لاشك أن عمرة ذي القعدة تعد أحد الأسرار الخفية عن الكثيرين ، فإن كنا جميعًا على علم بأن شهر ذي القعدة من الأشهر الحُرم التي يضاعف فيها الأجر والثواب ، وأن العمرة عامة من العبادات المكفرة للذنوب، إلا أن عمرة ذي القعدة لا تزال فيها خفايا ليس فقط لأنها تجمع بركتي الشهر والعبادة وإنما هناك أمور أخرى ينبغي معرفتها عن عمرة ذي القعدة حتى يمكن اغتنامها قبل انفراط الشهر الذي يمر سريعًا.
[[system-code:ad:autoads]]
عمرة ذي القعدة
ورد عن عمرة ذي القعدة ، أن العُمرة فيه سُنَّة؛ لأن عُمرات النبي -صلى الله عليه وسلم- كنّ في شهر ذي القعدة ؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». "متفق عليه".
[[system-code:ad:autoads]]
وذكر القرآن حرمة شهر ذي القعدة في قول الحق سُبحانه وتعالى: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ...". "البقرة: 194" والمراد بالشهر الحرام ذو القعدة فهو إحداها
وورد أنه في شهر ذي القعدة كأحد الأشهر الحُرُم اعتاد فيها العرب علي منع القتال –إلا كان هذا ردًّا للعدوان– كانت تُضاعف فيها الحسنةُ كما تُضاعف السيئةُ، وذهب الشافعي وكثير من العلماء إلى تغليظِ دِيةِ القتيلِ في الأشهر الحُرُم، بل أن الأشهر الحُرُم ومنها شهر ذي القعدة أشهر كريمة فاضلة، لها حرمتُها عند الله تعالى، اختصها ربنا تعالى دون شهور العام، فأمر بتعظيم حرمتها، ونهى عن الظلم فيها، وعلى المسلم تجنب الوقوع في الآثام في الأشهر الحرم، لأن الآثام تضاعفت فيها لحرمتها، مثل مضاعفتها إذا ارتُكبت في البلد الحرام مكة، كما مر آنفًا.
العمرة
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن العمرة في اللغة هي الزيارة، واعتمر في اللغة بمعنى زار، غير أن معناها الشرعي غلب في الاستعمال على معناها اللغوي.
وأوضح " جمعة " ، أن معنى العمرة في الاصطلاح : هي زيارة بيت الله الحرام زيارة محرم مشتملة على طواف وسعي وباقي أركان وواجبات العمرة، وقد شرع الله العمرة في السنة السادسة من الهجرة على الراجح، وأما الحج فقد شرع في سنة تسع أو عشر على الراجح كذلك.
حكم العمرة
وأشار إلى أنه اختلف الفقهاء في حكم العمرة ، فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال بندبها فقط، ومنهم من فرق بين المكي وغيره، فأوجبها على غيره، ولم يوجبها على المكي.
وتابع: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها واجبة على المكي وغيره بدليل قوله تعالى : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } فالأمر بالإتمام معناه الأداء والإتيان بهما كما في قوله تعالى : {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أي ائتوا بالصيام، تفسير من ذهب إلى وجوب العمرة كما نقله القرطبي وغيره.
وأفاد بأن الراجح أن العمرة واجبة، للآية المذكورة، وقد بوب البخاري باباً في صحيحه بعنوان «باب وجوب العمرة وبيان فضلها» وروى عن عبد الله بن عمر قوله : «ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة» [صحيح البخاري] وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «إنها لقرينتها في كتاب الله ثم تلا قوله تعالى : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ... الآية » [صحيح البخاري].
ونبه إلى أنه في إحدى روايات حديث جبريل عندما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام فقال : «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وان تقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وأن تتم الوضوء وتصوم رمضان قال فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم قال نعم قال صدقت» [صحيح ابن خزيمة].
شروط وجوب العمرة
وأضاف أنه يشترط لوجوب العمرة : العقل والإسلام ، والبلوغ والحرية ، والاستطاعة، والاستطاعة شرط لفرضية العمرة فقط ، لكن لا يتوقف عليها سقوط الفرض عند من يقول بفرضية العمرة أو وجوبها ، فلو اعتمر من لم تتوفر فيه شروط الاستطاعة صحت عمرته وسقط الفرض عنه.
فضل العمرة
ولفت إلى أن للعمرة فضائل عديدة، وخصال حميدة، وآثار عظيمة، ومن أبرز فضائل العمرة تكفير الذنوب واستجابة الدعوات فقد ورد في ذلك المعنى أحاديث كثيرة منها : ما رواه أبو هريرة -رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما , والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [أخرجه أحمد ، وابن حبان] . وما رواه أبو هريرة -رضى الله عنه- أيضا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «الحجاج والعمار وفد الله , إن دعوه أجابهم , وإن استغفروه غفر لهم» [ابن ماجة ، والبيهقي في الشعب].
وجوه أداء العمرة
وبين أن هناك وجوهًا لأداء العمرة وهي :
1- إفراد العمرة : وذلك بأن يحرم بالعمرة أي : ينويها ويلبي - دون أن يتبعها بحج - في أشهر الحج, أو يحج ثم يعتمر بعد الحج, أو يأتي بأعمال العمرة في غير أشهر الحج فهذه كلها إفراد للعمرة.
2- التمتع، وسيأتي تفصيله في الحج.
3- القرآن، وسيأتي تفصيله في الحج.