أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن حركة الأفروسنتريك بدأت بالظهور منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى وذاع انتشارها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وهي حركة عالمية عنصرية تتمحور حول التعصب العرقي للجنس الزنجي وخاصة للونه الأسود، ومن أهم أهدافها القضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا الشمالية والجنوبية خصوصًا (الأمازيغ والناطقين بالعربية والأفريكناس أي الأوروبيون في أفريقيا الجنوبية) والترويج لمقولة كون الحضارة المصرية القديمة والحضارة المغربية والقرطاجية حضارات زنجية.
وهم يدّعون أن المصري الحالي ليس له علاقة بالمصري القديم، وأن المصري القديم مات أو هجر الجنوب وإن كل من هم في شمال مصر هم جنسيات كثيرة بعيدين عن العرق المصري، حتي إنهم زعموا إن إحدي ملكات مصر تيي زوجة أمنحتب الثالث في الأسرة ال١٨ أنها مصرية قديمة ذات ملامح أفريقة ولون اسود مدّعين أن المصري القديم كان أسود أفريقي، كما يزعمون أن علماء المصريات الحالين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ، وإن كسر أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي، وفي الحقيقة أن المصرين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس وحتي يحجب عنها الحياة يكسر الأنف، وكانت حركة دينية في مصر القديمة
التمّسح بالحضارة المصرية.
الحركة المركزية الإفريقية
وأضاف الدكتور ريحان أن الأفروسنتريك أو "الحركة المركزية الإفريقية " تأسست على يد الناشط الأميركي الإفريقي الأصل موليفي أسانتي في فترة الثمانينيات، من أجل تنمية الوعي حول الثقافة الإفريقية عبر التاريخ، وتسليط الضوء حول تلك الهوية وأهميتها لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا.
كما تحاول نشر الوعي حول كيفية هيمنة الأوروبيين على حضارة الأفارقة، عبر الاستعمار والعبودية، وتحث كل إفريقي أو منحدر من أصول إفريقية على تقدير أصوله وتنمية وعيه ومعرفته بالحضارات الإفريقية التقليدية
وانطلقت الأفروسنتريك من الادعاء بأن التاريخ والثقافة الإفريقية انطلقت من مصر القديمة، التي شكلت مهد الحضارة العالمية، كما زعم الإسرائيليون أن أجدادهم بنوا الأهرامات وكل هذا نوع من التمسح فى أعظم حضارات العالم لافتقادهم إلى أصول حضارية خاصة بهم.
سمات الملامح المصرية
ويتابع الدكتور ريحان أن "دراسات الأنثروبولوجيا البيولوجية ودراسات الحامض النووي التي أُجريت على المومياوات والعظام البشرية المصرية القديمة أكدت أن المصريين لا يحملون ملامح أفارقة جنوب الصحراء سواءً في شكل الجمجمة وعرض الوجنات والأنف واتساعة وتقدم الفك العلوي ولا في الشكل الظاهري للشعر ونسب أعضاء الجسد وطول القامة وتوزيع وكثافة شعر الجسد. وأن مانراه من تنوع كبير بين ملامح المصريين يرجع لقدم إعمار هذه الأرض واستقرار سكانها وإذابتهم لكل غريب داخل بوتقتهم"، وأن "جميع النقوش والتماثيل التي خلفها لنا قدماء المصريين على المعابد والمقابر صورت المصريين بملامح أقرب ما يكون بالمصريين المعاصرين، من حيث لون العين والشعر والبشرة ودرجة نعومة وكثافة الشعر لدي الرجال والنساء، وحتى لون الجلد ووجود نسبة من العيون الملونة".
وأن هذه الأشكال مصورة في بعض تماثيل الدولة القديمة، وحتى حين تغيرت بعض تقنيات التحنيط في الأسرة 21 وبدأوا في طلاء جلد المومياء ليبدو كما في حياتها الأولى، قاموا بطلاء جلد الرجل باللون الطوبي وطلاء جلد المرأة باللون الأصفر الفاتح، مما يؤكد أن ما تم رسمه وتأكيده على الجدران هو حقيقة سجلها المصري القديم عن نفسه" طبقًا لما جاء فى تقرير الآثارية سامية الميرغني مدير عام مركز البحوث وصيانة الآثار بالمجلس الأعلى للآثار سابقًا.
السينما والمتاحف
وينوه الدكتور ريحان إلى أن الأفروسنتريك ركّزت أنشطتها منذ أبريل الماضى لبث سمومها عن طريق السينما الوثائقية والضجة حول تصوير شبكة نتفليكس الملكة كليوباترا ببشرة سوداء مع إنى السينما الأمريكية نفسها صورتها شقراء فى فيلم "كليوباترا" تم إنتاجه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وصدر عام 1963 من إخراج جوزيف مانكيفيتس وبطولة إليزابيث تايلور.
بعدها نظم المتحف الوطنى للآثار فى هولندا معرضًا للآثار المصرية، يعرض نماذج تدعم نظرية الأفروسنتريك بعرض مستنسخ قناع توت عنخ آمون فى صورة زنجية، مع الترويج إعلاميًا لديهم لهذا الفكر العنصرى.
وخلال هذا الإسبوع دخول مجموعة منهم تتحايل على القانون المصرى الذى يمنع عمل الأجانب فى مهنة الإرشاد السياحى بوجود مرشد سياحى مصرى صامت وأحد كبار الأفروسنتريك يتولى الشرح باثًا سمومه وأفكاره من قلب المتحف المصرى.
تعزيز الهوية لمجابهة الأفروسنتريك
وأشار الدكتور ريحان إلى أن تعزيز الهوية والشخصية المصرية وتعريف الشباب بها وهو المستهدف من هذه الجماعات هو طريق المقاومة بالشكل العلمى المؤسس على المعرفة والهوية بضم الهاء تعنى ”هو” أى من أنت على المستوى الشخصى ثم الجمعى فى البيئة المحيطة وصولًا إلى الوطن بشخصيته وموروثاته الحضارية وينطلق الإطار المعرفى لتأكيد الهوية المصرية من خلال مبادىء المقومات الثقافية فى الفصل الثالث بالدستور المصرى مادة 47 "تلتزم الدولة بالحفاظ علي الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة" ويعد التنوع الحضارى تميز واستثناء خاص للحضارة المصرية وأوضح الدكتور ريحان أن الهوية والشخصية المصرية مستمدة من تسلسل تاريخها عبر العصور منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة إلى الفترة البطلمية ثم الرومانية والبيزنطية والمسيحية والإسلام، والعصر الحديث والمعاصر وكل عصر ترك مفردات حضارية وتأثيرات فى اللغة والعادات والتقاليد مازالت حتى الآن.
التواصل الحضارى
وأكد الدكتور ريحان بأن كل فترة من فترات التاريخ المصرى تركت بصماتها من لغة وعادات وتقاليد وثقافة وفنون وعمارة واستمرت تأثيراتها حتى الآن من أمثلة ذلك عيد شم النسيم وارتباطه برموز عايشها المصرى القديم وأطعمة مستمرة حتى الآن فالسمك حفظه المصرى القديم وتبارك به لاعتقاده بأن النيل ينبع من الجنة، والبيض كان المصرى القديم ينقش عليه الدعوات ويضعها على فروع الشجر، والخس ارتبط بالخصوبة والمعبود مين، والبصل قاتل الفيروسات كان قاتلًا للأرواح الشريرة فى أساطير المصرى القديم.
واللغة المصرية القديمة مازالت تأثيراتها فى العامية المصرية مثل حاتى من حات حرى الجزء السفلى من قدم الماشية «الكوارع»، نونو من نو بمعنى طفل، مكحكح من كحكح تعنى كبير السن ميح من ميح وتعنى فارغ، إنتش وتعنى شرير، السح الدح امبو من إنبو وتعنى طفل. وكذلك الألعاب الرياضية مثل لعبة التحطيب المسجلة تراث عالمى لامادى 2016، وهى لعبة مصرية قديمة، حصان المولد المستوحى من تمثال "حورس" راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر "ست" والذي صور على هيئة تمساح، هو نفسه فى المسيحية قتل القديس مارجرجس للتنين، وعروسة المولد من كرانيش إيزيس وأجنحتها.
وكذلك الاحتفاليات مثل احتفالية دخول العائلة المقدسة واستمرار تمثيلها حتى الآن ولها ترانيم خاصة وأشعار حتى الآن واحتفاليات توديع الحجاج واستقبالهم وما ارتبط بها من موسيقى وأغانى ورسومات الجمل والباخرة والطائرة على المنازل.
الشخصية المصرية
والاحتفاليات الوطنية خاصة فى بورسعيد والإسماعلية فى شم النسيم بحرق دمية اللورد اللنبى التى أوفدته بريطانيا عقب ثورة 1919 مندوبًا ساميًا وأذاق المصريين الأمّرين وكيف يغنوا له أغنية مشهورة “ياللنبي يابن حلمبوحة، مين قالك تتجوز توحة، ياللمبي يابن الخواجاية، مين قال لك تعملى حكاية، أمك مليانة ملوحة، راسك عالحيط مدبوحة، إخية عليه، اللمبي بيه” ثم يحرقوا الدمية ويتناولون الفسيخ والبيض ويخرجون للحدائق.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن هذا التواصل الحضارى فى الشخصية المصرية أصبح من ضمن المعايير التى سجلت على أساسها آثارنا تراث عالمى باليونسكو فحين تسجيل القاهرة التاريخية تراث عالمى عام 1979 قالت عليها اليونسكو أنها “أقدم مدن التراث الحى” بمبانيها وفنونها وعادات وتقاليد أهلها والحرف التراثية المتواصلة والمستمرة من الخيامية والنحاسين والمغربلين وارتباطها بعادات رمضان وزيارة سيدنا الحسين وخان الخليلى والأكلات والمشروبات المرتبطة برمضان.
الحفاظ على الهوية
ويختتم الدكتور ريحان بأن تعزيز الهوية يتطلب وعى متكامل بقيمة الهوية فى التعليم والإعلام والثقافة بتدريسها فى مراحل التعليم ليس بشكل مقرر بل فى شكل أنشطة إجبارية، وفى الإعلام تخصص برامج للتعريف بالهوية وكيفية تعزيزها والحفاظ عليها كجزء لا يتجزأ من الانتماء واستضافة علماء فى تخصصات مختلفة لتوضيح ذلك والانتقال بالكاميرات لنقل الصورة الميدانية لمظاهر الهوية فى كل مناسبة دينية أو وطنية أو مرتبطة بأعياد قومية للمحافظات
وفى الثقافة أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة المسئول عن تنفيذ السياسة الثقافية لمصر ونشر الوعى بقيمتها بتوثيق.
بصمة تاريخية
وكذلك تسجيل كل المعارف المرتبطة بالهوية تمهيدًا لعمل ملفات لتسجيلها تراث لامادى فى اليونسكو مثل الاحتفالات الدينية والموالد والأكلات الشعبية الشهيرة مثل الخبز بأنواعة العيش الشمسى بالصعيد والمرحرح بوجه بحرى وأنواع الكعك المستمدة من مصر القديمة والكشرى والفلافل والأكلات والمشروبات المرتبطة بشهر رمضان والمنتجات التراثية المتنوعة التى تعكس ثقافات محلية بسيناء والوادى الجديد والنوبة والفيوم والعمارة والفنون والموسيقى والأغانى والعادات والتقاليد المرتبطة بهذه المواقع التى تمثل ثقافة متميزة ضمن هوية وشخصية مصر، وتوثيق سير الزعماء الوطنيين والقادة أبطال المعارك الحربية فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة والعلماء والأدباء الفنانين الذين تركوا بصمة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، والحدائق العامة المرتبطة بذاكرة المكان والزمان للمحيطين بها كما سجلت فى ذاكرة السينما المصرية مثل حديقة الأندلس وركن فاروق وحديقتى الأورمان والحيوان وغيرها المرتبطة بأشجار نادرة ومعمّرة