مشيرة إسماعيل تفتح صندوق الذكريات :
استعنت بالشرطة فى العراق بعد محاصرتي بالسوق .. وثروت عكاشة تدخل لاستكمال تصوير دوري فى "البوسطجي"
أوصلت جثمان زميلي إلى المطار .. وصعدت لأرقص على المسرح وسط دموعي وتصفيق الجمهور
وبعض المصريين كانوا يروننا مجموعة "راقصين".. وانهرت ليلة وفاة جمال عبد الناصر
تعددت أسباب اختفائهن عن الشاشة لفترة طويلة، إلا أن النتيجة واحدة وهي غيابهن عن جمهورهن لسنوات، جميلات الدراما في الشكل والأداء يفتحن صندوق الذكريات لـ “صدى البلد”، في سلسلة حوارات يكشفن فيها رحلتهن مع عالم الفن، وكواليس تنشر لأول مرة عن أعمالهن الفنية وحياتهن الشخصية.
رابع حوارات سلسلة "عنها" مع واحدة من جميلات الشاشة المصرية، فبالرغم من ابتعادها عن الشاشة إلا أن لهفة المشاهدين لها تزداد يومًا بعد الآخر، وظهر ذلك بوضوح بعدما طلت في الدورة الأولى والوحيدة من مهرجان الدراما المصرية، الذى أقيم خلال الشهور الماضية، إنها الفنانة القديرة مشيرة إسماعيل صاحبة الأداء الناعم الذي يشبه طلتها على الشاشة.
مشيرة إسماعيل بجانب امتلاكها أداء فنيا مميزا وشاملا، إلا أنها أيضاً ذات تجربة حياتية وإنسانية استثنائية، وسمحت لنا في هذا الحوار المطوّل الذى ينشر على عدة أجزاء أن نغوص معها فى تفاصيل تلك الرحلة الطويلة، ونستعيد معها أجمل الذكريات والحكايات التي تكشف عنها للمرة الأولى.
مشيرة إسماعيل بدأت مشوارها مع عالم الفن منذ أن كانت طفلة من خلال أحد البرامج الشهيرة في التليفزيون المصري، ثم بدأت في عمر صغير للغاية تجربة جديدة من خلال مشاركتها في الفرقة القومية للفنون الشعبية التي طافت معها بلادًا عديدة حول العالم، عاشت من خلالها مواقف لا تمحوها الذاكرة، وكانت سفيرة للفن المصري، ثم دخلت بعد ذلك إلى عالم التمثيل لتقدم عددا من الأعمال التي لا تزال محفورة في الأذهان، وبدون مقدمات ارتدت "مشيرة إسماعيل" الحجاب بلا ضجيج، وأكملت مسيرتها الفنية بعدها ..
فى السطور القادمة تسترسل معنا مشيرة إسماعيل عن أهم المحطات في تلك التجربة الغنية ..
توقفنا فى الحلقة السابقة والأولى من حوارنا عن البلاد التى قمتِ بالسفر إليها أثناء مشاركتك فى الفرقة القومية، ولعلك كنت من الفنانين الذين حالفهم الحظ فى الوقوف على مسرح الكرملين ..
تقاطعني وتبدأ بالحديث : هذا المسرح “مهول” ، فشاهدت وقدمت استعراضات على أعظم مسارح العالم ومنها الكرملين ومسرح آخر لن يصدق أحد أنه موجود فى كوريا الشمالية، وبالمناسبة هم أيضاً كانوا يمتلكون أعظم أوبرا فى العالم من وجهة نظري، وهي أوبرا الثورة ، والتى تسرد تفاصيل قيام ثورتهم.
وتتابع "مسرح الكرملين كان به إمكانيات متطورة للغاية ولم أكن قد رأيتها من قبل، كما وقفت على أوبرا المجر، والتى كانت نسخة طبق الأصل من الأوبرا المصرية التى تعرضت إلى الحريق الشهير، فقد شعرت أنني أقف على مسرح دار الأوبرا المصرية، والتى حالفني الحظ بوقوفي على خشبة مسرحها فى سن صغيرة، إذ شاركت فى أعمال فنية واستعراضية عرضت عليها وحضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
بمناسبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذى ربطك القدر به منذ أن كان عمرك 9 أشهر، إلى أن وصلتِ كعضو فى الفرقة القومية تشاركين فى تقديم أعمال فنية يقوم بحضورها، كيف ترين تجربته السياسية من وجهك نظرك؟
تجيب ضاحكة : “كنت بحبه أووي ” ، وبالمناسبة تاريخ ميلادي الحقيقي يتزامن مع تاريخه ميلاده، إلا أنني سجلت فى موعد آخر غير يوم ميلادي الحقيقي ، فكنت أعتبره “ أبو المصريين ” ، ولست وحدي الذى كنت أراه كذلك ، فعبد الناصر كان “ حاجة كبيرة أوي ” لنا جميعًا.
كيف استقبلتِ خبر وفاته ؟
كان انهيار، ليس لي وحدي، ولكن مصر بأكلمها أصيبت بهذا الشعور، فعبد الناصر كان شيئا أساسيًا فى حياة المصريين.
قدمتِ أعمالا استعراضية من خلال الفرقة القومية أمام العديد من رؤساء الجمهورية، هل كنت تشعرين بالرهبة؟
إطلاقًا .. فمثلاً الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان يقوم بحضور بعض العروض الخاصة بالفرقة القومية، وفى الحقيقة كان لديه إيمان بالفرقة القومية كان يراها “ فرقة تقيلة ”، وفى الحقيقة " إحنا كنا فرقة تخض ”بين الفرق العالمية الكبيرة، وسأقول لك شيئًا، إننا حين كنا نقوم بالسفر إلى الخارج لتقديم عروض سيحضرها رئيس هذا البلد ، كان يحضر لي أحد الأشخاص العاملين فى رئاسة الجمهورية، لأقوم بتقديم الحفل بلغة البلد المستضيفة وباللغة المصرية، ولكن كانت تختلف الصيغة على حسب إذا كانت البلد يحكمها رئيس جمهورية أو ملك أو إمبراطور.
بمناسبة النوادر التى صاحبتك خلال سفرك إلى الخارج مع الفرقة القومية، هذا تتذكرين ما حدث فى العراق ؟
تجيب ضاحكة : بالتأكيد ، فقد كنا نقوم بتقديم عروض مع الفرقة القومية هناك، وكانت رقصة“ البمبوطية” بالنسبة للشعب العراقي حدث جلل ، لذا بمجرد أن شاهدوني أنا ودينيس فى السوق فوجئنا بقدوم عشرات السيدات علينا، وتوقف الحركة في السوق تمامًا، إلا أن تدخلت الشرطة وأخرجونا من المحل الذى كنا نتسوق منه.
ربما يكون هذا الموقف سعيداً ، فماذا عن المواقف الصعبة التى تعرضتِ لها؟
بصوت مليء بالحزن وكأن الحدث لم يمضِ عليه سنوات طوال تقول : لا أستطيع أن أنسى أثناء تواجدنا فى العراق أيضًا ، توفي واحد من الراقصين بعد أن تعرض إلى الاختناق من “ الدفاية" ، ولم تفلح محاولات طبيب الرئيس العراقي آنذاك فى إنقاذه، وقمنا بتوصيل جثمانه إلى المطار، وانتقلنا بعدها لتقديم العرض كما هو متفق عليه، وكنت أبكي على المسرح من الحزن، بمجرد أن بدأت الاستعراض خاصة وأنه كان يشاركني فيه، ووسط كل تلك الدموع كان يتعالى تصفيق الجمهور بسبب إعجابهم بالاستعراض.
أنتقل معكِ إلى واحد من الأسماء التى كان لها تأثير عليكِ ، خاصة وأنه كان داعمًا لكِ وللفرقة القومية ، ويعد واحدًا من أهم وزراء الثقافة الذين تقلدوا هذا المنصب، وهو الوزير الأسبق ثروث عكاشة، فقد تدخل بنفسه حتى تتمكنين من استكمال تصوير دورك فى فيلم البوسطجي، فماذا عن تلك الواقعة؟
هذا الأمر حدث بالفعل، وقد كان الوزير ثروت عكاشة فى الحقيقة يحاول أن يؤفر كل سبل الراحة للعاملين فى الفرقة القومية، وكانت من عادتنا أن نخضع إلى جدول تدريبات مكثفة للخروج ببرنامج جديد، ويحضر الوزير الأسبق ثروت عكاشة كل ليلة خميس لمشاهدة ما وصلنا إليه ويتابع المستجدات فى البرنامج الجديد، وفوجئ بأن مدير الفرقة يقول له إنني أتأخر وكنت فى ذلك الوقت عضوا أساسيًا فى الفرقة وأقدم استعراضات بمفردي واقدم أخرى بشكل أساسي، لذا فقد سألني عن سبب التأخير وقلت له إنني أشارك فى فيلم البوسطجي، وأحيانا ظروف تصوير الفيلم تدفعني إلى التأخير عن البروفات، لذا فقد تدخل فى الأمر بنفسه، ولم يكن يقوم بهذا الأمر معي فقط ، فقد كان يتدخل فى حل مشاكل الجميع حتي الأشخاص الذين كان يدرسون في الجامعة كان يتدخل لإزالة أي عقبة أمامهم.
وتتابع : لقد بدأت ونشأت وسط الكبار فمثلاً فيلم “البوسطجي” من إخراج حسين كمال، وحينها كان مسؤولا عن الإنتاج فى مؤسسة السينما سعد الدين وهبة، وحتى الآن “شايلة كل تلك الأسماء ومسؤوليتها على أكتفافي”.
ليست تلك الواقعة الوحيدة التي يتدخل فيها الوزير ثروت عكاشة لمساعدتك ، ماذا عن واقعة إصداره قرارا وزاريا بوقف تصوير فيلم من أجلك؟
نعم حدث هذا الأمر أثناء تصوير فيلم "البعض يعيش مرتين"، من بطولة يحيى شاهين وسناء جميل وعبد المنعم مدبولي وماجدة الخطيب ومن إخراج كمال عطية، فقد كان من المقرر أن أقوم بالسفر لمدة 6 أشهر مع الفرقة القومية فى جولة نزور فيها عددا من الدول الأروبية، وهذا الأمر سوف يؤدي إلى توقف التصوير طيلة تلك المدة، وهو ما دفع القائمين على الفيلم إلى حجز ملابسي كاملة فى الاستديو، وهنا تدخل الوزير ثروث عكاشة وأصدر قرارا بوقف تصوير الفيلم، وخروج ملابسي من الاستديو ، وسافرت مع الفرقة.
بعد كل تلك السنوات تقدمتِ باستقالتلك من الفرقة ما السبب؟
أسباب كثيرة، فقد تقدمت فى البداية بطلب نقلي من الفرقة القومية فى البداية بسبب حملي، ثم شاركت فى بطولة مسرحية الواد سيد الشغال، وحينها كان هناك جدول سفريات للفرقة لابد من تنفيذه فتقدمت باستقالتي .
هل كنت ترين أن الفرقة مقدرة فى الخارج عن مصر؟
ليس بهذا الشكل، فصحيح كان يحضر لنا الجمهور المصري بكثافة، ولكن هذا النوع من الفن بالنسبة لنا فى مصر تسلية، بل إن البعض يعتبرونا مجموعة “راقصين”، أما فى الخارج فيتعاملون معه كونه شيئا أساسيًا وله قيمة ، فقد كان يأتي رؤساء دول خصيصًا لمشاهدتنا ، مثل عبيدي أمين رئيس أوغندا ، والذي حضر فى مرة لمشاهدتنا، وقد كان وزنه زائدا إلى حد ما ، ولم نجد كرسيًا يصلح لأن يجلس عليه، فأوقفنا العرض حتي أحضروا له كنبة فى الصالة ليجلس عليها، وهذا من دافع حرصه على مشاهدة العرض.