يتساءل الكثيرون : هل الدعاء يشفي الأمراض المستعصية؟ وما الدعاء الذي يقال لمن أصابه المرض؟، وهي أسئلة نستعرضها من خلال آراء العلماء والمؤسسات الدينية في السطور التالية.
هل الدعاء يشفي الأمراض المستعصية؟
يقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، في بيان فائدة عظيمة لمن أصيب بمرض، أن يمسح المريض بيمينه موضع الألم سبع مرات ويردد الدعاء الموجود في الحديث الآتي: عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك ، وقل بسم الله - ثلاثا - وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ) . صحيح مسلم، وعند أبي داود بنحوه وفيه ( امسحه - أي الألم - سبع مرات وقل ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد )
قال عثمان : ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل ما كان بي . فل أزل آمر به أهلي وغيرهم . ومعنى ( أعوذ ) أعتصم بحضور القلب وجمع الهمة . والعياذ واللياذ من واد واحد، مشيرًا إلى أن هذا الدعاء وتلك الرقية من أنجع الأدوية لإزالة الألم أو تخفيفه بشرط قوة اليقين وصدق النية، وإذا كان المريض طفلا فعلى من يعوذه أن يأتي به ويقول ( أعيذه بالله وقدرته من شر ما يجد ويحاذر ).
ويظهر لنا من رواية أبي داود ما كان عليه الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم من الإلتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما في الرقى ، فقد قال عثمان بن أبي العاص - بعد زوال ألمه ببركة الرقية التي تعلمها من المصطفى صلى الله عليه وسلم - ( فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم ) .
صحة حديث «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ» ومعناه
ورد في الشرع الشريف كثير من الأدلة التي تقرر مشروعية دعاء المسلم لأخيه المسلم عند زيارته حال مرضه، ومن جملة هذه الأدلة الحديث المذكور في السؤال؛ والذي روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ».
وقد أخرجه الإمام الترمذي في "سننه"؛ وعلَّق عليه بقوله: "هذا حديث غريب"، وأخرجه أيضًا الإمام ابن ماجه في "سننه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، والطبراني في "الدعاء"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"، وابن بشران في "الأمالي".
وهذا الحديث ضعيف؛ كما قال الإمام النووي في "خلاصة الأحكام" (2/ 916، ط. مؤسسة الرسالة) بقوله: [رواه الترمذي، وابن ماجة بإسناد ضعيف] اهـ.
والعلة في ضعفه؛ وجود موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي في الإسناد؛ وهو منكر الحديث؛ قال الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكون" (ص: 95، ط. دار الوعي): [موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث] اهـ.
وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 144، ط. مكتبة القدسي): [وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف] اهـ. ومع ذلك؛ فمعناه صحيح؛ حيث إن المراد منه: أنَّه يُسن للمسلم إذا دخل على مريضٍ لعيادته أن يدعو الله تعالى له بما يُخفف عنه حزنه، ويُفرِّج عنه كربه فيما يتعلق بمرضه وأجله؛ كالدعاء له بطول العمر، وذهاب المرض ونحو ذلك؛ كأن يقول له: لا بأس طهورٌ إن شاء الله، أو سيشفيك اللَّه ويعافيك، أو يُطَوِّلُ الله عمرك وما أشبه ذلك؛ فإنَّ ذلك لا يرد قضاء الله تعالى، ولا يُؤخر أجله المحتوم، ولكن له أثرٌ في تفريح نفس المريض، وتطييب قلبه، وجبر خاطره، وإدخال ما يسره عليه، ويصبح ذلك سببًا لانتعاش طبيعته وتقويتها.
قال الإمام الكرماني في "شرح مصابيح السنة" (2/ 327، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «إذا دخلتم على المريضِ فَنَفِّسُوا»؛ أي: وسِّعوا «له في أجله»، بأن يقول: يطوِّل الله عمرك، لا بأس، طهورٌ إن شاء الله، ويشفيك الله، ونحو ذلك؛ «فَإِنَّ ذلك» أي: تنفيسكم له «لَا يَرُدُّ شَيْئًا» من قضاء الله وقدره؛ يعني: الموت، «ويُطَيِّبُ نفسَه» فيخفف ما يجده من الكرب] اهـ.
ودعاء الزائر وكلامه مع المريض لا يمنع الموت؛ وهذا هو المراد بقوله: «فإنَّ ذلكَ لَا يَرُدّ شَيئًا»؛ وليس المراد أن الدعاء لا يرفع المرض؛ قال الإمام الطيبي في "شرح المشكاة" (4/ 1353، ط. مكتبة نزار): [قوله: «فإنَّ ذلكَ لَا يَرُدّ شَيئًا» يعني: لا بأس عليك بتنفيسك المريض؛ فإن تنفيسك المريض ليس له أثر في طول عمره، لكن له أثر في تطييب نفسه. قيل لهارون الرشيد -وهو عليل-: هون عليك، وطيب نفسك، فإن الصحة لا تمنع من الفناء، والعلة لا تمنع من البقاء، فقال: والله لقد طيبت نفسي وروحت قلبي] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (1/ 340-341، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ» تعودونه «فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الأَجَل» بالتحريك؛ أي: وسعوا له، وأطمعوه في طول الحياة، وأذهبوا حزنه فيما يتعلق بأجله، بأن تقولوا: لا بأس، طهورٌ، أو نحو ذلك؛ فإن ذلك تنفيسٌ لما هو فيه من الكرب، وطمأنينة لقلبه.. يعني: لا بأس بتنفيسك له؛ فإنَّ ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطييب نفسه. قيل للرشيد وهو عليل: هون عليك وطيب نفسك؛ فإن الصحة لا تمنع الفناء، والعلة لا تمنع من البقاء؛ فارتاح لذلك] اهـ.
فهذا التنفيس والدعاء والكلام له بتطييب خاطره، وإن كان لا يمنع عنه قضاء الله تعالى وقدره بالموت، إلا أنَّه يقوي عزيمته، وينعش خاطره، ويقوي طبيعته، مما يساعد في شفائه، فهذا الحديث يدل على نوع علاج، ويرشد إلى الاهتمام بالجانب النفسي والمعنوي للمريض.
قال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 106-107، ط. مؤسسة الرسالة): [في هذا الحديث نوع شريف جدًّا من أشرف أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يطيب نفس العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة، وتنتعش به القوة، وينبعث به الحار الغريزي، فيتساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب.
وتفريح نفس المريض وتطييب قلبه وإدخال ما يسره عليه له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها، فإن الأرواح والقوى تقوى بذلك، فتساعد الطبيعة على دفع المؤذي، وقد شاهد الناس كثيرًا من المرضى تنتعش قواه بعيادة من يحبونه، ويعظمونه، ورؤيتهم لهم ولطفهم بهم ومكالمتهم إياهم، وهذا أحد فوائد عيادة المرضى التي تتعلق بهم، فإن فيها أربعة أنواع من الفوائد: نوع يرجع إلى المريض، ونوع يعود على العائد، ونوع يعود على أهل المريض، ونوع يعود على العامة] اهـ.
هذا وإن كان هذا الحديث حُكِمَ عليه بالضعف، فإنه موضع استدلال العلماء كما تبين ممَّا سبق من أقوالهم، وممَّا يدلُّ على أهميته، وسعة استدلال العلماء به في بيان حكم عيادة المريض، والتنفيس عنه، أنهم قد أفردوا في كتبهم ومصنفاتهم أبوبًا خاصة في التنفيس عن المريض وتطييب خاطره، ومن جملة ذلك: تبويب الإمام النووي في كتاب "الأذكار"؛ حيث قال: (بابُ استحباب تَطْييبِ نفس المريضِ)، وكذا أفرد الإمام ابن قيم الجوزية فصلًا مستقلًا في "الطب النبوي" فقال: (فصل في هديه صلى الله عليه وآله وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم).
عيادة المريض .. من حق المسلم على المسلم
من المقرر شرعًا أنَّ عيادة المريض من حقوق المسلم على المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ» متفق عليه، واللفظ لمسلم.