شهدت مدينة القصير، الواقعة في جنوب محافظة البحر الأحمر، توافد عدد من السياح الأجانب لزيارة مقابر لأسر إيطالية مدفونة بها. يعود سبب زيارتهم إلى شدة حبهم لهذه البلدة التاريخية وتراب مصر، حيث عاش وترعرع ودفن 25 إيطاليًا في هذه المقابر. يعود تاريخ الدفن إلى الفترة من 1912 إلى 1964، وتم وضع الإيطاليين هؤلاء قرب المقابر الأقباط القديمة في المدينة.
وفقًا للباحث التاريخي بالبحر الأحمر، وصفي تمير، فإن مقابر الإيطاليين تتميز بفن العمارة الإيطالية الجميلة، حيث تم بناء المدافن باستخدام الطوب الكوارتز والتخشيبة. وتجد في هذه المقابر أسماء الأفراد المدفونين بها، حيث بدأ أول دفن بها بابن بلجريني، معلم المدرسة الإيطالية في القصير في ذلك الوقت.
تشهد هذه المقابر زيارات سنوية من قبل أفراد عائلات الراحلين الإيطاليين، حيث يقومون بتجديد الزهور والتكريم لأحبائهم المتوفين. يلاحظ الزائرون بقايا الورود والأزهار التي تشهد على تلك الزيارات السنوية المؤثرة.
ويعكس تصميم المقابر الإيطالية الأسلوب العمراني القديم للقصير، حيث تم استخدام الأحجار الجيرية في بناء بعض المقابر الأقدم، بينما تم استخدام صناديق خشبية تشبه التوابيت في بعض المقابر الأحدث.
وتتميز المقابر الإيطالية بباب صغير، يُصنع بسيطة من الألواح الخشبية الرأسية والأفقية، حيث يأخذ الجزء العلوي من الباب شكلًا مدببًا. وقد تطورت تلك التصاميم على مر السنين، حيث أصبحت أكثر بساطة وأقل تعقيدًا، وهو ما يتماشى مع شكل المنازل التقليدية في القصير التي تم تصميمها بنفس الطريقة باستخدام الخشب والطين.
ويؤكد الباحث التاريخي تمير أن الإيطاليين عاشوا في القصير خلال الفترة من 1912 إلى 1964 في إطار الحقبة الإيطالية بالمدينة. أسسوا مستعمرة اقتصادية في صحراء القصير، وشاركوا في عمليات التنقيب واستخراج الفوسفات من مناجم القصير القديمة. وقد أثروا في تنمية المدينة وبناء مجتمع اقتصادي نابض بالحياة، حيث احترموا وتبادلوا الثقافات المختلفة في العمارة واللغة وتبنوا روح العمل والتعايش المشترك بسلام واستقرار. وبالتالي، أقاموا في هذا المكان لسنوات طويلة، حيث نشأت أجيالهم وتربت فيهم محبة هذا المكان. وعند حلول الفراق الأخير، تمنى الراحلون بدفنهم في تراب القصير الذي أحبوه وعشقوه طوال حياتهم.
يعد هذا الموقع المقدس للإيطاليين ومقابرهم مثالًا للتراث الثقافي والتاريخي المشترك بين إيطاليا ومصر. إن حب الإيطاليين للقصير ومشاركتهم في تطويرها يعكس الروابط القوية بين الشعبين والاحترام المتبادل للثقافات المختلفة.
تنتظر مدينة القصير بشغف واحترام الزوار الأجانب الذين يزورون المقابر الإيطالية لتكريم الأرواح المفقودة واستكشاف هذا التاريخ الممتد والفريد من نوعه.