لاشك أن سؤال هل لك قرين من الجن ؟، أو بصيغة أخرى هل لكل إنسان قرين من الجن؟، يعد من الاستفهامات المخيفة التي تؤرق البعض وتثير فضول الآخرين، وذلك لارتباطها بعالم الجن الخفي والمرعب ، فمسألة وجود قرين من الجن قريبك منك ويلازمك هي فكرة ليست سهلة الاستيعاب والقبول ، وهذا ما يطرح أهمية معرفة هل لك قرين من الجن وهل لكل إنسان قرين من الجن؟، وإن صحت فما العمل لتجنب شروره.
هل لك قرين من الجن؟
روي عن عبدالله بن مسعود ، في صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2814 ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. [وفي رواية]: وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ).
وبين الحديث أن الجِنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، وهُم مُكلَّفونَ مِثلَنا، منْهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةُ، ومنهم الطَّيِّبُ والخَبيثُ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.
هل لكل إنسان قرين ؟
وورد أنه لما سَأله الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم قائلِين: «وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟»، أي: هلِ اللهُ عزَّ وجلَّ قدْ قيَّدَ لكَ أنتَ أيضًا -يا رسولَ اللهِ- قَرينًا مِن الجنِّ مِثلَ باقِي البشَرِ؟ قال: «وَإيَّايَ» يَعني: لِي قَرينٌ مِنَ الجِنِّ كَما لكُلِّ إِنسانٍ قَرينُه مِنَ الجِنِّ؛ وذلكَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَرٌ، قال تعالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110]، «إلَّا أنَّ اللهَ أَعانَني» على ذلكَ القرينِ وعلى السَّلامةِ مِن شَرِّه ووَساوِسِه، «فأَسلَمَ» -بفتحِ الميمِ- يَعني: صار مُسلِمًا وآمَنَ بدَعوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِسالتِه، أو المعنى: استَسْلَمَ وانقادَ، وقدْ ضُبِطَ اللَّفظُ (فأَسْلَمُ) بضَمِّ الميمِ بصِيغةِ المضارعِ، ومعناه: فأسلَمُ أنا منه ومِن مَكرِه ووَسوسَتِه، وأُحفَظُ وأُجارُ مِن شَرِّه وفِتنتِه بعِصمةِ اللهِ تعالَى، فلا يَأمُرُني إلَّا بِخَيرٍ.
وجاء في روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ، وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ، وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
القرين فى القرآن
ذُكِر القرين في القرآن الكريم في عدّة مواضع، وبيّنت هذه المواضع أنّه يضرّ الإنسان، ويزيّن له المعاصي في أغلب الحالات، ومن ذلك:
- قوله تعالى: «ومن يعشُ عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين»، (الزّخرف 36).
- قوله تعالى: «قال قائلٌ منهم إنّي كان لي قرين»، (الصّافات 51).
- قوله سبحانه: «حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين»، (الزّخرف38).
الإنس والجن
خاطب الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز صِنفين من مخلوقاته وهما الإنس والجن؛ فالإنس هم ذرية آدم - عليه السلام - الذين استخلفهم الله تعالى في الأرض وأمرهم بعبادته وتوحيده، ورتب لهم يوم القيامة ثواباً للصالحين وعقاباً للمسيئين، والإنس كرمهم الله تعالى على كثيرٍ من خلقه بأنْ خلقهم في أحسنِ تقويم، ورزقهم من صنوف الطيبات والخيرات المسخّرة لهم في البر والبحر. الجن هم خلق الله الآخر؛ إذ خُلقوا من نار بينما خُلق الإنس من طين، والجِن فيهم الصالحون الذين آمنوا برسالاتِ الله تعالى السماوية والتي أنزلها على أنبيائه، ومنهم القاسطون والظالمون الذين تمرّدوا على أمر الله تعالى وفسقوا وطغوا، وزعيم هؤلاء هو إبليس عليه لعنةُ الله تعالى الذي أبى الامتثالِ لأمرِ الله تعالى والسجودِ لآدم، وقد وَرد ذكر الجن في مواطنَ عدةَ في القرآن الكريم، كما سُمّيت سورةٌ في القرآن باسم الجن.