منذ اندلاع الأزمة السودانية وعلى مدار شهور، بذلت مصر جهودا مكثفة لمساعدة السودان الشقيق على تجاوز الأزمة التى يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السودانى وعلى أمن واستقرار المنطقة، وذلك انطلاقاً من الروابط التاريخية والاجتماعية الأخوية والعميقة، التى تربط بين الشعبين المصرى والسودانى، والدور المحورى المصري فى محيطها العربى والإقليمى.
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفداً سودانياً من المشاركين في مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي استضافته مصر، وذلك بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، بالإضافة إلى عدد من ممثلي الأطراف الإقليمية والدولية، من بينهم وزير خارجية تشاد، وكبار مسئولي دول الإمارات وقطر وجنوب السودان وألمانيا، فضلاً عن ممثلي الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، وسفراء فرنسا والمملكة المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي والسعودية بالقاهرة.
الأزمة السودانية
وأكد الرئيس أن الدولة المصرية تبذل أقصى الجهد، سواء ثنائياً، أو إقليمياً ودولياً، لمواجهة تداعيات الأزمة السودانية، وذلك عبر تقديم كافة أوجه الدعم، بما يعكس خصوصية العلاقات المصرية السودانية، حيث تستمر مصر في إرسال عدد كبير من شحنات المساعدات الإنسانية للأشقاء في السودان، فضلاً عن استضافة ملايين الأشقاء السودانيين بمصر.
وشدد الرئيس السيسى، على ضرورة أن يتضمن الانتقال للمسار السياسي للأزمة، مشاركة كافة الأطراف، وفقاً للمصلحة الوطنية السودانية دون غيرها، وأن يكون شعار "السودان أولاً" هو المحرك لجميع الجهود الوطنية المخلصة، فضلاً عن ضرورة أن ترتكز أية عملية سياسية ذات مصداقية، على احترام مبادئ سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، باعتبارها أساس وحدة وبناء واستقرار السودان وشعبه الشقيق، مؤكداً حرص مصر على التنسيق والتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحل الأزمة السودانية.
وأوضح المستشار أحمد فهمى، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس أعرب، خلال اللقاء، عن تقديره لاستجابة المشاركين للدعوة المصرية لعقد هذا المؤتمر المهم، تحت شعار "معاً لوقف الحرب"، في ظل اللحظة التاريخية الفارقة التي يمر بها السودان الشقيق، والتي تتطلب تهيئة المناخ المناسب، لتوحيد رؤى السودانيين تجاه كيفية وقف الحرب، مشدداً على أن مصر لن تألو جهداً، ولن تدخر أية محاولة، في سبيل رأب الصدع بين مختلف الأطراف السودانية، ووقف الحرب، وضمان عودة الأمن والاستقرار، والحفاظ على مقدرات الشعب السوداني، مؤكداً ضرورة تكاتف المساعي للتوصل لحل سياسي شامل، يحقق تطلعات شعب السودان، وينهي الأزمة العميقة متعددة الأبعاد التي يعيشها السودان، بما تحمله من تداعيات كارثية على مختلف الأصعدة، السياسية والاجتماعية والإنسانية.
وأضاف المتحدث الرسمي، أن المتحدثين من رموز القوى السياسية والمدنية السودانية، أعربوا من جانبهم عن تقديرهم وتثمنيهم البالغ للجهود المصرية المخلصة لدعم السودان منذ بدء الأزمة الراهنة، ما يجسد عمق الأواصر التي تجمع شعبي البلدين ووحدة التاريخ والمصير بينهما، مؤكدين ترحيبهم بمساعي القيادة المصرية لتقريب وجهات نظر الأطراف السودانية للخروج من الأزمة الحالية، فضلاً عن الدعم الذي تقدمه مصر لشعب السودان، سواء عبر سعيها الدؤوب لمعالجة الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه مناطق واسعة في السودان، أو من خلال استضافتها الكريمة والطيبة، شعباً وحكومة، لأبناء الشعب السوداني في وطنهم الثاني مصر، بما يعكس العلاقات الأخوية الأزلية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين.
من جانبه، قال محمد إلياس، المحلل السياسي السوداني، إن دعوة القاهرة لعقد مؤتمر بشأن السودان بمشاركة القوى السياسية المختلفة جاءت في الوقت المناسب، نظراً للوضع الراهن في الخرطوم بعد توسع دائرة الحرب لتشمل ولايات جديدة مثل سنار والقضارف، بالإضافة إلى محاور جديدة مع اضطراب الوضع في دارفور. وأكد إلياس أن أبرز المشاركين في المؤتمر هي جبهة القوى السياسية المعروفة بـ "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب"، التي تشارك فيها الدكتور عبد الله حمدوك، مشيراً إلى أن هذه الجبهة تمثل فرصة جيدة لطرح رؤية لإيقاف الحرب وجمع طرفي الصراع للتفاوض وفتح المسارات الإنسانية.
وأضاف "إلياس" في تصريحات لـ صدى البلد، أن دعوة القاهرة جاءت في توقيت حاسم، حيث يتجه الوضع في السودان نحو حرب شاملة تؤدي إلى الانهيار الكامل والتقسيم حسب المناطق والولايات، موضحا أن الوضع في السودان خطير جداً، مما استدعى تحرك القاهرة السريع لوقف النزيف وإيقاف هذه الحرب، مؤكداً أن استمرار الحرب بهذا الشكل قد يؤدي إلى تغيير شكل السودان بالكامل، خاصة بعد حصار ميليشيا الدعم السريع للعديد من المناطق وهزائم الجيش في عدد من المحاور القتالية.
وأشار المحلل السوداني إلى أن القاهرة يجب أن تكون على دراية تامة بأوضاع السودان، لأن انهياره سيؤثر على دول الجوار وخاصة مصر، مشدد على أن إيقاف الحرب يتطلب إرادة قوية وإقناع الطرفين بالتفاوض، وأن القاهرة تلعب دوراً كبيراً في محاولة إيقاف الحرب، إلا أن النزاع دخل في مرحلة مظلمة وأصبح أكثر اتساعاً وغموضاً.
وتوجّه حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي، السبت، بالشكر لجمهورية مصر العربية التي وفرت للسودانيين الدعم الدائم مع الضحايا بإصدار الإدانة علي ممارسات الدعم السريع بالانتهاكات.
وقال “مناوي” إن البيان الختامي لـ"مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية" في القاهرة خيب ظنون السودانيين خاصة الضحايا ، لذا ليسوا معنيين بالبيان لا يحمل تعاطفًا مع الشعب السوداني.
مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية
وصدر البيان الختامي لـ"مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية" في القاهرة ، واتفق المشاركون فيه على ضرورة الوقف الفوري للحرب وضرورة الالتزام بـ"إعلان جدة".
في هذا السياق، نشرت وزارة الخارجية في بيان لها، اليوم الأحد، البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، والذي جاء فيه "نحن القوى السياسية والمدنية السودانية التي توافقت على هذا البيان، اجتمعنا بدعوةٍ كريمةٍ من حكومة جمهورية مصر العربية الشقيقة بعاصمتها القاهرة تحت شعار (معاً من أجل وقف الحرب)، وتداولنا الرؤى ووجهات النظر، في لحظة حرجة من تاريخ بلادنا، تهدد استقرارها واستقلالها ووحدة أراضيها وهددت بقاءها كدولةٍ لشعبٍ له إرثه الحضاري الأصيل والمُشرف".
وقال البيان إن الحرب "تسببت في كارثةٍ إنسانيةٍ مريعة، وعصفت بملايين الأسر إلى المجهول، وفى هذه الساعة التي نتداول فيها، يعانون من ويلات الحرب، ومآسي النزوح والتشرد واللجوء والموت جوعاً، والافتقار لأبسطِ مقومات الرعاية الطبية، وينتظرهم شبحِ الأميةِ المُتوحش ، تاركاً أمتنا فريسةً لأجيالٍ من ضياعِ العقول والجهلِ والتطرف".
وأضاف البيان "لقد استجبنا للدعوة الكريمة التي بادرت بها جمهورية مصر العربية لجمع السودانيين، وبحُضورٍ مُقدرٍ من دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية بغرض التشاور والاتفاق على الحدِ المطلوب للعمل المشترك من أجل وقف الحرب وإنهاء الأسباب التي أفضت إليها، والمسارعة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وعلى رأسها الغذاء والدواء والتعليم".
أما المسار السياسى لحل الأزمة فقد أجمع المؤتمرون على المحافظة على السودان وطناً موحداً، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفدرالية، قائلين "إن اجتماع القاهرة يمثل فرصةً قيمةً إذ جمعت لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية، كما جمعت طيفاً مُقدراً من الشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني، توافقوا جميعاً على العمل لوقف الحرب باعتبار أن ذلك هو سؤال سائر السودانيين ومطلبهم الأساس".