ألقت الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي اشتعل فتيلها في فبراير 2022، ومن قبلها جائحة كورونا التي اجتاحت العالم في 2020 بظلالهما سلباً على جميع دول العالم بلا استثناء، وتأثرت كبرى اقتصاديات العالم بتبعاتها.
دين مصر الخارجي
واستطاعت مصر رغم ما يعيشه العالم من أزمات اقتصادية نتيجة للصراعات القائمة الوفاء بالتزاماتها وتسديد الديون المستحقة عليها في موعدها - بحسب تصريحات متعددة لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي والمسؤولين داخل وزارة المالية والبنك المركزي المصري، فيما حظيت تحركات القاهرة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية بإشادات موسعة من المؤسسات الدولية.
وكشف الدكتور محمد معيط وزير المالية عن تسديد مصر الالتزامات خلال العامين الماضيين بقيمة 52 مليار دولار، قائلا: "الدولة المصرية سددت الالتزامات خلال العامين بقيمة 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة عليها".
وأشار معيط خلال كلمته بالجلسة العامة لمجلس النواب إلى أن البيئة العالمية لتكلفة التمويل تتغير من وقت لآخر، وأن هناك الأسواق الدولية ومع ارتفاع أسعار الفائدة ارتفاع مستويات الأسعار مما انعكس على أسعار فائدة القروض، مؤكدا أن الجميع يتجه في هذه الحالة إلي "تقليل الخطر".
ولفت وزير المالية إلى أن الدولة المصرية طرحت خلال الأسبوع الماضي سندات داخل السوق المالي الصيني بضمانة من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو ما يأتي في إطار استراتيجية الدولة لتنويع مصادر التمويل، مشيرا إلي طرح سندات في اليابان بحدود 4.5%.
وأوضح "معيط"، أن أغلب دول العالم لديها عجز في الموازنة، لذلك تتجه إلي الأسواق الدولية والحصول على تمويلات لسداد عجز الموازنة"، مضيفا: "مصر كان فيها عجز للموازنة العامة للدولة بنسبة 12% والآن 6% "، مؤكدا أن الدولة المصرية تعمل على تقليل فجوة عجز الموازنة".
وأكد وزير المالية أهمية الحصول على قروض من أجل الاستمرار في التنمية وتحسين المعيشة، داعيا أن يتم أهمية ربط الموازنة حتي تستطيع وزارة المالية مواجهة سد العجز سواء عن طريق سندات أو قروض وذلك يكون بأقل تكلفة ممكنة والتنسيق مع البنك المركزي.
وسددت مصر فوائد وأقساطًا بقيمة 17.77 مليار دولار، خلال الفترة من يوليو 2022 وحتى مارس 2023 ، حيث كشف البنك المركزي، أن أعباء خدمة الدين انقسمت إلى 4.784 مليار دولار خلال الربع الأول، و7.154 مليار دولار خلال الربع الثاني، و5.835 مليار دولار خلال الربع الثالث من 2022-2023.
بيان البنك المركزي
وأضاف البنك المركزي، في النشرة الإحصائية الشهرية، انقسام خدمة أعباء الدين إلى أقساط مسددة بقيمة 3.229 مليار دولار خلال الربع الأول، و5.843 مليار دولار خلال الربع الثاني، و3.734 مليار دولار خلال الربع الثالث من 2022-2023.
وفيما يخص الفوائد المدفوعة سجلت 1.555 مليار دولار خلال الربع الأول، و1.311 مليار دولار خلال الربع الثاني، و2.101 مليار دولار خلال الربع الثالث من 2022 /2023، فيما بلغت نسبة رصيد الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 38.5% بنهاية مارس 2023.
بينما ارتفعت استثمارات العملاء الأجانب بأذون الخزانة إلى 390.443 مليار جنيه بنهاية يوليو 2023، مقابل 388.421 مليار جنيه بنهاية يونيو السابق، وسجلت استثمارات بنوك القطاع الخاص 491.98 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي، مقابل 458.313 مليار جنيه بنهاية يونيو الماضي.
وأوضح البنك تسجيل استثمارات بنوك القطاع العام بأذون الخزانة نحو 309.193 مليار جنيه بنهاية يوليو، مقابل 287.138 مليار جنيه بنهاية يونيو السابق، بينما بلغت استثمارات فروع البنوك الأجنبية نحو 78.339 مليار جنيه بنهاية يوليو 2023، مقابل 847.87 مليار جنيه بنهاية يونيو 2023، وسجلت استثمارات البنوك المتخصصة نحو 132.532 مليار جنيه بنهاية يوليو، مقابل 118.518 مليار جنيه بنهاية يونيو.
وارتفعت أرصدة الإقراض المقدمة للعملاء من البنوك إلى 4.718 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2023، مقابل 3.490 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2022، بزيادة قدرها 1.227 تريليون جنيه.
وسجلت الديون المستحق دفعها، خلال العام المقبل 2024، نحو 29.229 مليار دولار أمريكي، فيما تشمل هذه القيمة، سداد فوائد بلغت 6.312 مليار دولار، وأقساط ديون تقدر بنحو 22.917 مليار دولار.
وأشار تقرير البنك المركزي إلى أنه "يتطلب سداد حوالي 14.595 مليار دولار، خلال النصف الأول من 2024، ومن المتوقع سداد نحو 14.634 مليار دولار، خلال النصف الثاني من نفس العام".
طرح سندات باندا
وتوقع البنك المركزي المصري، في تقريره، انخفاض الديون الخارجية المستحقة للسداد إلى 19.434 مليار دولار، مقسمة إلى نحو 11.155 مليار دولار، خلال النصف الأول من عام 2025، ونحو 8.28 مليار دولار، خلال النصف الثاني من نفس العام
وأكد خبراء اقتصاد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الدولية دون تعثر في ظل تحسن إيرادات الدولة الدولارية، وتنويع الشراكات مع الشركاء الدوليين والإقليميين.
من جانبه قال أحمد معطي الخبير الاقتصادي، إن مصر قادرة على الالتزام بسداد ديونها في وقت استحقاقها، وفقاً للجداول الزمنية المحددة، بعد ارتفاع الصادرات وعوائد القطاع السياحي وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.
وأضاف معطي - في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الدولة لديها جزءا كبيرا من الملاءة المالية لتسديد قروضها في توقيتها، مؤكدا أن مصر لم تتخلف على مدار تاريخها في سداد ديونها، والواقع العملي يثبت ذلك والدليل هو قدرة مصر على تسديد ديونها في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية فضلا عن أزمة 2011، وكذلك خلال حرب 1967، وذلك نهج متوارث في مصر وهو التزامنا بتسديد الديون مدى الحياة.
وأشار إلى أن نجاح الدولة في تسديد الالتزامات خلال العامين الماضيين بقيمة 52 مليار دولار بفضل السياسات المالية المتبعة في ضبط المالية العامة على جانب الإيرادات والمصروفات إلى جانب نمو في القطاعات المدرة للعملة الصعبة كقطاع البترول والغاز الطبيعي والصادرات المصرية وإيرادات قناة السويس.
وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، إن مصر واجهت أزمة نقص في النقد الأجنبي نتيجة عدة عوامل أبرزها خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد زيادة أسعار الفائدة عالمياً، وارتفاع فاتورة الواردات نتيجة أزمة سلاسل الإمداد والتوريد بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى زيادة أسعار الشرائح الإلكترونية وبالتالي ارتفاع أسعار السيارات والأجهزة الإلكترونية، كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية نتيجة الحرب.
ونجحت مصر، كأول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا، في إصدار سندات دولية "باندا" مستدامة بسوق المال الصينية، التي تخصص لتمويل مشروعات بنحو 3.5 مليار يوان صيني، بما يُعادل 500 مليون دولار.
وأكد وزير المالية، منتصف أكتوبر الجاري، أن الوزارة تمكنت من الحصول على تسعير منخفض للسندات بعائد 3.5% سنويًا لأجل 3 سنوات، مما يجعله أكثر تميزًا مقارنة بأسعار الفائدة الخاصة بإصدارات السندات الدولارية الدولية، في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
المستثمر الصيني
وأوضح "معيط"، أن هذا النوع من الإصدارات يتميز بأنه مُدعم بضمانة ائتمانية مقدمة من بنوك تنموية عالمية: "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والبنك الأفريقي للتنمية"، وهي بنوك ذات تصنيف ائتماني مرتفع، وقد استطاعت الوزارة بالتعاون مع مقدمي الضمانة الائتمانية من إتمام كل الإجراءات التحضيرية الخاصة بإصدار سندات الباندا بسوق المال الصينية، الذي يُعد ثاني أكبر أسواق المال العالمية من حيث الحجم؛ بما يحقق أحد أهم أهداف استراتيجيات تنويع مصادر التمويل والدخول إلى أسواق عالمية جديدة.
وأضاف وزير المالية، أن هذا الإصدار نجح في جذب العديد من المستثمرين الصينيين، وتميز بتطبيق سياسات التمويل المُستدامة في قارتي آسيا وأفريقيا، والتوصل إلى أهداف مشتركة ومفاهيم موحدة فيما يخص التمويل المُبتكر والمُستدام، الذي يسهم في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة، على نحو يتوافق مع إطار التمويل المستدام السيادي المصري المُعلن عنه في يوم التمويل بقمة المناخ التي استضافتها مصر "COP 27".
وأوضح وزير المالية، أن هذا الإصدار بمثابة بوابة جديدة تهدف إلى زيادة التعاون بين البلدين وتبادل الخبرات وفتح مجالات وآفاق من التعاون من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومد جسور التمويل الأخضر والمستدام وتشجيع الاستثمار كإحدى الركائز الجوهرية، التي تتماشي مع استراتيجية مصر الخاصة بأهداف التنمية المستدامة 2023.