هل تحرك السبابة في الصلاة الإبراهيمية؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي ردًا على سائل يقول: هناك من يزعم أنه لا يجوز تحريك أصبع السبابة أثناء التشهد في الصلاة، فهل هذا صحيح؟
هل تحرك السبابة في الصلاة الإبراهيمية؟
وقالت الإفتاء إن الإشارة بأصبع السبابة من اليد اليمنى أثناء التشهد في الصلاة وتحريكها- سنةٌ من سنن الهيئات المتفق عليها بين الفقهاء، حيث اتفق الفقهاء على أنه يُسنُّ للمصلي أن يشيرَ بأصبعه السبابة من يده اليمنى أثناء التشهد في الصلاة، وعَدُّوا ذلك من سنن الهيئات؛ لما رواه مسلم في "صحيحه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ -أي السبابة-".
[[system-code:ad:autoads]]
واستدلت بما رواه أحمد في "مسنده"، وابن الجارود في "المنتقى" عن وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه قال: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي..." إلى أن قال في هيئة قعوده صلى الله عليه وآله وسلم: "ثُمَّ قَبَضَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَحَلَّقَ حَلْقَةً، ثُمَّ رَفَعَ إِصْبَعَهُ، فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا".
كما روى الترمذي وابن ماجه في "السنن"، عن عباس بن سهل الساعدي قال: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَذَكَرُوا صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: "أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ، يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ، فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ اليُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ، وَوَضَعَ كَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمْنَى، وَكَفَّهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُسْرَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ، يَعْنِي السَّبَّابَةَ".
واستشهدت أيضا بما رواه الترمذي في "سننه"، وابن خزيمة في "صحيحه"، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ "كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ، وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ يَدْعُو بِهَا، وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهِ".
وشددت الإفتاء بناءً على ذلك: فالإشارة بأصبع السبابة من اليد اليمنى أثناء التشهد في الصلاة وتحريكها سنةٌ من سنن الهيئات المتفق عليها بين الفقهاء.
كيفية تحريك السبابة في التشهد
قال الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء، إن المذهب الشافعي في الصلاة يقول بقبض أصابع اليد اليمنى على الفخذ، عدا إصبع السبابة أو«المسبحة» فإن المصلي يرسلها.
وأشار الدكتور أحمد ممدوح عبر فيديو بثته دار الإفتاء على يوتيوب ردًا على سؤال عن: كيفية تحريك السبابة في التشهد، إلى أن الشافعية يرون أن رفع إصبع السبابة يكون عند قول المصلي "إلا الله" في قوله "أشهد أن لا إله إلا الله" ويظل رافعا حتى نهاية التشهد قبل الصلاة الإبراهيمية.
فضل صيغة الصلاة الإبراهيمية
من صيغ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: الصيغة التي عَلَّمَهَا صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حينما سألوا عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ورد عن كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» متفقٌ عليه.
وهذه الصيغة تُسمَّى بـ"الصيغة الإبراهيمية"، وهي أفضل صِيَغِ الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (2/ 478، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ومعلومٌ أن أفضل الصِّيَغِ: الصِّيغَةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة] اهـ.
الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذكر في الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير في الصلاة
المُلاحظ في هذه الصيغة الشريفة أن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو الذي خُصَّ بالذِّكر دون غيره من سائر الأنبياء عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم السلام، وقد تواردت أقوال العلماء على بيان الحكمة من هذا التخصيص من عدة أوجه:
الأول: أنه عليه الصلاة والسلام سأل اللهَ تعالى أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين، فمِنْ ثمَّ كانت صلاة الأمة المحمدية الخاتمة عليه.
قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471، ط. دار العاصمة): [فإن قلت: فلم خُصَّ التشبيه بإبراهيم عليه السلام دون غيره من الرسل؟ والجواب من أوجه: أحدها: لأنه سأل الله أن يجعل له لسانَ صدقٍ في الآخرين] اهـ.
الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام سمَّى الأمة المحمدية مُسْلِمين قبل ظهورها، فله علينا منَّة عظيمة؛ فجازيناه بذلك التشبيه.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514، ط. دار الفكر): [(قوله: وَخُصَّ إبراهيم.. إلخ) جوابٌ عن سؤال تقديره: لِمَ خُصَّ التشبيه بإبراهيم دون غيره مِن الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام؟
فأجاب بثلاثة أجوبة:. والثاني: أنه سَمَّانَا المسلمين كما أخبرنا عنه تعالى بقوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: 78]؛ أي بقوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: 128]، والعرب من ذريته وذرية إسماعيل عليهما السلام، فقصدنا إظهار فضله مجازاةً على هذين الفعلين منه] اهـ.
الثالث: أن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم هو دعوة إبراهيم عليه السلام؛ لذا خُصَّ عليه الصلاة والسلام من دون الأنبياء بصلاة أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليه.
قال الإمام ابن المُلَقِّن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (3/ 471) في ذكر أوجه تخصيص التشبيه بسيدنا إبراهيم عليه السلام: [ثالثها: لأن نبينا دعوة إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ الآية [البقرة: 129] فخُصِّصَ به] اهـ.
الرابع: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة جزاءً له على إحسانه.
قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [فإن قيل: لم خصَّ إبراهيم عليه السلام من بين سائر الأنبياء عليهم السلام بذكرنا إيَّاه في الصلاة؟
قلت: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلَّم على كلِّ نبي، ولم يُسَلِّم أحدٌ منهم على أمته غير إبراهيم عليه السلام، فأمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نُصَلِّي عليه في آخر كلِّ صلاةٍ إلى يوم القيامة مجازاةً على إحسانه] اهـ.
الخامس: أنَّ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم.
قال العلامة بدر الدين العيني في "شرحه على سنن أبي داود" (4/ 260، ط. مكتبة الرشد): [يقال: إن إبراهيم عليه السلام لما فَرَغَ من بناء الكعبة دَعَا لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، وقال: اللهم مَن حج هذا البيت من أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دَعَا أهلُه وأولاده بهذه الدعوة، فأُمِرْنَا بذكرهم في الصلاة؛ مُجازاةً على حُسْن صنيعهم] اهـ.
السادس: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح".
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 514) في بيان أوجه تخصيص سيدنا إبراهيم بالسلام: [الثالث: أن المطلوب صلاة يَتَّخِذُ الله تعالى بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خليلًا كما اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلًا، وقد استجاب الله دعاء عباده، فاتخذه الله تعالى خليلًا أيضًا، ففي حديث الصحيحين: «وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ»] اهـ.