الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد نبيل يكتب: رحلة 404.. توبة مرتبكة تعيد منى زكي لعرش السينما

فيلم رحلة 404
فيلم رحلة 404

لم يعد بالأمر الهين على السينما المصرية مؤخرا تقديم فيلم يجمع بين تحقيق الجودة الفنية والمتعة، مع جني إيرادات كبيرة، هكذا استطاع فيلم “رحلة 404” الوفاء بالوعد، بعدما تم تأجيله أكثر من مرة على مدار سنوات، أغلبها يعود لملاحظات رقابية شديدة التحفظ والإنغلاق.
 

الفيلم يحكي عدة أيام في حياة غادة (منى زكي) قبل السفر لأداء فريضة الحج بصحبة والدها، بحيث تقع في مأزق مادي، يضطرها إلى التواصل مع أشخاص ودوائر من ماضيها الملوث، فالأزمة تتلخص في وجود أمها في مستشفى خاص يتطلب مبلغ مالي كبير، ولكنها اثرت بقائها هناك على نقلها إلى أخرى حكومية أقل تكلقة، أو التخلي عن سيارتها الجديدة، فوضعت نفسها في ضغط مُلح للمال، وبالتالي الدخول في ممارسات تناقض توجها الجديد صوب مكة المكرمة، وتعارض توبتها التي نكتشف تفاصيلها وكواليسها تباعا مع تصاعد الأحداث.

منى زكي

صراع صارخ الوضوح يحيط ببطلتنا نلاحظه قبل أن نعرف حتى حقيقة ما يحدث، حجاب غير مكتمل الأوصاف، وتذكير ابنتها بوجوب الصلاة، وعلاقتها الحادة مع والديها، كلها أمور توشي بارتباك كبير تتعرض له، ترتبط فيما بينها بوشائج داخلية، وصراع يحتدم بين نظرتها الجديدة للحلال والحرام، التطهر من ماضي قذر، كبنت هوى محترفة سلكت طريق التوبة.
 

لقد تظافر الجميع وقبلهم الظروف للإيقاع بغادة في فخ الخطيئة في الماضي، ولكنها أيضا تتحمل نصيب من الأمر الأن، بداية من عودتها إلى القوادة شهيرة (شيرين رضا) للاقتراض منها، تورطها في صفقة مشبوهة لبيع قطعة أرض غير قانونية، وحتى لقاءها بحبيبها وزميل دراستها السابق، الذي طارق (محمد ممدوح) الذي خطف رحيقها البكر واعتبرها مطفئة لشهواته، ثم تخلى عنها لتحترف بعدها الدعارة! حتى زوجها السابق طارق (محمد فراج) الذي يتطابق اسمه مع حبيبها، كلاهما استغلها وجار عليها بشكل أو بأخر، وقدمت معهما مشاهد مواجهة مفصلية.

محمد فراج - محمد ممدوح

مواجهة منى زكي ومحمد فراج كانت كاشفة، صادمة، سرد مختلف يوضح الدوافع ويعري كلاهما دون الحاجة للاستعانة بمشاهد “الفلاش باك”، حتى الحظات الأولى لدخول غادة للملهى الليلي تم تصويرها بثراء فني معتبر، منح عطاياه الكاميرا وهي تستعرض المكان بنظرات ينطقان بالانفعالات المركبة تغلفها الشهوة المكبوتة، كما لو أن الحنين يعيدها على إيقاع طلبة صديقها القديم هشام (محمد علاء) إلى هذا العالم الذي طالما عرفته جيدا، ومثل لها جزء أصيلا من معاقبتها لذاتها بعد انكسار وخيبة أمل.
 

عناصر التفوق في “رحلة 404” تعيد للسينما المصرية ألقها وبريقها، وعلى رأسها إدارة المخرج هاني خليفة للممثلين، وشغفه للنبش في الدراما الاجتماعية، وتقديم نص لـ محمد رجاء لا يعرف للسأم طريقا، وإجادة لافتة لكل الممثلين باستثناء محمد فراج الذي بدى نمطيا بعض الشئ، ورنا رئيس التي ربما عدم اكتمالها لتصوير مشاهدها بالفيلم حال دون ظهورها بشكل جيد، تطور في أداء شيرين رضا، وتمكن في ظهور محمد ممدوح، أما منى زكي فقدمت مشاعر تفيض بالإنسانية، وملامح شديدة الوضوح للأسى، الوهن، الحزن، اليأس، عشرات الإيماءات والتعبيرات التي عادت بها إلى مصاف النجمات، بعد تخليها عن أفكارها وتصوراتها لـ ما يعرف بـ السينما النظيفة.

عاب الفيلم الذي يتحدث عن الشك والارتباك في الأساس، نهايته في استخدام رمز غاية في التواضع لسير غادة نحو ممر ضيف ينتهى بنور ساطع، تعبيرا عن العبور للأفضل والخلاص من الماضي النجس، بعكس مشهد قرارها السباحة بملابسها، لكن من غير المنصف ألا نعطي تكوينات الفيلم ما تستحق من إشارة وإشادة، صحيح أننا أمام عمل قائم على الحوار أكثر من أي شئ أخر، ولكن كادر يجمع خالد الصاوي في منزله مع منى زكي، كفيلا بالتأمل في اللغة السينمائية المستخدمة، فتنقسم الشاشة إلى نصفين، تجلس منى زكي على الأريكة بشكل منضبط، ويملاء هو الجانب الاخر من الشاشة جالسا على الأرض محاطا بزجاجات الكحول والفوضى، هو انعكاسا لفهم ما حدث لكل منهما بعد مرور تلك السنوات.