تعبتر حركة الأفروسنتريك أحد التيارات الفكرية التي اكتسبت شعبية متزايدة في السنوات الأخيرة، حيث تهدف هذه الحركة إلى إبراز تراث وثقافة الأفارقة وإعادة كتابة التاريخ بمنظور أفريقي، لكن في المقابل هناك اتهامات أنهم يستخدمون الحضارة المصرية القديمة لإدعاء هذا الزيف، حيث يقدمون أنفسهم باعتبارهم أحفادًا للفراعنة القدماء.
عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية قال إن مصر جزء أصيل وفاعل من القارة الأفريقية. ولم تكن هناك أية عنصرية أو أي استعلاء عرقي أو حضاري من مصر القديمة على جيرانها أو على الحضارات التي تفاعلت معها.
وأضاف: من المعروف أن مصر تقع في الجزء الشمالي الشرقي من أفريقيا. ويوجد عدد كبير من الحضارات الأفريقية المتميزة جنوب الصحراء. وكان لمصر القديمة امتداداتها الجغرافية والتاريخية والحضارية في أفريقيا عبر وادي النيل في النوبة العليا، والتي تعرف أثريًا لدينا باسم "كوش"، والتي كانت تمتد إلى الجندل السادس في السودان الحالية، على عكس النوبة السفلى التي كانت تقع داخل الحدود المصرية بين أسوان ووادي حلفا.
أرض كوش
واستطرد: منذ أقدم العصور، كان لمصر القديمة وجود وتفاعل كبيرين في العمق الأفريقي. ووصل إلى القمة في عصر الدولة الحديثة، أو عصر الإمبراطورية، حين وصلت الحدود المصرية إلى الجندل الرابع في أرض كوش. وكان ملوك الدولة الحديثة يعينون حاكمًا مصريًا لإدارة أرض "كوش" أو النوبة العليا. وكان يحمل لقب "سَا نِسو إِن كَاش" أو "ابن الملك في كوش". ومن قبل ذلك بكثير، كانت النوبة العليا مصرية، أو متمصرة، ومتشبعة بالثقافة المصرية وعلى علم وثيق بنظم الإدارة المصرية وبكل مفردات الحضارة المصرية. وقام المصريون القدماء بذلك من أجل تأمين التجارة الواردة لمصر من الجنوب، والتي كانت مصر في أشد الحاجة إليها. ولعبت الدبلوماسية والتجارة والقوة العسكرية أدوارها بين مصر القديمة وعمقها الأفريقي حسب طبيعة كل عصر من عصور التاريخ المصري القديم.
أسباب دينية
صُور بعض المصريين القدماء ببشرة سمراء في بعض الأعمال الفنية؛ وذلك لأسباب دينية كانت مرتبطة بتصوير الرب أوزير سيد العالم الآخر وعالم الظلام وعالم الموتى؛ وكان يتم ذلك التصوير لضرورات عقائدية. ولم يكن المصريون القدماء ذوي بشرة سمراء كما ظهروا في بعض من تلك الأعمال الفنية من نحت ونقش وتصوير، والتي بنى البعض نظريات خاطئة تقول إن المصريين القدماء كانوا من ذوي البشرة السوداء.
وأضاف: شارك الكوشيون في العمل داخل مصر في عدد من الوظائف. ودُفنوا داخل أرض مصر. بعد نهاية عصر الدولة الحديثة، مرت مصر بعصر الانتقال الثالث. وكان عصرًا في قمة الضعف على كل المستويات. وفي نهاية ذلك العصر، هبط الكوشيون أو أهل النوبة العليا، الذين كانوا متمصرين؛ لإنقاذ مصر وحضارتها الخالدة من التردي الذي حدث لها بعد عصرها الذهبي العظيم. وقام الملك الكوشي بيعنخي، أو بيا، بغزو مصر وتوحيد البلاد تحت سلطة ملك كوشي واحد. وسيطر هو وخلفاؤه، والذين كان أهمهم الملك طاهرقا، على مصر لفترة زمنية ليست بالكبيرة.
ملوك لا يعرفون اللغة المصرية
كان أولئك الملوك الكوشيون يعرفون اللغة المصرية القديمة، وكانوا يتعبدون إلى المعبودات المصرية القديمة مثل الإله آمون. وبعد وفاتهم، دفنوا أنفسهم في أهرامات صغيرة الحجم؛ تقليدًا لأسلافهم الملوك المصريين الذين أُعجبوا بهم وقلدوهم في بناء أهرامات بعيدة عن أهرامات الجيزة في الحجم والزمن، لكنها قريبة منها في الفلسفة والشكل والمغزى.
لقد حكم الملوك الكوشيون مصر لفترة زمنية قصيرة تقدر بحوالي ثمانية وثمانين عامًا. وخرجوا من مصر تحت هجمات الآشوريين الذين أنهوا حكم الكوشيين، والذين عادوا إلى بلادهم في عاصمتهم الجنوبية في نباتا. وتأسست في مصر أسرة وطنية هي الأسرة السادسة والعشرين الصاوية في سايس، أو صا الحجر في وسط الدلتا المصرية.