حيث وقع التحريم بقوله تعالى: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ من آية المحرمات [النساء: 23].
4- أبناؤهنَّ: ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكورًا وإناثًا.
5- أبناء أزواجهنَّ: لضرورة الاختلاط الحاصل في العشرة والمنزل؛ ولأنها صارت بمثابة الأم فهي محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22].
6- إخوانهنَّ: سواء أكانوا أشقاء أم من الأب أم من الأم.
7- بنو إخوانهنَّ: للتحريم الواقع مؤبدًا بين الرجل وعمته.
8- بنو أخواتهنَّ: لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضًا بنصِّ آية التحريم في القرآن.
9- نساؤهنَّ: أي النساء المتَّصلات بهن نسبًا أو دينًا، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمة ما خفي، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبي رؤيته على أصح الأقوال.
10- ما ملكت أيمانهنَّ: أي عبيدهنَّ وجواريهنَّ؛ لأن الإسلام ضمَّ هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها، وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين. "تفسير القرطبي" (12/ 237،234،233) وفيه تفصيل.
11- التابعون غير أولي الإربة من الرجال: وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم في النساء لسبب بدني أو عقلي، فلا بد من توافر هذين الوصفين: التَّبعية للبيت الذي يدخلون على نسائه، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبي: من لا فهم ولا همة ينتبه بها إلى النساء.
12- الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء: وهم الصغار الذين لم تُثَر في أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ.
عورة المرأة أمام الغير
كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها، وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثني عشر المذكورين في آية سورة النور السابق ذكرها، تتحد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التي أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج كما يدل على هذا حديث بهز بن حكيم عن جده رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، قيل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا». قيل: إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» سبق تخريجه مع اختلاف بين الأئمة في الألفاظ. انظر "البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث" (1/99).
هذا، وقد قال القرطبي: [لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج] اهـ. "تفسير القرطبي" (12/ 232)، وفي موضع آخر قال: [والله تعالى قد حرم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصًا، العبد منهم] اهـ.
وقد تأول بعضهم الآية في شأن الأصناف الأخيرة فقال: [إن التقدير: أو ما ملكت أيمانهن من غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال] اهـ. "تفسير القرطبي" (ص273).