تجربة مذهلة للتتنمية المستدامة حققها أستاذ فيزياء جامعي في مصر، في قرية مصرية ليحقق بها طفرة تكنولوجية، وتم اختيار د. صلاح عرفة، أستاذ الفيزياء، مستشاراً علمياً لمحافظة الشرقية.
فيزيائي يغير مصير قرية في مصر
بحسب الموقع الرسمي للجامعة الأمريكية، عمل عرفة يركز بشكل أساسي على نقل التكنولوجيا لتحقيق تطور فعلي في المناطق الريفية.
وشجع على المشاركة الفعّالة لسكان هذه المناطق في كل مرحلة من مراحل التطور، بدلاً من فرضه من الخارج. بدأ في الوصول لسكان القرية وتنظيم جهودهم من خلال إنشاء منظمات غير حكومية تقدم لهم الهياكل والأطر اللازمة للعمل الجماعي.
يوضح عرفة أن المرحلة التالية هي تمكين السكان ومساعدتهم في اكتساب مهارات إدارة المنظمات، وبعد ذلك يتم تعليمهم كيفية جذب دعم آخرين وتمكين قادة المنظمات، مع التركيز أيضًا على تعلم مهارات الحاسوب والكتابة.
مهمة عرفة كمستشار علمي للمحافظة تتمثل في جمع وتنسيق جهود المسؤولين، والخبراء، والجهات المحلية النشطة لتحقيق تكامل في خدمة المجتمع بمحافظة الشرقية.
صناعة المستقبل من قرية البسايسة
حصل على عدد من التكريمات بسبب مشروعه الذي بدأه قبل 50 عاما في قرية البسايسة بالشرقية، وفي عام 1973 أعرب عن رغبته لاهل القرية في تنفيذ مشروع تنموي، وبدأ بالتواصل مع الاهالي لاستكشاف سبل التنمية المحتملة.
وكان أول تحدي يواجههم هو نقص التيار الكهربائي، مما دفعهم للتفكير في إنشاء أول وحدة لتوليد الطاقة الشمسية. وبهذا، أصبحت البسايسة أول قرية تعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية، متحررة تمامًا من اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية.
لإقناع الأهالي بأهمية هذا المشروع، بدأ عرفة في زيارة القرية بانتظام كل يوم جمعة، حيث جلس معهم على الحصير البلاستيك، في فترة شهدت مشاركة مجموعة من 650 فردًا موزعين على 65 منزلًا.
وقد بدأ في تنفيذ فكرة المشاركة الفعّالة والحوار المجتمعي، استمع خلالها إلى احتياجاتهم ومطالبهم، حيث كانت الأولوية الرئيسية تتمثل في تأمين المياه والكهرباء والصرف الصحي.
صلاح عرفة ومشروع الطاقة الشمسية
بدأت القرية كمحطة أولى لتجربة الاعتماد الكامل على الطاقة الشمسية، وهي مبادرة تهدف إلى تحسين الحياة المجتمعية والاقتصادية من خلال الاستفادة الأمثل من مواردها الطبيعية.
لم يكن الطريق سهلاً في البداية، حيث كان أغلب السكان غير ملمين بفوائد الطاقة الشمسية وكانوا يعانون من نقص التيار الكهربائي. بدأ عرفة بتوضيح الفكرة للأهالي من خلال عروض نموذجية صغيرة، ليتمكن من إقناعهم بأهمية هذا المشروع كوسيلة لتوفير الكهرباء بطريقة مستدامة واقتصادية.
تمثلت محطة الطاقة الشمسية في البسايسة في خلايا تتبنى تكنولوجيا تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء يتم تخزينها في بطاريات للاستخدام خلال الليل، وتوفير الحرارة لتسخين المياه وطهي الطعام.
بالتزامن مع العمل على تحسين جودة الحياة، أسس عرفة جمعية تنموية لإدارة المشروع بالتعاون مع سكان القرية، حيث شاركوا في دفع تكاليف التشغيل والصيانة وتطوير المبادرات الإضافية.
كهرباء من شمس سيناء
مع مرور السنوات، نمت الفكرة وانتقلت إلى قرية البسايسة الجديدة في صحراء سيناء، التي أصبحت مشروعًا نموذجيًا لاستخدام الطاقة المتجددة في الزراعة وإنتاج الطاقة الكهربائية والحرارية.
واستفادت القرى المحيطة من البسايسة من هذه التجربة الناجحة، حيث تم تعزيز مستوى الحياة وتحسين البنية التحتية بفضل الاستفادة من موارد الطبيعة بشكل مستدام.
من هو د. صلاح عرفة ؟
بحسب سيرته على الموقع الرسمي للجامعة الأمريكية، يركز في عمله بصورة أساسية على نقل التكنولوجيا لبث نوع من التطور الحقيقي في المناطق الريفية.
ويرى أن التطور لا يأتي عن طريق الفرض والإجبار من الخارج، بل يأتي عن طريق إشراك سكان المناطق الريفية في كل خطوة من خطوات عملية التطور.
ويوضح عرفة في حوار قديم: “نحن نصل إلى الناس ونعمل على حشدهم وتنظيم جهودهم عن طريق تكوين منظمات غير حكومية تقدم لهم أُطر عمل ملائمة. وبعد ذلك نبدأ في مرحلة تمكينهم، ومساعدتهم على تعلم كيفية إدارة منظمة من المنظمات، وبعد ذلك ينتقلون إلى مرحلة تعلم كيفية حشد آخرين، وكيفية تمكين قادة المنظمات، بالإضافة إلى اكتساب مهارات الكمبيوتر ومهارات الكتابة”.
تعود جذور عرفة إلى محافظة الشرقية، وقد شارك عرفة بجهود كبيرة لتنمية المجتمع في الشرقية منذ 1974، وذلك فيما أطلق عليه "رحلة العودة للجذور".
ويبحث عرفة في كيفية استغلال الموارد الطبيعية لخلق مجتمعات صديقة للبيئة في المناطق الريفية، مما يكون له أكبر الأثر في تطوير قدرات وكفاءات سكان المناطق الريفية.
ويعتبر مشروع البسايسة أحد أشهر المشروعات التي تبناها عرفة، وتعود نقطة انطلاق المشروع إلى السبعينات، وقد حاز المشروع شهرة كبيرة على مستوى العالم وذلك لكونه نموذج لأحد أنجح مشروعات التنمية المستدامة في مصر.
مشروع البسايسة
نجح عرفة، الذي انضم للجامعة في 1968، من خلال الحوار وبث روح الولاء في تشجيع سكان البسايسة على التعاون معه لخفض معدلات الأمية في القرية، وتعليم النساء، بالإضافة إلى تقديم التوجيه اللازم للشباب والفلاحين، وقد كان الهدف الأساسي من وراء ذلك كله هو رفع مستوى المعيشة في القرية.
وبعد سنتين من العمل الدؤوب المتصل، بدأ طلاب الجامعة وأعضاء هيئة التدريس والموظفون في التعاون مع عرفة لتنفيذ مهمته. وقد استضافت الجامعة أكثر من 50 منظمة غير حكومية في اليوم السنوي لقرية البسايسة الذي يٌعقد في أبريل، وتعرض فيه منظمات من محافظات مختلفة إنتاجها من المشغولات اليدوية لإبراز مفهوم التنوع في مصر.
ويوضح عرفة: “عندما عرف الناس بما أنوي عمله في البسايسة، انتقل الحماس إليهم وأصبحوا راغبين في المشاركة بحيث تُوجه جهودهم كلها ناحية إحداث نوع من التنمية المستدامة في المناطق الريفية. وفي النهاية وجد كل شخص شيئاً يستطيع من خلاله المشاركة ووجد أيضاً طريقاً للمشاركة في تحمل المسئولية الكلية للمشروع”.
البسايسة الجديدة
في عام 1992، بدأ الدكتور صلاح عرفة تنفيذ مشروع جديد يُعرف بـ "البسايسة الجديدة"، وهو مشروع مجتمعي في منطقة صحراوية تقع في رأس سدر جنوب محافظة سيناء. تبعد البسايسة الجديدة حوالي 200 كيلومتر عن البسايسة القديمة و190 كيلومتر عن القاهرة، وتعتمد بشكل رئيسي على الزراعة وتمتد على مساحة تزيد عن 750 فدان أو قيراط.
نجح عرفة من خلال الجهود المشتركة وبالتعاون مع السكان الذين انتقلوا من مناطق أخرى للعيش في البسايسة الجديدة في تحقيق تقدم كبير، حيث تم إدخال تقنيات متقدمة إلى القرية. تشمل هذه التقنيات إعادة تدوير المخلفات الزراعية لإنتاج الغاز واستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والحرارة واستخدامها في أغراض التدفئة.
ويقول عرفة: "جائزتي الحقيقية تتمثل في معرفة أننا قادرين على تحويل المعتقدات التقليدية الراسخة وطرق التفكير القديمة التي رسخت على مدى السنين إلى أخرى إيجابية تلائم عملية التنمية المستدامة. وأعتبر أن ذلك في حد ذاته يمثل خطوة للأمام."