عاد ملف سد النهضة إلى الواجهة مع إعلان اجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، واستمرار دعم الجامعة العربية لملف السد.
وتستمر مصر في مساعيها الحثيثة لحل أزمة سد النهضة في أقرب فرصة والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة من خلال المفاوضات.
أزمة سد النهضة الإثيوبي
وقال سامح شكري، وزير الخارجية، إن قضية سد النهضة بند أساسي في قرارات الجامعة العربية، ونتطلع لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد بما يحقق مصالح الجميع، مضيفًا أنه لا يوجد تغير في توجه إثيوبيا الأحادي تجاه ملء وتشغيل سد النهضة.
وأضاف شكري في كلمته أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، قائلا: نرصد عدم تغير موقف إثيوبيا في التعامل بشأن قضية سد النهضة، معربًا عن تطلع مصر إلى استمرار دعم الجامعة العربية لملف سد النهضة، بحث إثيوبيا على التعاون مع مصر بشأن ملء وتشغيل السد.
وأشار إلى أن مصر تريد التوصل إلى حل سلمي، ولكن إثيوبيا مستمرة في ملء السد، لافتا إلى أن مصر تطالب الجامعة العربية بـ الاستمرار بمطالبة إثيوبيا بالاتفاق على وضع حل لا يضر بمصلحة أحد، وهناك دعم عربي راسخ ومستقر من قبل الجامعة العربية تجاه المصالح المائية المصرية والسودانية، بشأن مشروع سد النهضة الإثيوبي.
وأضاف خلال أعمال الدورة الـ160 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، اليوم الأربعاء، أنّ هذا الدعم يحقق مصالح مختلف الشعوب، ويجعل ما يحمله الوضع الراهن من مخاطر وتهديدات جسيمة لا يمكن القبول باستمراره.
وأشار إلى البيان المصري الإثيوبي الصادر في 13 يوليو الماضي، والذي تضمن الاتفاق على إعادة إطلاق المفاوضات، للانتهاء بشكل عاجل وفي غضون أربعة أشهر من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد.
وأفاد بأن القاهرة استضافت جولة مفاوضات ثلاثية يومي 27 و28 أغسطس الماضي، تبين خلالها عدم وجود تغير في الموقف الإثيوبي، وعدم وجود توجه بالأخذ بأي من الحلول الوسطى المطروحة التي تلبي مصالح الدول الثلاث.
وأكّد رصد عدم تغير التوجه الإثيوبي الأحادي اتصالا بملء وتشغيل سد النهضة، مشيرا إلى استمرار المساعي المصرية الحثيثة للتوصل إلى حل سلمي لهذا الأمر.
وكانت أعلنت أيضا وزارة الخارجية الإثيوبية انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، لافتة إلى أن الجولة المقبلة ستعقد في أديس أبابا، خلال سبتمبر المقبل.
من جانبه قال الدكتور أحمد سيد أحمد المحلل السياسي، إن الجولة الأولى من مفاوضات سد النهضة داخل القاهرة لم تحقق حلا ملموسا بشأن أزمة سد النهضة.
وأضاف سيد أحمد - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن الجانب الإثيوبي لم يبدِ حتى الآن المرونة الكافية أو الجدية في التفاوض، وجاءت تلك المفاوضات في السياق الإيجابي في ظل اتفاق الرئيس السيسي ورئيس الوزراء آبي أحمد في 13 يوليو الماضي على هامش قمة جوار السودان بشأن إيجاد حل لأزمة السد النهضة خلال 4 أشهر، لافتاً إلى أن مصر حريصة على مطالبها بالتوصل إلى ميثاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة خاصة في فترات الجفاف والجفاف الممتد.
وأشار إلى أنه بالتزامن مع اعتراف مصر بحق إثيوبيا في بناء السد يجب أن تعترف أديس أبابا أيضا بحق القاهرة في مياه سد النهضة، مشددا: يتميز الموقف المصري بالثبات بشأن الوصول إلى اتفاق ملزم باعتبار هذا هو السبيل الوحيد لحل الأزمة من ناحية والتعايش مع الدول من ناحية أخرى، وتحقيق مصالح جميع الأطراف.
إثيوبيا تفسد مساعي مصر
وقالت الخارجية الإثيوبية، في بيان، نهاية أغسطس الماضي، إن "وفودا من إثيوبيا ومصر والسودان أنهت الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن الملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة الإثيوبي الكبير"، مضيفة أن "الوفود اتفقت على أن تستضيف إثيوبيا الجولة المقبلة من المفاوضات في سبتمبر الجاري في أديس أبابا".
وتبادل الطرفان وجهات النظر للتوصل إلى حل مربح للجانبين، حيث أكدت أن إثيوبيا ستسعى جاهدة إلى اختتام المفاوضات الثلاثية على أساس مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول مع ضمان حصتها العادلة من مياه النيل.
وقال رئيس فريق التفاوض الإثيوبي، السفير سيليشي بيكيلي، خلال افتتاح المفاوضات التي عقدت بالقاهرة نهاية أغسطس الماضي، إن المفاوضات ستعزز التعاون بين الدول الثلاث، مشيرا أيضا إلى الفوائد الهائلة التي ستجنيها الدول الثلاث من سد النهضة.
وأكد أن إثيوبيا ستواصل التمسك بموقفها بشأن مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول وستواصل العمل للتوصل إلى نتيجة ودية للمفاوضات.
وكان استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 13 يوليو الماضي، رئيس وزراء إثيوبيا آبى احمد، الذي ترأس وفد بلاده فى قمة دول جوار السودان والتي استضافتها القاهرة.
وتناول اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين وقضية سد النهضة.
وجدد الزعيمان حينها، تأكيد إرادتهما السياسية المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، انطلاقاً من الرغبة المشتركة في تحقيق مصالحهما المشتركة وازدهار الشعبين الشقيقين، بما يسهم أيضاً بشكل فعال في تحقيق الاستقرار والسلام والأمن في المنطقة، وقدرة الدولتين على التعامل مع التحديات المشتركة.
وناقش الزعيمان سبل تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، حيث اتفقا على النقاط التالية في هذا الصدد:
- الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، واتفقا على بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر.
- خلال فترة هذه المفاوضات، أوضحت إثيوبيا التزامها، أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023 -2024، بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين.
الأزمة بين مصر وإثيوبيا
وهذه ليست المرة الأولى التي يعود فيها هذا الملف إلى التداول، إذ بدأت الأزمة عملياً عام 2010، عندما وقعت 6 دول مشتركة في حوض النيل من بينها إثيوبيا، اتفاق "عنتيبي" في أوغندا.
ويهدف الاتفاق إلى تبديل اتفاقية تقاسم مياه النيل التي أبرمتها الحكومة البريطانية عام 1929 بصفتها الاستعمارية، نيابة عن عدد من دول الحوض (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، مع الحكومة المصرية، وحظرت إقامة أي أعمال ري أو مشاريع كهرومائية على النيل وفروعه بلا اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية.
كما سعت الاتفاقية إلى تبديل اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، التي تحدد الحصة السنوية لمصر من مياه النيل.
ووضعت إثيوبيا في 2011، حجر الأساس لبناء السد، في وقت كانت فيه مصر تشهد أزمة سياسية تمثلت في احتجاجات أفضت إلى تنحّي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. ولكن العمل ببناء السد الذي يبلغ ارتفاعه 145 متراً وطوله 1708 أمتار، لم يبدأ إلا عام 2013، تزامناً مع موافقة البرلمان الإثيوبي على اتفاق.
واتفق المشاركون في القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس السيسي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، والرئيس الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين عام 2015، على "إعلان مبادئ سد النهضة" بهدف حل مشكلة تقاسم مياه نهر النيل.
وتتركز أسباب الخلاف بين إثيوبيا ودولتَي المصبّ مصر والسودان، حول عدة بنود، أبرزها صيغة الاتفاق، إذ تريد القاهرة والخرطوم اتفاقاً يحمل صفة قانونية ملزمة، تشمل كل التفاصيل الخاصة بالسد، مثل آلية الملء وطرق التحكيم عند الخلاف، وهو ما ترفضه أديس أبابا التي تريد تفاهماً غير ملزم قانونياً، ويتمثل بند الخلاف الآخر في سنوات الملء، إذ تريد أديس أبابا ملء السد بوتيرة سريعة تتراوح بين 4 و7 سنوات، في حين ترغب مصر في أن يتمّ الملء في 6 أو 7 سنوات.
وتطالب كلّ من مصر والسودان بوجود آلية قانونية ملزمة لحل النزاعات، من خلال إحالتها إلى وساطة تختارها الدول الثلاث أو الاتحاد الأفريقي ويكون حكمها ملزماً لجميع الأطراف، في حين تريد إثيوبيا حل النزاعات بين الدول الثلاث بلا تَدخُّل من أي جهة خارجية، وهو ما يعني أن الآلية ستكون غير ملزمة، ومن غير المرجح أن تصل إلى نتيجة.