حكم قيام الطبيب الذي يقوم بالإشراف على علاج المرضى ورعايتهم بترك صلاة الجمعة والجماعة من أجل هذا الأمر.. سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية.
قالت دار الإفتاء إنه يجوز للطبيب ترك صلاة الجمعة والجماعة لأجل القيام بعلاج المرضى ورعايتهم؛ فقد عدّ الفقهاء هذا العذر من الأعذار التي تبيح ترك الجمعة والجماعات؛ وذلك لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه": "أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما ذُكِرَ له: أن سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، وكان بدريًّا، مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة، وترك الجمعة".
وأوضحت: القيام بتمريض المريض ورعايته فرض على الكفاية يجب أن يقوم به الأقرب فالأقرب، فإن لم يوجد فسائر الناس؛ كما صرح بذلك الفقهاء:
قال الإمام ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة، في مذهب عالم المدينة" (3/ 1303، ط. دار الغرب الإسلامي): [والتمريض فرض كفاية؛ فيقوم به القريب، ثم الصاحب، ثم الجار، ثم سائر الناس] اهـ.
وقال الإمام ابن العربي المالكي في "القبس، في شرح موطأ مالك بن أنس" (3/ 1132، ط. دار الغرب الإسلامي): [وربما احتاج المريض إلى التمريض، فيتناول ذلك العائدَ إن لم يكن له أهل، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «عُودُوا المريضَ» لجماعِ هذه الفوائد.
والتمريض فرض على الكفاية لا بد أن يقوم به بعض الخلق عن البعض؛ فالقريب، ثم الصاحب، ثم الجار، ثم سائر الناس] اهـ.
وقال الإمام القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 46، ط. دار الوفاء): [وأما عيادة المريض فمندوب إليه، إلا فيمن لا قائم عليه؛ فعلى المسلمين فرض على الكفاية: القيامُ عليه وتمريضه؛ لئلا يضيع ويموت جوعًا وعطشًا، وذلك أصل سُنَّةِ العيادة؛ لتفقد حال المرضى والقيام عليهم] اهـ.
وقد عدَّ الفقهاء تمريض المريض من الأعذار التي تبيح ترك صلاة الجمعة والجماعة:
وروى الإمام البخاري في "صحيحه": "أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما ذُكِرَ له: أن سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل، وكان بدريًّا، مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة، وترك الجمعة، وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 367، ط. دار الكتاب): [وتسقط (يعني: الجمعة) بعذر البرد الشديد والظلمة الشديدة.. كأن يخاف الظلمة أو يريد سفرًا وأقيمت الصلاة فيخشى أن تفوته القافلة أو يكون قائمًا بمريض] اهـ.
وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (1/ 137): [ولا تترك الجماعة إلا لعذر عام؛ كالمطر، والريح العاصفة بالليل، أو خاصٍّ؛ مثل أن يكون مريضًا، أو ممرِّضًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 38-39، ط. دار الفكر): [ولا رخصة في تركها (يعني: الجماعة)، وإن قلنا سنة إلا بعذر عام، كمطر، أو ريح عاصف بالليل.. أو خاص؛ كمرض.. وحضور قريب محتضر، أو مريض بلا متعهد، أو يأنس به] اهـ.
وروى العلامة الكوسج في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (2/ 858، ط. الجامعة الإسلامية): [قلت: فالخائف؟ قال: نعم، إذا خاف أن يعتلّ المريض قد رخص الله عز وجل له في ذلك، وابن عمر رضي الله عنهما ترك الجمعة للجنازة] اهـ.
وقال الإمام برهان الدين بن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (2/ 105، ط. دار الكتب العلمية): [وقال ابن عقيل: خوف فوت المال عذر في ترك الجمعة إذا لم يتعمد سببه، بل حصل اتفاقًا، (أو موت قريبه) نص عليه، أو تمريضه.. لأن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على سعيد بن زيد رضي الله عنه وهو يتجمر للجمعة، فأتاه بالعقيق، وترك الجمعة، قال في "الشرح": ولا نعلم في هذا خلافًا] اهـ.
كما أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن كان عنده مريض أن يتخلف عن الجهاد للقيام بأمر تمريضه ورعايته؛ فعندما مرضت السيدة "رقية" رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تخلف زوجها سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن غزوة "بدر" من أجل رعايتها وتمريضها، فأثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعله، وبيّن أنه يعادل أجر الجهاد، وأسهم له.
واستشهدت دار الافتاء بحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنما تغيب عثمان رضي الله عنه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 177، ط. دار المعرفة): [فإن رقية رضي الله عنها ماتت ليالي بدر، وتخلف عثمان رضي الله عنه عن بدر لتمريضها] اهـ.
وبناء على ذلك أكدت الدار أنه يجوز للطبيب ترك صلاة الجمعة والجماعة لأجل القيام بعلاج المرضى ورعايتهم؛ فقد عدّ الفقهاء هذا العذر من الأعذار التي تبيح ترك الجمعة والجماعات.