مع موسم الحج يتساءل الكثيرون عن فضائل مكة المكرمة، وما وضعه الله تبارك وتعالى من أسرار في البلد الحرام وسبب تسميتها بـ "أم القرى"، ونجيب على ذلك في السطور التالية.
فضائل مكة المكرمة
تعد مكة المكرمة أفضل بلاد الله تعالى؛ لأن الله تعالى شرَّفها بأن جعل فيها بيته المعظم الذي هو أول بيت وضع في الأرض لعبادته وتقديسه، وجعل لها من المكانة والخصوصية ما لم يجعل لغيرها من البلدان؛ إذ فرض على كلِّ مسلمٍ مستطيع زيارتها، والمكوث بها فترة من الزمن، وذلك لما فرضه عليهم من شعيرة الحج وزيارة البيت، وجعلها حرمًا آمنًا، فحرم فيها أي مظهر من مظاهر التشاحن أو التقاتل، وهي أحبُّ البلاد إلى الله تعالى؛ إذ اختارها لموضع بيته، وأداء شعيرته، وأحبُّ البلاد إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ هي محلُّ ميلاده الشريف، وفَضَّلها تعالى على غيرها من البلاد في الأجر والثواب وجعله مضاعفًا.
[[system-code:ad:autoads]]
وسميت بأم القرى؛ لأن الأرض بُسطت مِن تحتها، ولأن منزلتها بين سائر المدن والبلاد كمنزلة الأم بين أولادها.
وقد جرت حِكمة الله تعالى وسُنَّته على تفضيل بعض المخلوقات على بعض، وكذا في الأمكنة والأزمنة؛ فقد فضَّل الله تعالى جنس الإنسان من بني آدم على سائر مخلوقاته، فجعله مكرمًا مصانًا؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، ثم اصطفى مِن بين ذرية آدم وبَنيه الأنبياء والرسل، فجعلهم محلَّ وحيه وتجلي رسالته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]، ولم يقتصر ذلك التفضيل على الأشخاص بل جرى في الأمكنة؛ ففضَّل الله تعالى مكة المكرمة على غيرها من بقاع الأرض، فجعلها مركز الأرض، وأشرف البقاع وأجلَّها.
[[system-code:ad:autoads]]
أسباب أفضلية مكة المكرمة
تعددت الأسباب والعوامل التي تؤكد أفضلية مكة المكرمة على غيرها من بقاع الأرض، منها:
أولًا: أن الله تعالى شرَّف مكة بأن جعل فيها بيته المعظم الذي هو أول بيت وضع في الأرض لعبادته وتقديسه، وجعله لأجل ذلك آمنًا تهوي إليه قلوب العباد وأفئدتهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: 125]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 26، ط. مؤسسة الرسالة): [معنى قوله: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ وإذ جعلنا البيت مرجعًا للناس ومعاذًا، يأتونه كلَّ عامٍ ويرجعون إليه، فلا يقضون منه وطرًا] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 52، ط. مؤسسة الرسالة): [وقد ظهر سرُّ هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد، فهو الأولى بقول القائل:
محَاسِنُهُ هَيُولَى كُلِّ حُسْنٍ ... وَمِغْنَاطِيسُ أَفْئِدَةِ الرِّجَالِ
ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابة للناس، أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرًا، بل كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له اشتياقًا] اهـ.
ثانيًا: أنَّ الله تعالى جعل لمكة من المكانة والخصوصية ما لم يجعل لغيرها من البلدان؛ إذ فرض على كلِّ مسلمٍ مستطيع زيارتها، والمكوث بها فترة من الزمن، وذلك لما فرضه عليهم من شعيرة الحج وزيارة البيت ولا يكون ذلك إلَّا بها، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
ثالثًا: أن الله تعالى جعلها حرمًا آمنًا، فحرم فيها أي مظهر من مظاهر التشاحن أو التقاتل، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: 67].
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلَاهَا»، قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، قَالَ: قَالَ: «إِلَّا الإِذْخِرَ» متفقٌ عليه.
وعن أبي شريح، أنه قال لعمرو بن سعيد: -وهو يبعث البعوث إلى مكة- ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِيهَا، فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (2/ 29): [وإنما سمَّاه الله "أمنًا"؛ لأنه كان في الجاهلية معاذًا لمن استعاذ به، وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه، ولم يعرض له حتى يخرج منه] اهـ.
وقال الإمام الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (4/ 366، ط. دار الكتب العلمية): [﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾، أي: جعلنا الحرم آمنًا لكم بحيث تأمنون فيه وتتقلبون وتتعيشون فيه، ويتخطف الناس من حولهم، فهو يذكر لهم عظيم نعمه ومننه التي جعلها لهم، هذا إذا كان الخطاب به لأهل مكة، وإن كان الخطاب به للناس كافة، فيخرج على تذكير النعم لهم حيث جعل الأرض لهم بحيث يقرون فيها ويتقلبون فيها] اهـ.
رابعًا: أنها أحبُّ البلاد إلى الله تعالى؛ إذ اختارها لموضع بيته، وأداء شعيرته، وأحبُّ البلاد إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ هي محلُّ ميلاده الشريف؛ فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وآله وسَلم لِمَكَّةَ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» أخرجه الترمذي في "السنن"، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي في "السنن"، وصحَّحه.
قال العلامة الطيبي في "شرح المشكاة" (6/ 2047، ط. نزار مصطفى الباز): [قال في الحديث السابق: «وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ» وفي هذا «وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ» نسب المحبة إلى نفسه أولًا؛ لأنه مسقط رأسه، وموضع حل تمائمه.. ومِن ثم مَنَّ الله تعالى عليه بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: 85]. قيل: نزلت عليه صلى الله عليه وآله وسلم حين بلغ الجحفة في مهاجرته، وقد اشتاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مولده، ومولد آبائه، وحرم إبراهيم عليه السلام، فنزل جبريل عليه السلام، فقال له: «أتشتاق إلى مكة؟» قال: «نعم»، فأوحاها إليه. وأما نسبته إلى الله تعالى ثانيًا؛ فلأنه حَرَمُ الله تعالى المعظم] اهـ.
خامسًا: أنَّ الله تعالى فَضَّل مكة على غيرها من البلاد في الأجر والثواب وجعله مضاعفًا؛ وذلك حتى يحرص المسلم فيها على الإكثار من الطاعات، وتجنب المعاصي والمذلات، فيسود فيها الخير والنفع؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وآله وسَلَّمَ قال: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ، فَصَامَهُ، وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِئَةَ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا» أخرجه ابن ماجه في "السنن".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَمَضَانُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ» أخرجه البزار في "المسند".
وقال الإمام الحسن البصري في "فضائل مكة" (ص: 21-22، ط. مكتبة الفلاح): [مَا على وَجه الأَرْض بَلْدَة يرفع الله فِيهَا الْحَسَنَة الْوَاحِدَة غَايَة ألف حَسَنَة إِلَّا مَكَّة، وَمن صلى فِيهَا صَلَاة رفعت لَهُ مائَة ألف صَلَاة، وَمن صَامَ فِيهَا كتب لَهُ صَوْم مائَة ألف يَوْم، وَمَن تصدَّق فِيهَا بدرهم كتب الله لَهُ مائَة ألف دِرْهَم صَدَقَة، وَمَن ختم فِيهَا الْقُرْآن مرَّة وَاحِدَة كتب الله تَعَالَى لَهُ مائَة ألف ختمة بغيرها.. وكلَّ أَعمال الْبر فِيهَا كل وَاحِدَة بِمِائَة ألف، وَمَا أعلم بَلْدَة يحْشر الله تَعَالَى فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة من الْأَنْبِيَاء والأصفياء والأتقياء والأبرار وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والفقراء والحكماء والزهاد والعباد والنساك والأخيار والأحبار من الرِّجَال وَالنِّسَاء مَا يحْشر الله تَعَالَى من مَكَّة، وَإِنَّهُم يحشرون وهم آمنون من عَذَاب الله تَعَالَى، وليوم وَاحِد فِي حرم الله تَعَالَى وأمنه أَرْجَى لَك وَأفضل من صِيَام الدَّهْر كُله وقيامه فِي غَيرهَا من الْبلدَانِ] اهـ.
وكما ضُعِّف فيها الثواب وعُظِّم؛ قُبِّح فيها الذنوب والمعاصي عن غيرها من البلاد؛ قال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص: 402-403، ط. دار البشائر الإسلامية): [فإِن الذنبَ فيها أقبح منهُ في غيرِها، كما أنَّ الحَسَنَةَ فيها أعظمُ منها في غيرها. وأمَّا مَن استحبَّها فلِما يحصلُ فيها من الطَّاعَاتِ الَّتي لا تَحْصُلُ بغَيرِها مِنَ الطَّوَافِ وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ والْحَسَنَاتِ وغيرِ ذلكَ] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 52): [من هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتِيُّ في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 488، ط. عالم الكتب): [إنَّ الحسنات والسيئات تتضاعف بالزمان والمكان الفاضل] اهـ.
تسمية مكة المكرمة بـ "أم القرى"
لما كانت كثرة الأسماء وتعددها دليلًا على شرف المسمى ومكانته، بلغت مكة من كثرة الأسماء ما لم يماثله فيه غيرها من القرى والبلدان إلا المدينة المنورة.
قال الإمام النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 332، ط. دار الفكر): [واعلم أنَّ كثرة الأسماء تدل على عِظَم المسمَّى؛ كما في أسماء الله تعالى، وأسماء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نعلم بلدًا أكثر أسماء مِن مكة والمدينة؛ لكونهما أفضل الأرض، وذلك لكثرة الصفات المقتضية للتسمية] اهـ.
ومن الأسماء التي اختصت بها مكة المكرمة "أم القرى"؛ حيث قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: 92]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: 7].
سبب تسمية مكة المكرمة بـ "أم القرى"
للعلماء في بيان سبب تسميها بأم القرى عدة تفسيرات ومنها:
أنها سميت بذلك؛ لأن الأرض دحيت من تحتها، أي: بسطت، فصارت كأنها تولدت عنها كما يتولد الأبناء عن الأم؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (1/ 108): [وقد قيل إن مكة سميت "أمَّ القُرى"؛ لتقدُّمها أمامَ جميعِها، وجَمْعِها ما سواها. وقيل: إنما سُميت بذلك؛ لأن الأرض دُحِيَتْ منها فصارت لجميعها أمًّا] اهـ.
وقال العلامة مكي بن أبي طالب في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (3/ 2102، ط. جامعة الشارقة): [وأم القرى: مكة، (ومن حولها): شرقًا وغربًا. وسميت: "أُمَّ القرى"؛ لأن الأرض دُحيت منها، أي: بُسِطَت] اهـ.
ومنها: أنها سميت بذلك؛ لكونها أعظم القرى شأنًا، فجميع الناس والقرى يقصدونها ويؤمونها فصارت لهم بمنزلة الأم، أو لأن أول بيت وضع للناس كان بها؛ قال العلامة الزَّجَّاجُ في "معاني القرآن وإعرابه" (2/ 271، ط. عالم الكتب): [وأُمُّ الْقُرَى مكة؛ سميت أُمَّ الْقُرَى لأنها كانت أعظم القرى شأنًا] اهـ.
وقال العلامة السمرقندي في "بحر العلوم" (1/ 501، ط. دار الكتب العلمية): [وإنما سميت أم القرى؛ لأن الأرض كلها دُحِيَتْ من تحت الكعبة. ويقال: لأنها مثلث قبلة للناس جميعًا، أي: يؤمونها. ويقال: سميت أم القرى؛ لأنها أعظم القرى شأنًا ومنزلة] اهـ.
وقال العلامة ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1345، ط. نزار مصطفى الباز): [أما أم القرى فهي مكة، وإنما سميت أم القرى لأن أول بيت وضع بها] اهـ.
ومنها أنها سميت بذلك؛ لكونها أقدم القُرى وأشهرها؛ قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 372، ط. الدار التونسية): [وإنما سميت مكة أم القرى؛ لأنها أقدم القرى وأشهرها، وما تَقَرَّتِ القرى في بلاد العرب إلَّا بعدها، فسماها العرب أم القرى، وكان عرب الحجاز قبلها سكان خيام] اهـ.