تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر الإيطالي جاكومو ليوباردي الذي ولد في مثل هذا اليوم من عام 1798، وهو أحد أشهر المتشائمين في القرن التاسع عشر، متجاوزًا في ذلك معاصريه كالشاعر الإنجليزي "بايرون" والفيلسوف الألماني الأشهر "أرثر شوبنهاور".
جاكومو ليوباردي
فقد كان الشاعر الفيلسوف جاكومو ليوباردي أصدق الثلاثة تشاؤمًا وأحقهم به، ووصفه شوبنهاور ذات مرة بأنه "أخي الروحي" رغم أنهما لم يلتقيا أبدًا، ودون أن يعرف جاكومو ليوباردي أنه في ألمانيا قد عاش فيلسوف كبير تأثر به واستوحى من أفكاره كذلك كان الفيلسوف "نيتشه" يحفظ قصائد جاكومو ليوباردي عن ظهر قلب وقال عنه: "أعظم ثائر في العصر الحديث"، وقد صار أيقونة للحزن وقرين للشجن.
ولد جاكومو ليوباردي في عام 1798 والذي عرف بعصر التشاؤم، إذ كانت رائحة الموت والخراب تعصف بالقارة الأوروبية العجوز، وحلت به الكثير من المحن والأسباب التي يمكن أن تنغص عيش أي إنسان وتحيله إلى كائن متشائم، فسنواته التسع والثلاثين التي عاشها، عاشها في خضم الألم والمعاناة مجهولا منعزلا غريبًا عن ذاته وعن محيطه، ومزقته الحياة إلى أشلاء متناثرة، حيث جمع بين المتناقضات من عراقة النسب بجانب الفقر، وما بين النبوغ والعبقرية وقلة الحيلة، ومع ذلك الجسد المنهك الضعيف والخيبة في الحب، كما تكالبت على جسده الضعيف كل أمراض العالم منذ أن فتح عينيه على الحياة، فظهر إعوجاج عموده الفقري وما يسببه من ألم، كما ابتلي بمرض عصبي غامض حير الأطباء في زمنه، وأصابه الصمم والعمى ليفتك به أخيرًا وباء الكوليرا.
ومع كل ما أصاب وأحاط بـ جاكومو ليوباردي إلا أنه كان ذا عبقرية شعرية وفكرية تباهي بها إيطاليا، حتي أن ملكاته الأدبية والشعرية كانت عوضا لأمراضه وعلله الجسدية.
كان والد جاكومو ليوباردي يعاقر الخمر والقمار مما تسبب في ضياع ثروته فانتقل من حياة العز والجاه إلي الفاقة والعوز. كان في بيته مكتبة ضخمة ضمت أمهات الكتب من كافة صنوف العلم والمعرفة والأدب، والتي كانت المتنفس الوحيد للطفل “ليوباردي” الذي التهم كل ما في مكتبة والده في سني حياته الأولي.
كما تعلم في صباه ست لغات بدون معلم وهي اليونانية والعبرية والفرنسية والألمانية والإنجليزية فضلا عن اللغة اللاتينية التي مكنته من قراءة جل مأثورات الإغريق واللاتين بلغتهم الأصلية. وهو ما انعكس وظهر بوضوح في أشعاره التي حفلت بالعديد من المفرادت والألفاظ القديمة التي لم تعد تستخدم والتي أخذها من اللغتين الإغريقية واللاتينية.
كما كانت القراءة هي العزاء الوحيد لـ جاكومو ليوباردي، حتي أنه عندما ضعف بصره كان يقول لأصدقائه مشتكيا: “لم أعد أقرأ في اليوم إلا ست ساعات فقط”، ومع الوقت فقد بصره تماما ولم يعد قادرا علي القراءة بالمرة، إلا أن بعض من أصدقائه كانوا يقرأون له وهو ما لم يدم طويلا لأنه فقد سمعه أيضا، وبالتالي حكم عليه بألا يقرأ أو يسمع، وأن يقضي أيامه في قرية منعزلة بائسة لا يشغله فيها شاغل غير التفكير الذي أنهكه بمتاعب مضاعفة فوق آلامه الجسدية.
رفض جاكومو ليوباردي ربط النقاد والقراء بين أفكاره وأعماله وأشعاره وآرائه الفكرية والنقدية، وبين آلامه الجسدية وأمراضه وعلله، وقال: “أريد من قرائي نقادي أن يهتموا بما أكتب، بدلا من الاهتمام بأمراضي وبصحتي الجسدية”، إلا أن المتتبع لسيرة جاكومو ليوباردي وأفكاره الفلسفية التي صبغت بالتشاؤم لا بد وأن يجد أثرا لحالته الصحية بتلك الأفكار ورابطا بينها.
ومن أهم مؤلفات جاكومو ليوباردي الشعرية مجموعاته: “الفكر المسيطر”، “حب وموت”، “إلي ذاته”، “كونسالفو”، “أسباسيا”، “غروب القمر ونبتة الزوال”، و"الأبدية".