مشيرة إسماعيل تفتح خزائن الأسرار:
- مش محتاجة أشتغل علشان الفلوس.. وربنا ساترني
- كسرت قواعد "الفرقة القومية".. ورقصة البينولا صممت من أجلي
تعددت أسباب اختفائهن عن الشاشة لفترة طويلة، إلا أن النتيجة واحدة وهي غيابهن عن جمهورهن لسنوات، جميلات الدراما في الشكل والأداء يفتحن صندوق الذكريات لـ “صدى البلد”، في سلسلة حوارات يكشفن فيها رحلتهن مع عالم الفن، وكواليس تنشر لأول مرة عن أعمالهن الفنية وحياتهن الشخصية.
رابع حوارات سلسلة "عنها" مع واحدة من جميلات الشاشة المصرية ، فبالرغم من ابتعادها عن الشاشة إلا أن لهفة المشاهدين لها تزداد يوماً بعد الآخر ، وقد ظهر ذلك بوضوح بعدما طلت في الدورة الأولى والوحيدة من مهرجان الدراما المصرية ، والذى أقيم خلال الشهور الماضية، إنها الفنانة القديرة مشيرة إسماعيل صاحبة الأداء الناعم الذى يشبه طلتها على الشاشة .
مشيرة إسماعيل بجانب امتلاكها أداء فنيا مميزا وشاملا، إلا أنها أيضاً ذات تجربة حياتية وإنسانية استثنائية، وقد سمحت لنا في هذا الحوار المطول الذى ينشر على عدة أجزاء أن نغوص معها فى تفاصيل تلك الرحلة الطويلة ، ونستعيد معها أجمل الذكريات والحكايات التي تكشف عنها للمرة الأولى.
مشيرة إسماعيل بدأت مشوارها مع عالم الفن منذ أن كانت طفلة من خلال أحد البرامج الشهيرة في التليفزيون المصري، ثم بدأت في عمر صغير للغاية تجربة جديدة من خلال مشاركتها في الفرقة القومية للفنون الشعبية والتي طافت معها بلادا عديدة حول العالم، عاشت من خلالها مواقف لا تمحوها الذاكرة، وكانت سفيرة للفن المصري ، ثم دخلت بعد ذلك إلى عالم التمثيل لتقدم عددا من الأعمال التي لا تزال محفورة في الأذهان، وبدون مقدمات ارتدت "مشيرة إسماعيل" الحجاب دون ضجيج، وأكملت مسيرتها الفنية بعدها، فى السطور القادمة تسترسل معنا " مشيرة إسماعيل " أهم المحطات في تلك التجربة الغنية .
اعتدت دائماً في تلك السلسلة من الحوارت "عنها" أن نبدأ من الأسرة وتأثيرها على تكوين مبدعات مصر، ولكن معك سوف ابدأ بالسؤال الذى يتردد كل مرة يذكر فيها اسمك، وما سر ابتعادك عن الشاشة رغم علمي أن هناك أعمالا عدة تعرض عليك وتعتذرين عنها؟
بكل بساطة سوف أسرد لك مواقف حدثت لي مؤخراً ، تسطيع أن تفهم من خلالها سر اعتذاري عن تلك الأعمال، منها أنني من فترة وجدت أحد القائمين علي عمل فني يتواصل معي لأداء شخصية مريضة نفسيا في أحد المسلسلات، وهنا حرصت على التنبيه أنني محجبة، ووجدته يقول لي "عندك مشكلة لو الدكتور - الممثل القائم بالدور- مسك دراعك وعملك مساج"، ومرة أخري وجدت أحد الأشخاص يتصل بي ويقول لي "إحنا محددين للدور ده مبلغ كذا"، ومرة أخرى طلب مخرج مني أن ابدا تصوير في اليوم التالي، وكثيراً ما يسردون لي الشخصية على الهاتف ويرفضون إرسال السيناريو، بعد كل هذا يستطيع الجميع أن يعرف سر ابتعادي.
بمناسبة ارتدائك الحجاب، أنت من الفنانات القلائل اللاتي لم يتاجرن بقرار ارتدائهن الحجاب، بل ترفضين الحديث عنه، فهل في هذا الحوار الذى نسرد فيها تجربتك الإنسانية الكاملة، ستكشفين لنا السر وراء هذا القرار، ولماذا ترفضين الحديث عنه؟
بكل بساطة الحجاب بالنسبة لي أمرا عاديا، فلدي شقيقات محجبات، أما سبب ارتدائي الحجاب فهذا سر بيني وبين الله لن أبوح به ولا أريد أن اطلع أحد عليه، ولكني اتخذت القرار وأنا في الشارع وهذا كل ما أستطيع قوله.
ولكن ألم تخشي أن يؤثر هذا القرار على ترشيحك لأعمال فنية؟
إطلاقاً، " اللي عايزني كده وعاجبه اهلا وسهلاً، واللي مش عايزني بيه متشكرين مع السلامة.. أنا خلاص شوفت نجاح" ، ويمكن النجاح الذى حققته في الفرقة القومية أكثر من التمثيل 100 مرة".
أنتقل معك إلى الأسرة، والتي دائماً ما يكون لها التاثير الأول بالنسبة للشخص، فماذا عن العائلة التي أنبتت تلك الموهبة؟
والدي كان ضابط شرطة وقد توفي في الأربعينات من عمره، حيث كان يتقلد منصب نائب حكمدار الجيزة ورئيس مباحث التموين، وتزامن وقت وفاته بعد مرور أشهر قليلة من قيام ثورة يوليو، فقد أنهك نفسه في العمل وقد كان مريضا بالسكر والضغط، مما جعله يتوفي في مكتبه أثناء قيامه بعمله، وقد أقيمت له جنازة عسكرية، حضرها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، وكنت أملك صورة لمجلس قيادة الثورة كاملاً وهم يقدمون واجب العزاء للأسرة في منزلنا بمنطقة وسط البلد .
كنت في سن صغيرة حين توفي والدك .. اليس كذلك ؟
نعم .. فقد كان عمري 9 أشهر فقط.
هل وفاة والدك في سن صغيرة ، اثر عليك وجعلك تشعرين بـ " اليتم " ؟
بالتأكيد كان لها تأثير كبير علي، ولكن من الممكن أن يكون هذا التأثير إيجابيا وليس سلبيا .
ماذا عن دور والدتك في حياتك والتي تحملت المسؤولية كاملة بعد وفاة الوالد؟
بالفعل، فقد تحملت والدتي مسؤولية تربية خمس بنات بمفردها، فقد كانت العائلة بعضها يعيش في الفيوم البعض الاخر في أماكن أخري، وكان يزورونا من حين لأخر، لذلك "فأمي شالت الشيلة لوحدها"، وقد كان لها تأثير إيجابي علي كنا ذكرت لك، وقد استوعبنا نحن البنات الموقف، وكنا نساند بعضنا ونساندها فقد كنا نعي ما حدث لنا ووفاة والوالد، وفى الحقيقة أنها وفرت لنا حياة كريمة، وأتذكر أن في الذكري الثانوية لوفاة الوالد كنا نفترش غرفة الصالون لاستقبال المعزين، ويأتي من بعدها المقرئ ليتلوا القرآن، وفى الحقيقة تلاوة القرآن كان طقس يومي في منزلنا، فقد يحضر كل صباح الشيخ فؤاد ، ويقرا قرآن ونجلس جميعاً امامه نستمع.
وتتابع بنبرة من السعادة والحنين: أحلي أيام حياتي قضيتها في منزلنا بمنطقة وسط البلد وتحديداً شارع 26 يوليو، فلا أنسي ان احتفالات ثورة يوليو كانت تمر من أسفل منزلنا، وكان الرئيس عبد الناصر يمر ثم بنظر لنا ويلقي التحية بيد .
أعود إلى دور وتأثير والدتك عليك، فقد كانت بمثابة الاب والام معاُ ، فماذا عنها؟
والدتي كان من أصول تركية، ولكنها عاشت في مصر طيلة حياتها، حيث قامت أسرتها بالمجيء إلى مصر استقروا في الإسكندرية، ثم تزوجت والدتي وعاشت بشكل دائم في القاهرة، في الحقيقة أنها كانت رسامة بارعة.
هل كان لها دور في دخولك عالم الفن ومن قبله مشاركتك في برنامج " ماما سميحة "؟
في الحقيقة لم نكن نخطط لهذا الأمر، فحياتي كلها كانت عن طريق الصدفة، ففي البداية وجدت أن المدرسة تطلبني للمشاركة في فريق الجمباز وقد حصدت بطولات للمدرسة، ومشاركتي في برامج الأطفال جاءت بعدما شاهدتني المخرجة وفاء صادق في إحدى البطولات وطلبت مني ومن شقيقتي الانضمام إلى برنامج ماما سميحة، ثم شاهدني مصمم الراقصات كمال نعيم في برنامج ماما سميحة، وضمني إلى الفرقة القومية الذى كان يتولها مدرب روسي.
من كان زملاؤك في برنامج جنة الأطفال؟
هناك العديد من الفنانين مثل الملحن الراحل رياض الهمشري وهاني شاكر وبوسي ونورا وصفاء أبو السعود وعزة كمال وإجلال زكي .
نعود إلى الفرقة القومية، كيف جاء انضمامك على الرغممن سنك الصغيرة للغاية آنذاك، خاصة وأن الفرقة لم تكن تسمح بالمشاركة في هذه السن؟
حين كنت في برنامج جنة الأطفال كان هنا استعراض بسيط يقوم بتدريبنا عليه كمال نعيم، وحين كان يعطينا حركة محددة لأدائها يجدني اقدمها بشكل صحيح، وظل يمنحني حركات أصعب، في كل مرة أجيدها، لذا فقد طلب من والدتي انضمامي إلى الفرقة إلا أنها اعترضت في البداية بسبب صغر سني مقارنة بأعضاء الفرقة، ولكنه وعدها بأنه سيتولى رعايتي، وبالفعل ذهبنا إلى المدرب الروسي المسؤول عن الفرقة وقد وجدني صغيرة للغاية.
قاطعتها .. هل كنت مدركة في هذه السن وجودك في واحدة من أهم الفرق الاستعراضية في العالم ؟
على الإطلاق، لم أكن أعي هذا الأمر، وحتى الآن حين يقولون لي كنت نجمة الفرقة القومية، لا أعي تلك الكلمات، فقد كنت ومازالت أقدم شغلي بإخلاص وبحب، وحبي للعمل هنا في المقام الأول، فحتي الآن يعرض علي أعمال لا أحبها، أو لا أحب القائمين عليها ارفضها علي الفور ، مهما كان المقابل المادي ، " الحمد الله ربنا سترني ، ومش محتاجة اشتغل علشان الفلوس " .
نعود إلى انضمامك للفرقة القومية بشكل استثنائي بسبب سنك الصغيرة .. ماذا هي التفاصيل؟
كنت أشترك حينها في الرقصات التي تضم بنات كثيرة حتي أتمكن من المشاركة فيها، وقد صمم كمال نعيم رقصة"البينولا" من أجلي وكانت عبارة عن 3 فتيات ترتدين ملابس المدرسة ويمسكن بالستارة.
وتتابع ضاحكة :خلال تواجدي في الفرقة كان الراحل رشدي صالح يقول لي "يابنتي أنت لسه صغيرة ومينفعش تشتغلي مع الكبار، روحي ومتجيش ثاني " ، ولكن كمال نعيم كان يقوم بتدريبي قبل ساعات من بدء تدريب الفرقة، ثم أغادر قبل ان تبدأ الفرقة تدريبها، هذا في حال وجود الراحل رشدي صالح، ولكن في الأوقات التي لم يكن يتواجد فيها كنت اظل موجودة لأشاهد التدريبات الخاصة بالفرقة .
وتستكمل: خلال تلك الفترة كان كمال نعيم يقوم بالتحضير لرقصة " البمبوطية " وكانت في البداية الرقصة يشارك فيها بنت ووالدين، ولكن رشدي صالح ظل يرفض تلك الرقصة، إلا أن فكر كمل نعيم في إضافة فتاة أخري معي، واستعان بإحدي الراقصات المؤثرات في الفرقة وهي دنانير، حتى لا يرفضها رشدي صالح، وبالفعل أصبحت الرقصة بنتين وثلاثة أولاد، ووافق عليها رشدي صالح، وكنت أبلغ من العمر حينها 11 عاماً .
ولكن العمل في مثل هذ العمر لم يقض على طفولت ؟
كنت أتعامل ببراءتي، وقد شعرت أنني وسط أسرتي، فقد كان اللعب بالنسبة لي في هذا السن وهو التدريب على الرقصات ، رغم انه كان قاس ، ولكني كنت معتادة على هذا الامر من تدريبات الجمباز.
تجربة مع الفرقة القومية غنية، هل شعرت بانك عضو أساسي فيها ، خاصة وانك بعد ذلك أصبحت الراقصة الاولي ؟
من اللحظة الأولى شعرت أنني جزء أساسي من الفرقة، وحتى بعدما أصبحت الراقصة الاولي لم أكن اشعر انني الأهم ، لان كما ذكرت هم أسرتي، فقد أصبحت بعد ذلك اقم بتقديم برنامج الفرقة، وحين يكون هناك ضيوف من رؤساء الدول أتولى أنا التقديم أيضاً .
هل صحيح انك سافرت 100 دولة حول العالم اثناء مشاركتك في الفرقة القومية ؟
لقد قرأت هذا الرقم من قبل، ولكني بكل صراحة لا أعرف عدد الدور التي سافرت إليها، ولكني أولى سفاريتي مع الفرقة كانت في 11 دولة أوروبية، واستغرقت 6 شهور، ولكني لا أتذكر عددها.