ما حكم قصر الصلاة للحاج في مكة ؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، حيث أكدته أنه لا خلاف بين الفقهاء في أنَّ الحجاج في يوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة) يُصَلُّون الظهر والعصر في عرفة (في نمرة) قصرًا كلًّا منهما ركعتين جمع تقديم في وقت الظهر، ثم يفيضون من عرفة بعد غروب الشمس حتى يَصِلوا إلى مزدلفة فيُصَلُّوا بها المغرب والعشاء قصرًا جمع تأخير في وقت العشاء.
[[system-code:ad:autoads]]حكم قصر الصلاة للحاج في مكة
وتابعت الإفتاء في فتواها أنه لا خلاف بينهم في أن من بلغ سفره إلى الحج مسافة القصر يكون سفره قد تحققت فيه شروط السفر المبيح للترخص، فالحاج المسافر سفرًا تحققت فيه شروط القصر، له أن يقصر الصلاة ما لم يَنْوِ الإقامة في مكة أربعةَ أيام فأكثر سوى يومي الوصول والخروج.
[[system-code:ad:autoads]]وبينت أن الحاج المسافر الذي يصل مكة قبل يوم التروية "الثامن من ذي الحجة الذي يخرج فيه الحاج من مكة إلى منى فيصلي بها: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم يتوجه إلى الوقوف بعرفة" بمدة أقل من أربعة أيام غير يومي الوصول والخروج، يكون له باتفاق الفقهاء أن يقصر الصلاة في جميع أيام المناسك سواء في داخل مكة أو خارجها؛ لأنه لا يزال مسافرًا لم ينو الإقامة بمكان منها، ولم تبلغ إقامته في أحدها أربعة أيام، وهذا هو الأصل الذي ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، حتى إنهم أنكروا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أتمّ في منى؛ فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قال: "صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ".
وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن الْقَاسِمِ بن عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: "كُنَّا قَدْ حَمَلْنَا لأَبِي ذَرٍّ شَيْئًا نُرِيدُ أَنْ نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَتَيْنَا الرَّبَذَةَ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، قِيلَ: اسْتَأْذَنَ فِي الْحَجِّ فَأُذِنَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْبَلْدَةِ وَهِيَ مِنًى، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى أَرْبَعًا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ قَوْلًا شَدِيدًا، وَقَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ قَامَ أَبُو ذَرٍّ فَصَلَّى أَرْبَعًا، فَقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا ثُمَّ صَنَعْتَهُ، قَالَ: الْخِلَافُ أَشَدُّ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَطَبَنَا فَقَالَ: إِنَّهُ كَائِنٌ بَعْدِي سُلْطَانٌ فَلَا تُذِلُّوهُ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُذِلَّهُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ مِنْهُ تَوْبَةٌ حَتَّى يَسُدَّ ثُلْمَتَهُ الَّتِي ثَلَمَ وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَكُونُ فِيمَنْ يُعِزُّهُ، أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ لَا يَغْلِبُونَا عَلَى ثَلَاثٍ: أَنْ نَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَنُعَلِّمَ النَّاسَ السُّنَنَ".
حتى إن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه اعتذر لهم بأنه تزوج بمكة؛ فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيم».
حكم قصر الصلاة للحاج في مكة
هناك سببًا آخر دعاه للإتمام وهو ما رواه البيهقي في "سننه" أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أتمَّ الصلاة بمنى، ثم خطب فقال: "إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، وَلَكِنَّهُ حَدَثَ طَغَامٌ -يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ: الأعراب والعجم- فَخِفْتُ أَنْ يَسْتَنُّوا".
قال العلامة ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 571، ط. دار المعرفة): [روى أيوب عن الزهري ما يخالفه، فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال: إنما صلَّى عثمان بمنى أربعًا؛ لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع] اهـ.
وقد نَبَّه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه على ذلك السبب، كما أن أعرابيًّا حديث العهد بالإسلام وقع منه هذا، فظن أن الصلاة ركعتان وصلى وقتًا طويلًا بظنه هذا؛ قال العلامة ابن حجر العسقلاني في "المرجع السابق نفسه": [وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال: "إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، وَلَكِنَّهُ حَدَثَ طَغَامٌ -يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ: كثرة العوام من الأعراب والعجم- فَخِفْتُ أَنْ يَسْتَنُّوا"، وعن ابن جريج أن أعرابيًّا ناداه في مِنى: "يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين"، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام] اهـ بتصرف.