في تطور مقلق للأحداث، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية تقدمها نحو مدينة رفح، على الرغم من التحذيرات الشديدة من مصر والقادة الدوليين.
ومع نزوح ما يقرب من 1.5 مليون شخص في رفح، يبقى السؤال الذي يلوح في الأفق: أين سيجدون ملاذاً؟
اتفاقية السلام
ووفقا لسكاي نيوز البريطانية، أصدرت مصر، وهي لاعب رئيسي في المنطقة، تحذيراً ضد غزو بري محتمل من جانب إسرائيل، حتى أنها هددت بإلغاء معاهدة السلام مع جارتها في حالة حدوث مثل هذا الغزو. ويؤكد هذا الإعلان خطورة الوضع، ويسلط الضوء على العواقب المحتملة لمزيد من التصعيد.
كما أعربت الولايات المتحدة، إلى جانب زعماء العالم الآخرين، عن تحذيرات قوية ضد أي أعمال عسكرية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع المضطرب بالفعل. وعلى الرغم من هذه التحذيرات، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يواصل تقدمه نحو رفح.
لقد أثارت الأحداث الجارية في رفح قلقاً واسع النطاق من جانب المجتمع الدولي، مع تزايد المخاوف بشأن الأزمة الإنسانية المحتملة التي يمكن أن تنشأ إذا استمر العمل العسكري. إن محنة النازحين في رفح هي بمثابة تذكير صارخ بالتكلفة الإنسانية للصراع في المنطقة.
وجددت مصر، الأحد، رفضها الكامل لأي عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محذرة من "عواقب وخيمة، وسط مخاوف من تأثير أي تحرك إسرائيلي في المنطقة الحدودية على مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
وأشارت وزارة الخارجية في بيان صحفي، إلى التصريحات الصادرة عن مسؤولين رفيعي المستوى بالحكومة الإسرائيلية، بشأن اعتزام القوات الإسرائيلية شن عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لافتة إلى ما يكتنف ذلك من مخاطر تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.
وطالبت مصر بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع.
واعتبرت أن استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، في انتهاك واضح لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة.
وأكدت مصر أنها ستواصل اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف، من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين.
من جانبه ندد الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي العام، بانتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي ولالتزامها ببنود اتفاقية السلام الموقعة مع مصر عام 1979، وقصفها لمدينة رفح الفلسطينية.
وقال مهران في تصريحات لـ “صدى البلد” : "لطالما ادعت إسرائيل التزامها التام بالبنود الأمنية الواردة في ملاحق اتفاقية كامب ديفيد، ومن بينها إنشاء مناطق محدودة التسليح على الحدود بين البلدين، غير أن هجومها الأخير على رفح يُعد انتهاكًا صريحًا لتلك المناطق".
وأضاف "كان من المفترض أن تلتزم إسرائيل بعدم نشر قوات عسكرية أو مدفعية ثقيلة على طول الحدود مع مصر بموجب الملاحق الأمنية، لكن قصف رفح من الأراضي الإسرائيلية يؤكد أنها لا تلتزم بتلك البنود أصلًا".
وأشار الدكتور مهران إلى أن استمرار إسرائيل في انتهاك بنود اتفاقية السلام يعطي الحق لمصر وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 بتعليق العمل بالاتفاقية أو الانسحاب منها، مشيرًا إلي المادة 60 من الاتفاقية التي تنص على أنه يجوز تعليق تنفيذ معاهدة أو الانسحاب منها إذا طرأ "تغيير جوهري" على الظروف التي أُبرمت المعاهدة في ظلها.
كما بين أن المادة 62 من الاتفاقية الاخيرة أكدت حق أي طرف في الانسحاب من المعاهدة بسبب "خرق جوهري" من جانب طرف آخر يؤثر على موضوع المعاهدة وغرضها، موضحًا أنه من حق مصر - وفقاً لقانون المعاهدات - تعليق العمل باتفاقية السلام مع إسرائيل أو الخروج منها احتجاجاً على انتهاكاتها المستمرة.
وحذر الدكتور مهران من أن الهدف الحقيقي وراء استمرار إسرائيل في انتهاك بنود اتفاقية السلام مع مصر وشن الهجمات على قطاع غزة، هو محاولة دفع سكان غزة للهجرة قسريا من أراضيهم إلي سيناء تمهيدًا لضم هذه المناطق إلى إسرائيل، مشددًا على أن ذلك يمثل اعتداء على السيادة المصرية في سيناء، ما يستدعي إعادة النظر الجذرية في علاقتها مع إسرائيل.
وختم الخبير الدولي قائلا: "الأحداث الأخيرة أثبتت أن إسرائيل تتلاعب بنصوص اتفاقية السلام متى ما اقتضت مصالحها ذلك، ما يستدعي إعادة النظر في هذه الاتفاقية وفتح باب الحوار مع الجانب الإسرائيلي لضمان التزامه الفعلي بكل البنود والملاحق، أبرزها صيانة المناطق محدودة التسليح واحترام القانون الدولي او الانسحاب منها".
جدير بالذكر أن، الرئيس المصري الراحل أنور السادات وقع مع رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن معاهدة سلام في 26 مارس (آذار) 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في قمة تاريخية عُقدت في كامب ديفيد قرب واشنطن. نظمت في فقرتها الثانية ضمن ما تسمى «الحدود النهائية» الأنشطة العسكرية في سيناء ورفح؛ إذ تم تقسيمهما إلى 4 مناطق: «أ» و«ب» و«ج» و«د».
معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل
وفي عام 2021 أعلنت مصر وإسرائيل تعديلاً في معاهدة السلام يعزز وجود الجيش المصري في رفح، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها في المنطقة الحدودية في رفح (المنطقة ج). وهو التعديل الأول في مسار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
والمنطقة «أ» يحدها شرقاً الخط الأحمر في سيناء وغرباً قناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس، وتوجد بها قوة مسلحة مصرية؛ فرقة مشاة واحدة وأجهزتها العسكرية. أما المنطقة «ب»، فتمتد بين الخطين الأخضر شرقاً والخط الأحمر غرباً، وبها وحدات «الحدود» المصرية مكونة من 4 كتائب مجهزة بالأسلحة الخفيفة والمركبات، وتستكمل الشرطة المدنية الحفاظ على النظام في المنطقة.
والمنطقة «ج» تمتد من الخط الأخضر غرباً إلى الحد الدولي وخليج العقبة شرقاً، وبها قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية المسلحة بالأسلحة الخفيفة، وتم تحديد انتظارها وفقاً للمادة الرابعة في ملحق المعاهدة. أما المنطقة «د»، فيحدها الخط الأزرق شرقاً والحد الدولي على الغرب، ويوجد بها قوة إسرائيلية محدودة مكونة من 4 كتائب مشاة وأجهزتهم العسكرية، والتحصينات وقوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة.