يصادف اليوم الأول من شهر يونيو ذكرى رحيل الشاعر اللبناني خليل مطران، شاعر الرومانسية ورائد الاتجاه الوجداني، المُلقب بشاعر القطرين، والذي أثر في العديد من أقرانه المعاصرين، وتفوق على أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في الشعر الإجتماعي.
وُلد خليل مطران في الأول من يوليو عام 1872، في بعلبك بلبنان، وتلقى تعليمه بالمدرسة البطريركية ببيروت، وتلقى توجيهاته في البيان العربي على يد أستاذاه الأخوان خليل وإبراهيم اليازجي، كما أطلع على أشعار "فكتور هوغو" وغيره من أدباء ومفكري أوروبا، هاجر مطران إلى باريس وهناك انكب على دراسة الأدب الغربي. كان مطران صاحب حس وطني؛ فقد شارك في بعض الحركات الوطنية التي أسهمت في تحرير الوطن العربي، ومن باريس انتقل مطران إلى محطة آخرى .
[[system-code:ad:autoads]]
قضى بها أكثر عمره..
انتقل الشاعر خليل مطران إلى مصر وقضى بها غالب حياته، حيث عمل كمحرر بجريدة الأهرام لعدة سنوات، ثم قام بإنشاء «المجلة المصرية» ومن بعدها جريدة «الجوانب المصرية» اليومية والتي عمل فيها على مناصرة مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمر إصدارها على مدار أربع سنوات، وقام بترجمة عدة كتب.
وخلال إقامته في مصر، كلفته وزارة المعارف بترجمة كتاب «الموجز في علم الاقتصاد» مع الشاعر حافظ إبراهيم، وصدر له ديوان شعر مطبوع في أربعة أجزاء عام 1908، كما عمل مطران على ترجمة مسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية، و كان له دورّا فعال في النهوض بالمسرح القومي المصري.
قامت الحكومة المصرية بعقد مهرجان لتكريمه، لما قدمه من جهود أدبية مميزة، وحضر التكريم جمع كبير من الأدباء والمفكرين ومن بينهم الدكتور طه حسين.
أسلوبه الشعري
دعا مطران إلى التجديد في الأدب والشعر العربي فكان أحد الرواد الذين أخرجوه من ردائه التقليدي إلى الحداثة، مع الحفاظ على أصول اللغة والتعبير، كما أدخل الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي. كما عُرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة في كل من الشعر والنثر، تميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني والأصالة والرنة الموسيقية، وكما يُعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، فهو أيضًا من مجددي النثر فأخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.
المدرسة الرومانسية
حاكى مطران في بداياته شعراء عصره، حيث تناول أغراض الشعر الشائعة من مدح ورثاء، لكنه استقر على المدرسة الرومانسية والتي تأثر فيها بثقافته الفرنسية، فكما عني شوقي بالموسيقى وحافظ باللفظ الرنان، عنى مطران بالخيال، وأثرت مدرسته الرومانسية الجديدة على العديد من الشعراء في عصره مثل: إبراهيم ناجي وأبو شادي وشعراء المهجر. وشهدت حياته العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية الهامة وكان بالغ التأثر بها وعبر عن الكثير منها من خلال قصائده، وعُرف برقة مشاعره وإحساسه العالي؛ وهو الأمر الذي انعكس على قصائده التي تميزت بنزعة إنسانية، وكان للطبيعة نصيب من شعره فعبر عنها في الكثير منه، كما عني في شعره بالوصف، وقدم القصائد الرومانسية.
خيال خاص
كما اهتم مطران بالشعر القصصي والتصويري، وتمكن من استخدامه؛ ليعبر عن التاريخ والحياة الاجتماعية العادية التي يعيشها الناس، فاستعان بقصص التاريخ وقام بعرض أحداثها بخياله الخاص، بالإضافة لتعبيره عن الحياة الاجتماعية، وكان مطران متفوقًا في هذا النوع من الشعر عن غيره فكان يصور الحياة البشرية من خلال خياله الخاص، مراعيًا جميع أجزاء القصة، كما واجه الفساد الاجتماعي والأخلاقي بقوة في قصائده الاجتماعية التي تناول فيها العديد من المواضيع، و تفوق مطران على حافظ إبراهيم وأحمد شوقي في ذلك الجانب من الشعر .
قالوا عنه.. زعيم الشعر العربي المعاصر
نتناول جانبًا مما قاله كبار الأدباء والشعراء عن خليل مطران، حيث عبر الأديب طه حسين عن رأيه في شعر مطران وهو يخاطبه قائلاً: «إنك زعيم الشعر العربي المعاصر، وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين، وأنت حميت» حافظاً«من أن يسرف في المحافظة حتى يصيح شعره كحديث النائمين، وأنت حميت» شوقي«من أن يسرف في التجديد حتى يصبح شعره كهذيان المحمومين».
وأشار الدكتور ميشال جحا الأديب اللبناني والذي قام بنشر دراسة عن خليل مطران «إلى أن شوقي وحافظ ومطران، يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكرنا بالثالوث الأموي: الأخطل وجرير والفرزدق الذي سبقه بأكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، كما عاش هؤلاء الشعراء في فترة زمنيـة متقاربة، وفي كثـير من الأحيـان نظمـوا الشعر في مناسبـات واحدة، إنما خلـيل مطران يبقى رائـد الشعر الحديث».
وقال الباحث اللبناني قاسم محمد عثمان ان ما صنعه خليل مطران في الأدب لم يصنعه أدباء عصره.
كما قال عنه الشاعر صالح جودت «أنه أصدق شعراء العرب تمثيلًا للقومية العربية».
وقال عنه الشاعر العراقي فالح الحجية الكيلاني «عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة متجددة في الشعر والنثر، وتميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني الحي والأصالة العربية والنغمة الموسيقية، ويعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، ومن مجددي النثر إذ أخرجه من الأساليب الأدبية القديمة».
قصائد لخليل مطران
ضم تراث مطران الكثير من القصائد، من بينها: موت عزيز، الأسد الباكي، وفاء، الجنين الشهيد، المنتحر، الطفل الظاهر، نيرون، فتاة الجبل الأسود، بين القلب والدمع، الزنبقة وغيرها من القصائد المميزة، وتُعد قصيدة «المساء» من أشهر قصائده.
وقدم للمكتبة العربية كتب «من ينابيع الحكمة والأمثال، ديوان الخليل، إلى الشباب»، والعديد من المترجمات لكل من شكسبير، وفيكتور هوجو.
وفاته
توفي في الأول من يونيو العام 1949، بعد أن اشتد عليه المرض، لتشهد مصر وفاته كما شهدت انطلاقته الأدبية.