يصادف اليوم الخامس من يونيو ذكرى وفاة الشاعر الكبير أحمد رامي، كاتب أعذب الأشعار بالفصحى واللهجة العامية، والتي كان لسيدة الغناء العربي أم كلثوم النصيب الأوفر منها، فما يقرب من نصف التراث الغنائي لكوكب الشرق كتبه "شاعر الشباب"، الذي أحبها كثيراً، حتى أنه انقطع عن نظم الشعر بعد رحيلها.
«يعجبني فى كل ما ينظمه رامي، ترجمته الدقيقة عن مكنونات العواطف وخلجات القلوب، وسبقه دائماً إلى التجديد والابتكار». بتلك الكلمات، وصفت أم كلثوم الشاعر أحمد رامي، بمقالٍ كتبته في مجلة الهلال، بعددها الصادر في الأول من يناير عام 1948.
[[system-code:ad:autoads]]
مجموعة روحانية
تقول أم كلثوم، إن أحمد رامي يمثل: "مجموعة روحانية من الاحساس الملهم، والثورة العميقة المكبوتة، والهدوء الرزين، مع ظرف نادر وخيال محلق، وخاطر سريع، وإخلاص لذات الاخلاص ذلك هو « رامي» شاعر الشباب، والفنان الذي جدد شباب الأغاني المصرية، وخرج بها من الأفق الضيق المحدود الذي كانت تضطرب حائرة فيه إلى آفاق فسيحة عديدة تسرح فيها وتمرح وتحلق، وتغوص إلى أعماق النفوس، وتثير شتي الأحاسيس". موضحةً أنها عرفت الشاعر أحمد رامي قبل أن تراه، من قصيدته الرقيقة، التي يقول في مطلعها «الصب تفضحه عيونه .. وتنم عن وجد شجونه»، والتي نظمها رامي خلال إقامته في باريس.
وتذكر أم كلثوم، أنها أعجبت بخفة وزنها ، ورقة ألفاظها ومعانيها ، وطلبت من الشيخ أبوالعلا محمد أن يلحنها، وأخذت تغنيها في الحفلات العامة والخاصة، حيث قالت : «كلما رأيت شدة الإقبال على سماعها ازداد إعجابی بها وبناظمها الموفق المجيد إلى أن رايته لأول مرة.. وكان قد حضر ليسمعنى في حفلة بحديقة الأزبكية عقب عودته من باريس، وجلس في الصف الأول متتبعاً غنائي بعناية ملحوظة وإصغاءٍ تام. فلما انتهت الوصلة كان في أوائل من تقدموا لتهنئتي وعرفنى بنفسه فكان سروری عظيما بلقياه ، وأجبت طلبه فغنيت في الوصلة التالية قصيدته المذكورة، ووفقت في أدائها توفيقاً لم أظفر بمثله قبل ذلك». مشيرة إلى أن تلك الحفلة كانت خاتمة حفلات الموسم بالقاهرة، والتي سافرت بعدها الى رأس البر، حيث بقيت هناك طوال مدة الصيف.
أم كلثوم: سررت لرؤيته.. غنيت قصيدته دون أن يطلبها
تابعت أم كلثوم: "ثم عدت لأبدأ غنائي في «تياترو البوسفور » .. وهناك في الحفلة الأولى، رأيت رامي قد أخذ مكانه في الصف الأول، فسررت لرؤيته وغنيت قصيدته دون أن يطلبها».
وعندما جاء أحمد رامي لتحية أم كلثوم في فترة الاستراحة، بصحبة بعض اخوانه الذين أخبروها أن الشاعر نظم قصيدة جديدة مطلعها : «صوتك أهاج الشجو في مسمعى .. وأرسل المكنون من أدمعي».
وتقول أم كلثوم، «منذ ذلك الحين والود والتقدير بيننا متصلان». موضحةً أنها لم تغن هذه القصيدة، وغنت قطعة أخرى، هي أول ما نظمه رامي لها باللغة الدارجة، وهى أغنية مطلعها: «خايف يكون حبك لي شفقة علي .. وانتي اللي فى الدنيا ديه ضي عيني». وتوالت بعد ذلك الأغاني الحافلة بروائع الصور، وبدائع المعاني والخواطر.
يُعجبني في رامي..
وأشادت أم كلثوم بشعره، قائلة: «يُعجبني في كل ما ينظمه رامي ترجمته الدقيقة الصادقة. مكنونات العواطف وخلجات القلوب وسبقه دائماً إلى التجديد والابتكار والتلوين، والافتنان في انتقاء الالفاظ والاوزان» . كما أثنت على شخصه قائلة، إن من أخص صفاته : الوداعة، والابتسام على الدوام، والوفاء لذات الوفاء، ذي حديث ظريف، لا يخلو مجلسه من نكتة طريفة يبتدعها أو فكاهة لطيفة يرويها، واختتمت أم كلثوم مقالها: «كم لرامي من نوادر و فكاهات اهتزت لها مجالس الأُنس والسمر، وكم له من لفتات جميلة وطرائف عمرت بها الليالي الملاح».