ساعد الضعف الذي ساد الدولة العثمانية خلال القرن الثامن عشر الميلادي على ظهور عدد من زعماء المماليك الذين كانوا يتولون منصب شيخ البلد؛ أي حاكم القاهرة صاحب القوة في مصر والحاكم الفعلي لها، والذي يُعّد أعلى المناصب التي يتقلدها المماليك البكوات، وكان أبرزهم في هذه الفترة علي بك الكبير، حيث تطلع إلى منصب شيخ البلد، ، ولم يكن الوصول إلى هذا لذلك بالأمر اليسير، بل كان دائما مفروشا بالصعاب والعقبات وممتلئا بالخصوم والمنافسين.
[[system-code:ad:autoads]]
التطلع إلى الحكم
بدأ علي بك بشراء المماليك والإكثار منهم وتدريبهم على فنون الحرب والقتال، والاستعداد للساعة الحاسمة التي يفوز فيها بالمنصب الكبير، وجاءت هذه الساعة في عام 1763، حيث اعتلى كرسي مشيخة البلد بالقاهرة، لكنه لم ينجح في الاحتفاظ بمنصبه، وأجبره خصومه على الفرار من القاهرة إلى الصعيد، و الحجاز، وإلى الشام. فيما لم يثنه ذلك عن التطلع إلى منصب شيخ البلد، حتى استطاع العودة إلى منصبه سنة 1767، وهو أعظم قوة وأكثر عددًا.
سلك علي بك الكبير في بداية أمره سياسة عنيفة مع خصومه، و بعد أن استتب له الأمر في البلاد جعل من مصر بلدًا ينعم بالرخاء والسلام. بسط سيطرته على البلاد، ولما استتب له الأمر التفت إلى من بقي من خصومه فصادر أموالهم وقتل بعضهم أو حتى نفاهم، ولم يسلم من هذه الإجراءات من قدموا له العون والمساعدة فبطش ببعضهم ونفاهم إلى خارج البلاد.
فما بالك بخصومه، إذ اتصفت إجراءاته تجاههم بالقسوة، حتى وصفه الجبرتي بأنه هو الذي ابتدع المصادرات وسلب الأموال من مبدأ ظهوره، واقتدى به غيره، وكان أداته في هذا الشأن عدد من أتباعه أشهرهم محمد بك أبو الدهب وأحمد الجزار .
شهادة للتاريخ
وصفه المؤرخون بأنه كان عظيم الهمة، لا يميل إلى الهزل و كان مطالعاً لكتب التاريخ. وقد أشاد الجبرتي بإصلاحات علي بك وعمائره، حيث أصلح قلاع الإسكندرية ودمياط وزاد في تحصينها، وجدد مسجد السيد البدوي، وأقام على ضريحه قبة ومنارتين كبيرتين، وغير ذلك من شؤون العمارة التي لا تزال شاهدة على جهوده في هذا الميدان. ويرى بعض المؤرخين أن علي بك الكبير لم يكن يسعى إلى فصل مصر عن الدولة العثمانية، وأنه كان حريصًا على إظهار الطاعة للسلطان، وأن تكون تحركاته بفرمانات سلطانية، كما حرص على استمرار الخطبة للسلطان العثماني باعتباره سلطان بلاد المسلمين بما فيها مصر، ولعله كان يستهدف بحركته أن تكون له مقاليد الأمور في مصر تحت حكم الدولة العثمانية.