يصادف اليوم ذكرى وفاة الأديب الكبير نجيب محفوظ ،الأديب المصري العظيم، لم يكن مجرد روائي بارع، بل كان يتمتع بكل صفات الشخصية المصرية، وبفضل هذه الصفات، استطاع أن يكسب قلوب المصريين على وجه الخصوص، وكذلك العرب والغرب عمومًا.
هل كان يدرك نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل، أنه قد خلق 1742 شخصية روائية وقصصية خلال حوالي 60 عامًا، وأن هذه الشخصيات كانت كافية لجعله واحدًا من أعظم صناع الإبداع والسرد والتجسيد في العالم؟
توقف عن الكتابة
بعدما أصدر نجيب محفوظ عام 1957 رواية "السكرية" التي تعد الجزء الأخير من ثلاثيته الشهيرة، انقطع عن الكتابة ودخل فترة من الصمت دامت نحو خمس سنوا، هذا الصمت أعقب مرحلة قيام ثورة يوليو التي وضعت حداً فاصلاً بين ما قبلها وما بعدها، سياسياً وثقافياً وفكرياً، ولعلها كانت أيضاً حداً فاصلاً بين مرحلتين في مسار صاحب "خان الخليلي"، مرحلة ما قبلها وما بعدها.
في فترة ما قبل الثورة كتب محفوظ روايات مهمة رسخت مدرسته التي أسسها وتفرد بها عربياً وتوّجها عبر "الثلاثية"، وفي فترة ما بعد الصمت أو الانقطاع كتب أيضاً روايات مهمة جداً، مواصلاً بلورة مدرسته ومتوجاً إياها مرة أخرى، انتقل خلال هذه المرحلة من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية، ثم بدأ نشر روايته الجديدة أولاد حارتنا في جريدة الأهرام في 1959، وفيهااستسلم نجيب لغواية استعمال الحكايات الكبري من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة ليطرح سؤال على رجال الثورة عن الطريق الذي يرغبون في السير فيه (طريق الفتوات أم طريق الحرافيش ؟) ..بروايته "أولاد حارتنا" الإشكالية وفقًا لما ذكر في كتاب نجيب محفوظ: سيرة أديب من حي الجمالية للدكتور محمد السيد عبد الرحيم
أولاد حارتنا
أثارت مرحلة الصمت سجالاً كبيراً في حينه بين النقاد والروائيين وطرحت أسئلة كثيرة وشاملة، خصوصاً أنها لم تكن متوقعة من كاتب شديد الغزارة. ماذا يعني أن يتوقف أكبر روائي عربي عن الكتابة لسنوات
وأثارت الرواية ردود أفعالٍ قوية تسببت في وقف نشرها والتوجيه بعدم نشرها كاملة في مصر، رغم صدورها في 1967 عن دار الآداب اللبنانية. جاءت ردود الفعل القوية من التفسيرات المباشرة للرموز الدينية في الرواية، وشخصياتها أمثال : الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل،رفاعة، قاسم، وعرفة. وشكل موت الجبلاوي فيها صدمة عقائدية لكثير من الأطراف الدينية ..
أولاد حارتنا واحدة من أربع رواياتٍ تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله. وبعدها لم يتخل تماماً عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش في 1977، بعد عشر سنواتٍ من نشر أولاد حارتنا كاملة.
كما أنه قد رفض نشرها بعد ذلك حرصا على وعد قطعه للسيد كمال أبو المجد مندوب الرئيس عبد الناصر بعدم نشر الرواية داخل مصر.