ورد سؤال الى صفحة دار الإفتاء يقول صاحبه: «أنا متزوج حديثا، واعتدت تقبيل زوجتي قبل الخروج من المنزل، و نويت الاعتكاف في عشر رمضان الأخير، ولا أريد أن أقطع عادتي معها؛ فهل يفسد الاعتكاف أن أقبل زوجتي إن ذهبت لمنزلي؟.
قالت دار الإفتاء اتفق الفقهاء على أن جماع المرأة عمدا يفسد الاعتكاف، وأن المباشرة بالتقبيل واللمس لشهوة حرام في حال الاعتكاف، ولكنهم اختلفوا في المباشرة بالتقبيل واللمس؛ هل تفسد الاعتكاف أم لا؟ والجمهور على أنها تبطل الاعتكاف إذا اتصل بها إنزال، وإلا فلا.
أما إذا لم يكن اللمس لشهوة، ولم يقصد بالتقبيل اللذة، فإنه لا يفسد الاعتكاف ولا حرمة فيه، إلا أن المالكية قالوا بأن التقبيل في الفم يفسد الاعتكاف؛ سواء كان بشهوة أو بغيرها.
فالمعتكف إن دخل بيته لحاجة وكان يأمن على نفسه من الإنزال عند تقبيل امرأته لوداع أو نحوه، فإنه يجوز له تقبيلها ولا يفسد اعتكافه، ولا إثم عليه في ذلك، ولكن الأولى أن لا يقبل في الفم؛ خروجا من خلاف من قال بأنه يفسد الاعتكاف مطلقا.
[[system-code:ad:autoads]]
حكم الاعتكاف
الاعتكاف في المساجد مندوب إليه بالقرآن الكريم، وبالسنة المطهرة، وبإجماع الأمة، وآكد ما يكون في العشر الأخر من رمضان لطلب ليلة القدر؛ فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان".
الهدف من الاعتكاف
المقصود من الاعتكاف في العشر الأخر من رمضان الانقطاع عن الناس والتفرغ لطاعة الله في المسجد طلبا للثواب وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة.
هل يفسد الاعتكاف بالجماع
الاعتكاف له مفسدات كغيره من العبادات، ومن مفسداته الجماع؛ فقد اتفق الفقهاء على أن جماع المرأة عمدا يفسد الاعتكاف؛ قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" (2/ 80، ط. دار الحديث): [أجمعوا على أن المعتكف إذا جامع عامدا بطل اعتكافه] اه.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 196، ط. مكتبة القاهرة): [الوطء في الاعتكاف محرم بالإجماع... فإن وطئ في الفرج متعمدا أفسد اعتكافه بإجماع أهل العلم. حكاه ابن المنذر عنهم] اه.
هل يفسد الاعتكاف بالتقبيل واللمس لشهوة
أما التقبيل واللمس لشهوة فقد اتفقوا على حرمته، غير أنهم اختلفوا في فساد الاعتكاف به على قولين؛ فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يفسد الاعتكاف إن لم ينزل، ويفسده إن أنزل؛ قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 123، ط. دار المعرفة): [واذا جامع المعتكف امرأته في الفرج فسد اعتكافه، سواء جامعها ليلا أو نهارا، ناسيا كان أو عامدا، أنزل أو لم ينزل؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾ [البقرة: 187]، فصار الجماع بهذا النص محظور الاعتكاف؛ فيكون مفسدا له بكل حال؛ كالجماع في الإحرام لما كان محظورا كان مفسدا للإحرام... فإن باشرها فيما دون الفرج فإن أنزل فسد اعتكافه، وإن لم ينزل لم يفسد اعتكافه، وقد أساء فيما صنع] اه.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 434، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويفسده)؛ أي الاعتكاف، (من الجماع ما يفسد الصوم) منه، وهو ما يقع مع تذكر الاعتكاف والعلم بتحريمه والاختيار المزيد على الأصل، سواء أجامع في المسجد أم لا لمنافاته له؛ (فيحرم) بسببه الجماع بهذه الشروط؛ لقوله تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾ [البقرة: 187]، ويحرم (به التقبيل واللمس بشهوة) بالشروط المذكورة؛ (فإذا أنزل معهما أفسده كالاستمناء)؛ بخلاف ما إذا لم ينزل معهما أو أنزل معهما، وكانا بلا شهوة كما في الصوم] اه.