أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، أن طريق شمال سيناء بوابة دخول الأنبياء فعن طريقه جاء نبى الله إبراهيم ونبى الله لوط وعن طريقه عاد نبى الله إبراهيم بالسيدة هاجر، حيث تشير الآية الكريمة في سورة يوسف (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) إلى أن مصر بلد الأمان وأنه بلد مضياف استقبل أنبياء الله وعاشوا بها آمنين مطمئنين وغانمين أيضًا من خيراتها عابرين إلى مصر من الشرق عبر سيناء.
بوابة دخول الأنبياء
وأضاف الدكتور ريحان لـ صدى البلد: مدينة الفرما التي تبعد 35 كم شرق قناة السويس كانت بوابة دخول الأنبياء فهى المدينة التي ذكرت في القرآن الكريم حين طلب نبى الله يعقوب عليه السلام من أبنائه ألا يدخلوا مصر من باب واحد بل من أبواب متفرقة وهى أبواب مدينة الفرما، مشيرا الی أنها عامرة بالآثار الرومانية والمسيحية والإسلامية كما كان طريق شمال سيناء في عصر مصر القديمة طريقًا محصنًا عامرًا بالقلاع والتحصينات متعددة الأبواب.
واستطرد: استقبلت شمال سيناء العائلة المقدسة قادمة من فلسطين إلى مصر لتجد الأمان والملاذ في مصر، وبدأت رحلتها في مصر من (رافيا) رفح إلى رينوكورورا (العريش)، أوستراكين (الفلوسيات)، القلس (تل المحمدية) وبلوزيوم (الفرما) ودخل عمرو بن العاص، رضى الله عنه، إلى مصر عن طريق سيناء ووصل الفرما في شهر ربيع الأول عام 16هـ، يناير 640 م، وتابع سيره في مصر لتشرق على مصر نورانية الحضارة الإسلامية والتى انتقلت إشعاعاتها الحضارية والثقافية والمعمارية والفنية للعالم بأسره عبر مصر.
مكانة كبيرة
ولم تكن شمال سيناء مناطق للعبور فقط بل كانت مواقع حضارية تجارية كبرى وكان طريق شمال سيناء مركزًا تجاريًا وصناعيًا في طريق الحج وكانت طرق شمال سيناء مراكز لصناعة النسيج والزجاج وبناء السفن والصيد وحفظ الأسماك وكانت تمثل مراكز تجارية كبرى للتجارة مع فلسطين وشمال أفريقيا وقبرص وآسيا الصغرى واليونان وإيطاليا.
أوضح الدكتور ريحان أن شمال سيناء كانت مقبرة الغزاة عبر كل العصور عبر سلسلة طرق حربية شهيرة وحصون دافعت عن حدود مصر الشرقية، منها طريق حورس بشمال سيناء وهو الطريق الذى استخدمته الجيوش المصرية فى حملاتها المظفرة الهادفة إلى بناء وتوسيع الإمبراطورية المصرية فى مناطق سوريا وكنعان ( فلسطين) منذ بداية عهد الأسرة الثامنة عشر وقد سجلت مناظر الملك سيتى الأول على جدران معبد الكرنك للمرة الأولى مجموعة الحصون والقلاع المصرية الموجودة على طريق حورس الحربى والتى امتدت من قلعة ثارو وحتى غزة بكنعان ( فلسطين ) وقد بلغت نحو عشرة حصون ومواقع دفاعية أو أكثر، كما كان لبيلوزيوم (الفرما) مكانة كبيرة فى العصر الرومانى حيث رابطت بها حامية عسكرية وجرى تشييد قلاع على امتداد الطريق الساحلى المؤدى إلى سوريا.
نهب وتخريب
ونوه ريحان إلى أن بلدوين الأول ملك الصليبيين وصل إلى الفرما فأرسل الأفضل بن أمير الجيوش إلى والي الشرقية، فلما وصلت العساكر تقدمها العربان وطاردوا الصليبيين، وعندما علم بلدوين بذلك أمر أصحابه بالنهب والتخريب والإحراق وهدم المساجد بشمال سيناء وأحرق جامعها ومساجدها وجميع البلد وعزم على الرحيل وتوفى فكتم أصحابه موته وساروا بعد أن شقوا بطنه وملؤها ملحًا حتى بقى إلى بلاده فدفنوه بها وهناك بحيرة شهيرة هناك حملت اسمه بعد أن حرّف من بلدوين إلى البردويل.
وتابع الدكتور ريحان بأنه فى عهد المماليك البحرية (648 – 784 هـ ، 1250 – 1382 م) استرجع السلطان بيبرس البندقدارى أيلة بعد أن أعاد الصليبيون احتلالها وزار مكة بطريق السويس - أيلة وصارت هذه الطريق هى طريق الحج المصرى منذ ذلك الوقت وحتى عام 1884 حين اتخذت طريق البحر الأحمر إلى جدة، وفى عهد السلطان منصور قلاوون مهّد نقب العقبة فى درب الحج المصرى، وفى عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون حجّ إلى مكة متخذًا هذا الطريق .
وفى عهد المماليك الجراكسة (784 – 922 هـ، 1382 – 1516م) بنى السلطان قانصوة الغورى القلاع على درب الحج ومنها قلعة نخل بوسط سيناء وقلعة العقبة ومهّد دبة البغلة ونقب العقبة التى تقع على هذا الطريق، وفى العصر العثمانى بنى السلطان سليمان (926-974 هـ، 1520-1566م) قلعة العريش ورمم قلعة نخل.
خطوط استراتيجية
وأردف الدكتور ريحان بأن سيناء شهدت فصولًا من الصراع العربى -الإسرائيلى، وفى عام 1956 كان العدوان الثلاثى على مصر مستخدمين عدة محاور حيث تمتلك سيناء ثلاثة خطوط استراتيجية للدفاع عنها، الخط الأول بمحاذاة الحدود السياسية الشرقية لمصر التى تشمل أربع دول هى مصر وفلسطين والأردن والسعودية، الخط الثانى وهو خط المضايق (قلب سيناء) وأهم أقطابه ممر متلا جنوبًا ومضيق الجفجافة شمالًا وهو غير صالح للاختراق إلّا من خلال فتحاته المحدودة والتى تحدد الحركة بين شرق سيناء وغربها، والخط الثالث قناة السويس ذاتها وهى عنق الزجاجة الإستراتيجي إلى سيناء، وأخضعت إسرائيل سيناء للحكم العسكرى حين احتلالها عام 1967 وقسمتها إلى منطقتين هما شمال سيناء، وجنوب سيناء ووضعتها تحت إدارة مستقلة وعينت حاكم عسكرى على كل منطقة.
وأقامت فى سيناء المستوطنات أهمها أوقيرا بجوار شرم الشيخ، ذى هاف قرب دهب، زاحارون 10كم شرق العريش، ياميت 7كم قرب رفح، وبعد انتصار أكتوبر 1973 العظيم تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى 26 مارس 1979 وبدأت مراحل استعادة أرض سيناء حتى عودة آخر شبر بسيناء فى طابا ورفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس 1989.