تعتبر أزمة انقطاع الكهرباء من أبرز التحديات التي تواجه العديد من الدول حول العالم، خاصة الدول الغربية الكبرى، هذا الأمر يؤكد أن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وزيادة السكان من بين الأسباب الرئيسية.
على سبيل المثال، تعاني الولايات المتحدة من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة بسبب الضغط الكبير على شبكات الكهرباء، مما أدى إلى انقطاعات متكررة في العديد من المدن الأمريكية، وهذا الوضع يثير القلق بين السكان ويضع تحديات كبيرة أمام السلطات.
أما في مصر، أصبح شاغل المواطنين الأساسي في الوقت الحالي هو معرفة موعد انتهاء انقطاع الكهرباء، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة استخدام المراوح وأجهزة التكييف.
متى تنتهي أزمة انقطاع الكهرباء؟
ومن جانبها، أولت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اهتمامًا كبيرًا بالملفات التي تهم المواطنين في الوقت الحالي، وعلى رأسها ملف الكهرباء والانتهاء من خطة تخفيف الأحمال.
وقد اتخذت الحكومة، ممثلة في رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمود عصمت، عدة قرارات مهمة بشأن هذا الملف.
وبدأت مصر مجددًا في استيراد الغاز المسال من الأسواق العالمية لسد النقص، إذ قال رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، إن القاهرة تعاقدت على جميع الشحنات اللازمة من الوقود لإنهاء انقطاع الكهرباء خلال فصل الصيف.
وأوضح مدبولي في مؤتمر صحفي، أنه تم توفير مخصصات استيراد الغاز والمازوت بالكامل من قبل وزارة المالية، ويتم التعاقد على هذه الشحنات ووصولها خلال شهري يوليو وأغسطس.
من جانبه، أكد أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، وصول الشحنة الثانية من الغاز أمس، السبت، والتي بلغت حمولتها 170 ألف متر مكعب من الغاز.
وأوضح كمال أن هناك تتابعاً لاستلام الشحنات المتفق عليها خلال شهر يوليو الحالي لإنهاء أزمة الكهرباء الحالية نهائيًا، مشيرًا إلى استلام شحنات أخرى من أغسطس حتى ديسمبر المقبل.
وتابع وزير البترول الأسبق أن هناك تعاقدات جديدة على شحنات من الغاز والمازوت، وذلك في إطار إنهاء أزمة الكهرباء والمصانع وزيادة الإنتاج.
وقال حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول، إنه تم الاتفاق على 21 شحنة من الغاز ستصل خلال فصل الصيف، بالإضافة إلى شحنات أخرى من المازوت.
وأوضح عبد العزيز أن الإنتاج المحلي يبلغ 5.7 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، ومع الأسبوع الثالث من يوليو، سيكون هناك مخزون كافٍ لشبكات الغاز القومية.
ويبلغ حجم إنتاج مصر من الغاز نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، بينما يتراوح الاستهلاك بين 6.7 و6.8 مليار قدم مكعب يومياً. وتقارب الفجوة 800 مليون قدم مكعب، ولا يمكن سدها إلا عبر استيراد الغاز المسال، وإلا ستستمر انقطاعات الكهرباء وستواجه المصانع نقصًا في الإمدادات.
وكانت مصر وصلت إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في عام 2018 بعد بدء الإنتاج من حقل ظهر، وبلغت أعلى معدلات إنتاج الغاز في عام 2020/2021 حين سجلت 7.2 مليارات قدم مكعب يومياً ووصل إنتاج حقل ظهر إلى نحو 3 مليارات قدم مكعب يومياً.
وفي تلك الفترة، بدأت مصر في استيراد الغاز عام 2020، ولكن ليس للاستهلاك المحلي، بل لتحويله إلى غاز مسال في محطتي إدكو ودمياط بهدف إعادة تصديره إلى أوروبا.
وحققت مصر طفرة في الصادرات حيث ارتفعت قيمة صادرات الغاز الطبيعي في عام 2022 إلى نحو 8.4 مليار دولار مقارنة بنحو 3.5 مليارات دولار في العام السابق، مدفوعة بارتفاع أسعار الغاز بعد الحرب الأوكرانية.
ولكن فجأة انخفض إنتاج حقل ظهر بمقدار الثلث تقريباً ليصل إلى 1.9 مليار قدم مكعب يومياً حالياً، كما تراجع الإنتاج من الحقول المصرية الأخرى، ما اضطر مصر إلى تحويل الغاز المستورد للاستهلاك المحلي، مما أدى إلى تراجع الصادرات حتى توقفت تماماً، وكان هذا أحد أسباب أزمة السيولة الدولارية التي ظهرت في عام 2023.
ودبرت مصر 1.2 مليار دولار لاستيراد الغاز المسال والمازوت لوقف انقطاعات الكهرباء خلال شهور الصيف، إلا أن التكلفة مرتفعة، خاصة مع ارتفاع أسعار الغاز المسال في السوق الفورية حالياً لتصل إلى 12.6 دولار لكل مليون وحدة حرارية، ويضاف إليها مصاريف التغويز والنقل لتصل التكلفة إلى نحو 14.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. وتحصل الكهرباء على الغاز بسعر 3 دولارات، والأسمدة بسعر 5.75 دولار، والأسمنت بسعر 12 دولاراً، والصناعات الغذائية بسعر 4.5 دولار، ويتحمل الفارق وزارة المالية.
وفي هذا السياق، قال خبير الاقتصاد الدولي، الدكتور عبد النبي عبد المطلب،إنه لا توجد مشكلة حقيقية في ملف الكهرباء، حيث تمتلك مصر محطات توليد بقدرة إنتاجية تزيد عن 48 جيجاوات سنويًا، في حين أن أقصى استهلاك للبلاد لا يتجاوز 35 جيجاوات سنويًا.
وأضاف عبد المطلب، في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن المشكلة تكمن في توقف إمدادات الغاز، وبمجرد عودة هذه الإمدادات، ستُحل المشكلة أو على الأقل جزء كبير منها سيُحل، لافتًا إلى وجود سفينة تغويز ستساعد في توفير الغاز اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، إضافة إلى تعاقد مصر على 17 شحنة من الغاز المسال، مما سيوفر الغاز اللازم لتشغيل المحطات خلال فترة الصيف.
وأشار إلى أن ملف البترول هو الذي يحتاج إلى خطة واضحة للعمل، ويجب أن يكون هناك تعاون حكومي لتحفيز الاستثمار في مجال استكشاف واستخراج الغاز المصري.
ويمكن أن يبدأ هذا التعاون بالتفاوض مع شركة غازبروم الروسية لاستكشاف الغاز أو على الأقل مد أنابيب الغاز الروسي إلى مصر، وبذلك تحقق مصر أكثر من هدف في الوقت نفسه، مثل الحصول على احتياجاتها من الغاز والاستمرار في خطط تسييل الغاز الروسي وتصديره إلى أفريقيا.