الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مهرجان البحر الأحمر السينمائي

محمد نبيل يكتب: قصص الواقع التونسي المتأزم بين "وراء الجبل" و"بنات ألفة"

صدى البلد

حظي كل من الوثائقي "بنات ألفة" لـ كوثر بن هنية، والروائي "وراء الجبل" لـ محمد بن عطية، بجانب غير هين من مناقشات جمهور الدورة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، كلاهما تونسي حصل على دعم من صندوق البحر الأحمر السينمائي، انطلقا من كان وفينيسيا في وقت سابق هذا العام إلى العرض العربي الأول في جدة، يمثلان محاولات أخاذة في تأمل الداخل المحلي مع تباين الموضوع والأسلوب.

الأفلام التونسية تشاركت في قرار وضع ترجمة عربية على صورتها، وهو أمر طالما رفضه السينمائيون في المغرب العربي، ولكنه بدون شك يسر على المشاهدين من مختلف بلدان العالم العربي التعاطي والاشتباك مع القصص والوصول لعمق الحكاية  دون لبس ومن أقصر الطرق.

وراء الجبل.. محاولة غير مكتملة للتحليق 
 

يعتنق "رفيق" الذي قضى 4 سنوات في السجن الجبال رفقة ابنه، محاولا الطيران أو بالأحرى الهروب من الواقع التونسي المتأزم، والتحليق نحو عالم مغاير، يدخلنا المخرج إلى عالم بطله مستندا إلى حلم الطيران الذي ظل يراود الإنسان منذ القدم، قصة براقة يقدم محمد بن عطية ثالث أفلامه بعد “نحبك هادي” الذي انطلق من مهرجان برلين حاصدا أكثر من جائزة، و"ولدي" الذي شهد “نصف شهر المخرجين” عرضه الأول في كان.

الإنسان الأول كان يمشي منحنياً، لكن أحدهم سار مستقيماً فهاجموه ثم أصبحوا جميعاً يسيرون مثله. كذلك الطيران. الإنسان يستطيع الطيران فعلاً» جملة جاءت على لسان البطل، تلخص ما يود المخرج إيصالنا له في النهاية، التجريب والخروج عن نسق المجموعة أو حتى المنطق أحيانا ربما هو الخلاص، ولكن هذا النوع من التوافق البصري الدرامي بالفيلم لم تسعفه جماليات الطبيعة بين الجبال والوديان، وكان ليحتاج مزيدا من تصميم الإنتاج.

الفيلم به عدة نقاط مضيئة على مستوى الشكل، ولكنه مربك في علاقة الشخصيات ببعضها البعض، ساقت الظروف الشخصيات الرئيسية إلى الاختباء لدى أسرة لم يكن توظيفها في أبهى حلة، ولكن أداء حلمي دريدي وسلمى زغيدي، جعل من الأمر مقبولا، أيضا الراعي الذي ترك أغنامه خلفه ليسير في رحلة لا يعرف عنها شيئا خلف رفيق، وبطل الفيلم نفسه ينقصه الكثير من التعريف حول خلفيته ودوافعه، مع اصراره على الطيران الذي يأتي في صورة أقرب للسقوط.

 

كانت محاولة لا بأس بها من محمد بن عطية عن صنع فيلم عن أناس قرروا كسر القواعد حالمين بالأفضل، عن أب يحتضن نجله ويطير به خارج السرب والمألوف، لكنه وصل بفكرته منقوصة غير مكتملة أو مفهوم صلب تفاصيلها.


بنات ألفة.. فتيات تونس من الحياة إلى معسكرات داعش


فيلم لا يشبه غيره وسرد بعيد تماما عن النمطية، تم عرضه خلال فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، "بنات ألفة" هو جديد المخرجة كوثر بن هنية، الذي يشهد مساحة غير معتادة للتجريب بين السينما الروائية والوثائقية قادها لأول مرة إلى مسابقة مهرجان كان السينمائي لتعود بتونس بعد غياب لنحو نصف قرن.

لدينا قصة مستوحاة من أحداث حقيقية لسيدة ضلت اثنتان من بناتها طريقهما إلى داعش، من بطولة ألفة الحمروني، وهند صبري في دور “ألفة الممثلة”، مجد مستورة الأب والممثل، وآية الشيخاوي (ابنة ألفة الحقيقية) وتيسير الشيخاوي (ابنة ألفة الحقيقية)، وتلعبان نور كاروني وإشراق مطر شخصيات الشقيقتين الأكبر.


اختارت كوثر بن هنية أن تضع بطلتها هند صبري على الشاشة في كنف الشخصية الحقيقية "ألفة" وقبلت الأخيرة بشجاعة رغم ما يؤدي به ذلك إلى خفوت سطوعها نسبيا أمام كل ظهور لـ ألفة معها في كادر واحد، لكنه بلا شك طريقة في الحكي أمدت الفيلم بتوثيق فريد ونادر، في ظل وجود تفاصيل عن البنتين ومصيرهما معلومة لدى الكثيرين، تناقلتها حتى وسائل الإعلام المختلفة قبل سنوات، ولا سيما في تونس، وللتعويض عن غيابهما استعانت المخرجة بممثلات، وابتكرت أسلوبا فنيّا حول الأمر من فيلم وثائقي اعتيادي إلى رحلة تتشابك فيها الدراما مع التوثيق بصورة ممتعة ومشوقة.


الحديث يمتد إلى قهر المرأة في السينما، وما يترتب على ذلك من مصائر مدمرة وبيوت مخروبة ونفوس هشة، بداية من ليلة ألفة الأولى مع زوجها وكيف انتهت، بعد استغلال جنسي وجسدى صارخ الوضوح، وحتى تورط الشقيقيتين الكبريين في الهرب إلى معسكرات داعش بليبيا ووضعهما على قوائم المطلوبات.

 

كثير من التفاصيل يمكن التشابك معها في فيلم كوثر الجديد الذي تستحق التحية على طريقة تناوله وتنفيذه بطبيعة الحال، تحديدا فيما يتعلق بالتغيرات الجذرية التي طرأت على البطلات، الشقيقتين الصغيرتين ابنتي ألفة اللتين تظهران في الفيلم، وكيف أن سنوات قليلة غيرت فيهما ما لا يمكن تصوره، بداية من طريقة التفكير وصولا للحديث والمعتقدات وحتى الشكل، وهو ما لا يختلف كثيرا عن الأم، ألفة، السيدة التي جسدت هنا صورة ليست مألوفة للمرأة التونسية على الأقل سينمائيا، وما راود بناتها من أفكار لعبت النشأة والمجتمع دورا في تحويل مصائرهن من وردات مقبلات على الحياة، إلى مؤمنات بمعتقدات جهاد النكاح وغيره من أفكار دولة داعش الشيطانية.