تتسم العلاقات بين مصر وصربيا بشراكة استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والثقافية، هذه الشراكة تنبع من القواسم المشتركة والأسس التاريخية الراسخة التي تجمع البلدين، خاصة في ستينيات القرن الماضي وتأسيس مصر ويوغوسلافيا – التي ورثتها صربيا – لحركة عدم الانحياز وتبني سياسة الحياد الإيجابي والدفاع عن مصالح البلدين، إضافة إلى توافر الإرادة السياسية لدى زعيمي البلدين في تطوير تلك العلاقات.
حجم التبادل التجاري بين مصر وصربيا
وأولت مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أهمية كبيرة لمنطقة البلقان لما تمثله من أهمية استراتيجية. وشهدت العلاقات بين مصر وصربيا طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، تعكس تنويع مصر لدوائر سياستها الخارجية وبناء الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع جميع الدول، ومنها صربيا، لتعزيز التنمية الداخلية وجذب الاستثمارات الخارجية وتوطين التكنولوجيا، وهو ما يسمى بدبلوماسية التنمية.
وشكلت زيارة الرئيس الصربي إلكسندر فوتشيتش لمصر ولقاؤه بالرئيس السيسي أهمية كبيرة من حيث التوقيت والدلالات والمخرجات، وأعطت دفعة قوية نحو تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في المجال الاقتصادي والتجاري، والاستفادة من المزايا النسبية التي يتمتع بها البلدان. تم تعزيز التعاون في مجالات عديدة، وتجسد ذلك في توقيع عدد من اتفاقات التعاون بين البلدين.
و تعد صربيا بوابة مهمة لمصر نحو منطقة البلقان ووسط أوروبا، ولديها تجربة تنموية متميزة، بينما تعد مصر بوابة صربيا نحو الشرق الأوسط وإفريقيا وتمتلك اقتصادًا واعدًا ينمو بمعدلات كبيرة، كما تعد بيئة واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك الاستثمارات الصربية، خاصة في المشروعات القومية العملاقة مثل محور التنمية في قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة.
وعلى المستوى السياسي، هناك توافق يصل إلى حد التطابق بين البلدين في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، منها مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وضرورة وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وحل الصراع سياسيًا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ضمن حل الدولتين.
كما يتفق البلدان على ضرورة التسوية السياسية السلمية للأزمة الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى تداعيات سلبية عديدة على مختلف دول العالم، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الغذاء عالميًا وتأثير سلاسل الإمداد. لا شك أن التنسيق والتعاون المصري الصربي يمثل أهمية كبيرة لصالح شعبي البلدين.
ودعا المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، خلال منتدى الأعمال المصري الصربي، رجال الأعمال الصربيين إلى استكشاف الفرص الاستثمارية المتنوعة التي تقدمها مصر.
من جانبه، أعلن وزير التجارة الداخلية والخارجية الصربي أن خطط التعاون المستقبلية تشمل تصدير المنتجات الزراعية المصرية إلى السوق الصربية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وصربيا خلال عام 2023 نحو 125 مليون دولار.
وأوضح وزير الاستثمار والتجارة الخارجية أن مصر وصربيا أظهرتا مرونة ملحوظة في أوقات التحديات، حيث تسارَع معدل نمو الاقتصاد الصربي في النصف الثاني من عام 2023، محققًا نسبة نمو 2.5%، مع توقع البنك الدولي لنمو بنسبة 3.5% في عام 2024.
وبالمثل، أظهر الاقتصاد المصري مرونة كبيرة، حيث شهد تحسُّنًا إيجابيًا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك زيادة احتياطيات النقد الأجنبية، واستقرار سعر الصرف، وتدفقات الاستثمار الأجنبي. ومن المتوقع أن نحقق معدلات نمو سنوية تبلغ 4%.
كان الرئيس عبدالفتاح السيسي أعلنتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، لتساهم في تنمية العلاقات بين مصر وصربيا. وقال إن اتفاقية التجارة الحرة ستسهم في رفع معدلات النمو والتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين بشكل كبير.
وأشار الرئيس إلى أهمية الانعقاد الدوري للاجتماعات بين البلدين، لما يسفر عنه من دفع التعزيز بين البلدين لا سيما في قطاعات الاستثمار، الزراعية، السياحة، وتكنولوجيا المعلومات.
من جانبه قال رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إن اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وصربيا ستضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، موضحًا أن حجم التبادل الحالي يبلغ حوالي 89 مليون دولار، والهدف من الاتفاقيات الموقعة هو مضاعفة هذا الرقم. وأضاف أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي التاريخية إلى صربيا عام 2022 كانت بداية لتطوير آفاق التعاون بين البلدين.
وأوضح مدبولي خلال منتدى رجال الأعمال المصري الصربي، أن صربيا ستكون بوابة لدخول البضائع المصرية إلى دول غرب البلقان، وكذلك ستكون مصر بوابة لدخول البضائع الصربية إلى إفريقيا. وأشار إلى أن الجانبين لديهما خطة محددة الأهداف لتوسيع الاستثمارات بين البلدين وتوسيع التعاون ليشمل قطاعات كبرى.
وأضاف رئيس الوزراء أن المنتدى يعد خطوة أولى نحو ترسيخ وتطوير وتعزيز العلاقات بين مجتمع الأعمال من الجانبين في مختلف المجالات، وسيعمل على تعزيز التواصل عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتشجيع الزيارات المتبادلة.
وأشار إلى أن المنتدى سيعمل أيضًا على تعزيز التعاون الاقتصادي على المستوى المحلي والإقليمي من خلال فتح قنوات اتصال بين التجارة المصرية والصربية على مستوى المحافظات والمدن الصغيرة. ومن الأمثلة على ذلك الزيارات المتبادلة بين غرفة التجارة المصرية في الإسكندرية وغرفة التجارة بمنطقة "فويفودينا" في صربيا، ويمكن أن يتوسع ذلك ليشمل الغرف التجارية في مدن أخرى بالإضافة إلى نقل الخبرات والتكنولوجيا.
وشدد مدبولي على ضرورة التركيز على اختيار مجالات التعاون التي تعكس المصلحة المشتركة للبلدين مع الاستفادة من الميزة النسبية التنافسية لكل منهما.
وأشار إلى أن هذه المجالات تشمل الزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية والإسكان، خاصة في ضوء انفتاح مصر مؤخرًا على عدد من المدن الذكية وأبرزها العاصمة الإدارية الجديدة.
وفي مجال السياحة، أكد الدكتور مدبولي تطلع مصر إلى زيادة أعداد السائحين الصربيين وتسهيل العقبات المتعلقة بالسائحين المصريين في صربيا.
من جانبه، قال عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، الدكتور وليد جاب الله،إن منتدى الأعمال المصري الصربي له أهمية كبيرة جدًا، منوها بأن انعقاد مجلس الأعمال بهذا الشكل وحضور كبار المسؤولين السياسيين من البلدين يوضح أهمية دور القطاع الخاص والمستثمرين في كلا البلدين.
وأضاف جاب الله في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن المنتدى استعرض الفرص الاستثمارية، وأن المستوى الرفيع الذي قام عليه المنتدى، بحضور كبار المسؤولين والوزراء من كلا البلدين، يعبر عن الإرادة الحازمة لنمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ولفت جاب الله إلى أن ترحيب مصر بالتعاون مع دولة صربيا بات واضحًا في لغة الخطاب، وهذا يدفع معدلات التعاون التجاري بين البلدين. وتابع قائلاً إن معدل التبادل التجاري بين البلدين وصل في عام 2022 إلى 113 مليون دولار، بزيادة قدرها 42% عن عام 2021، حيث بلغ حجم التبادل وقتها 79 مليون دولار.