هل صيام ست من شوال مكروه .. وحكم تفريقها على مدار الشهر؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء، من خلال موقعها الرسمي.
هل صيام ست من شوال مكروه؟
وقال السائل: هل لا بد في صيام الستة أيام من شوال أن تكون متتابعة بعد يوم العيد؟ أم أن هناك سعة في ذلك؟ وما حقيقة إنكار المالكية لصيام هذه الأيام مع ثبوت الحديث في ذلك؟
وأفتى الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بأن صيام الأيام الست من شوال مندوبٌ إليه شرعًا، وهناك سعة في تفريقها وعدم التتابع فيها على مدار الشهر، وإن كان التتابع في صومها بعد عيد الفطر هو الأفضل لمن استطاع. وأما ما اشتهر عن المالكية من القول بكراهة صيام هذه الأيام مطلقًا فليس بصحيح، بل إنهم يستحبون صيامها، والقول بالكراهة عندهم إنما هو مرتبط بالخطأ في إلحاق هذه الأيام برمضان اعتقادًا بوجوبها، فإذا زالت هذه العلة زال حكم الكراهة.
وأوضح المفتي أنه ورد في السنة المشرفة الحث على صيام ستة أيام من شوال عقب إتمام صوم رمضان، وأن ذلك يعدل في الثواب صيام سنة كاملة؛ فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر».
وبين تفسير أن ذلك يعدل هذا القدر من الثواب، هو أن الحسنة بعشر أمثالها؛ روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا»، وعليه: فصيام شهر رمضان يعدل صيام عشرة أشهر، وصيام ست من شوال يعدل ستين يومًا قدر شهرين، فيكون المجموع اثني عشر شهرًا تمام السنة.
وقد جاء التصريح بهذا فيما رواه النسائي في "الكبرى" وابن خزيمة في "صحيحه" عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ؛ فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ».
وروى ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا».
قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (2/ 531، ط. دار الغرب الإسلامي): [ومعنى قوله: «فكأنما صام الدهر»: أن الحسنة بعشرة، فالشهر بعشرة أشهر، والستة بستين كمال السنة، فإذا تكرر ذلك في السنين فكأنما صام الدهر] اهـ.
وأوضح أنه قد استحب عامة العلماء صيام هذه الأيام الست في شوال؛ فروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس والشعبي وميمون بن مهران، وهو قول ابن المبارك وإسحاق -انظر: "المغني" لابن قدامة (3/ 56، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 218، ط. دار ابن حزم)-، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة كذلك.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 235-236، ط. المكتبة العصرية): [ينقسم الصوم إلى ستة أقسام": ..(فرض) عين، (وواجب، ومسنون، ومندوب، ونفل، ومكروه.. وأما) القسم الرابع: وهو (المندوب فهو صوم ثلاثة) أيام (من كل شهر.. و) منه (صوم ست من) شهر (شوال)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صام رمضان فأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر»] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 79، ط. دار الفكر): [يسن صوم الاثنين والخميس وعرفة وعاشوراء وتاسوعاء وأيام البيض وستة من شوال] اهــ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 337، ط. دار الكتب العلمية): [ويسن صوم ستة أيامٍ من شوال] اهـ.
آراء الفقهاء في تتابع صيام الست من شوال
وأردف المفتي: ثم إنهم بعد ذلك قد اختلفوا في الأفضل في صيامها هل هو التتابع أو التفريق؟، فذهب الحنفية إلى أفضلية التفريق؛ قال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 151، ط. دار الكتب العلمية): [(وندب تفريق صوم الست من شوال)، ولا يكره التتابع على المختار] اهـ.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أفضلية التتابع؛ قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 184، ط. دار الكتب العلمية): [يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بستٍّ من شوال كلفظ الحديث، وتحصل السنة بصومها متفرقةً، (و) لكن (تتابعها أفضل) عقب العيد؛ مبادرةً إلى العبادة، ولما في التأخير من الآفات] اهـ.
وجاء في "شرح منتهى الإرادات" من كتب الحنابلة (1/ 493، ط. عالم الكتب): [(و) سن صوم (ستة من شوال، والأولى تتابعها، و) كونها (عقب العيد)] اهـ.
وأكد أن هذه الأفضلية عند هؤلاء الفقهاء يمكن أن تنتفي إذا عارضها ما هو أرجح؛ كتطييب خواطر الناس؛ إذا كان الإنسان يجتمع مع أقاربه مثلًا على وليمة يدعى إليها، فمثل هذه الأمور من مراعاة صلة الرحم وإدخال السرور على القرابة لا شك أنها أرجح من المبادرة إلى الصيام عقب العيد أو التتابع بين أيامه، وقد نص علماء الشافعية والحنابلة على أن الكراهة تنتفي بالحاجة. انظر: "حاشية الرملي على أسنى المطالب" (1/ 186، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"غذاء الألباب" للسفاريني (1/ 323، ط. مؤسسة قرطبة).
ومن هذا الباب ما ذكره الإمام الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني؛ قال: "وسألت معمرًا عن صيام الست التي بعد يوم الفطر، وقالوا له: تصام بعد الفطر بيوم، فقال: معاذ الله!! إنما هي أيام عيد وأكل وشرب، ولكن تصام ثلاثة أيام قبل أيام الغر، أو ثلاثة أيام الغر أو بعدها، وأيام الغر ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر". وسئل عبد الرزاق عمن يصوم يوم الثاني؟ فكره ذلك، وأباه إباء شديدًا. انظر: "مصنف عبد الرزاق" (4/ 316، ط. المكتب الإسلامي).
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى كراهة صيام هذه الأيام متفرقة أو متتابعة، وأما أبو يوسف فكرهها متتابعة لا مفرقة، لكن المعتمد من المذهب على خلاف هذا، قال الإمام ابن نجيم في "البحر الرائق" (2/ 278، ط. دار الكتاب الإسلامي) -بعد أن حكى مذهب أبي حنيفة وصاحبه-: [لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأسًا] اهـ.
وجاء في "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني (2/ 78، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صومًا؛ خوفًا أن يلحق ذلك بالفرضية.. والإتباع المكروه هو: أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد، ثم صام بعده ستة أيام، فليس بمكروه، بل هو مستحب وسنة] اهـ.
وانظر في تحقيق ذلك: "تحرير الأقوال في صوم الست من شوال" للعلامة قاسم بن قطلوبغا الحنفي ضمن مجموعة "رسائله" (ص: 377-397، ط. دار النوادر).
وأما الإمام مالك فالمعروف عنه أنه قائل بالكراهة، وقد جاء في "الموطأ" (ص: 310، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك] اهـ.
وواضح من كلامه أن الكراهة عنده معللة بالخوف من أن يظن جهال العوام أن هذه الأيام ملحقة برمضان، فإذا انتفت تلك العلة تنتفي الكراهة.
وسد الذرائع أصل من أصول مذهب الإمام مالك، وقد رأى رضي الله عنه سد ذريعة الزيادة في العبادة بالمنع الذي ذكره؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في "القبس" (1/ 485، ط. دار الغرب الإسلامي) -معللًا تصرف الشارع في المباعدة بين الصوم التطوعي وأول شهر رمضان-: [احترازًا مما فعل أهل الكتاب؛ لأنهم كانوا يزيدون في صومهم على ما فرض الله عليهم أولًا وآخرًا، حتى بدَّلوا العبادة، فلهذا لا يجوز استقبال رمضان ولا تشييعه من أجله] اهـ.
وشدد أن فقهاء المالكية نبهوا أن الكراهة ليست مطلقة، بل يضعون خمسة شروط إذا تحققت مجموعة ثبتت الكراهة، وإذا انتفى واحد منها انتفت الكراهة؛ يقول العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 517، ط. دار الفكر): [فتُكرَهُ -أي: الستة أيام من شوال- لمقتَدًى به، متصلة برمضان، متتابعة، وأظهَرَها معتقدًا سُنةَ اتصالها] اهـ.
يقول مُحَشِّيه العلامة الدسوقي: [واعلم أن الكراهة مقيدة بهذه الأمور الخمسة، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة] اهـ.
ثم قال: [وبحث فيه شيخنا بأن قضيته أنه لو انتفى الاقتداء به لم يكره ولو خيف عليه اعتقاد الوجوب، وليس كذلك، وقضيته أيضًا: أنه لو انتفى إظهارها لم يكره ولو كان يعتقد سنية اتصالها، وليس كذلك، بل متى أظهرها كره له فعلها اعتقد سنية اتصالها أو لا، وكذا إن اعتقد سنيته كره فعلها أظهرها أو لا. فكان الأولى أن يقال: فيكره لمقتدى به، ولمن خاف عليه اعتقاد وجوبها إن صامها متصلة برمضان متتابعة وأظهرها أو كان يعتقد سنية اتصالها، فتأمل] اهـ.
ويرى المالكية أن لفظة: «مِن» في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ثم أتبعه ستًّا من شوال» ليست للتبعيض، بل هي لابتداء الغاية، وتخصيص ذكرها بشوال إنما هو للتخفيف على الإنسان؛ لقرب عهده بالصوم، وعليه فيجوز عندهم أن تصام هذه الأيام بعد شوال، وأنه إذا كان السر هو تحصيل ثواب صيام العام، فهذا متحقق في شوال وفي غيره، فالحسنة بعشر أمثالها سواء أكانت الستة أيام في شوال أو في غيره، فيكون ثوابها ستين يومًا عدل الشهرين، فإذا ضما إلى ثواب رمضان كان ذلك ثواب السنة على ما بيناه سابقًا.
قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (2/ 530-531): [وإنما عينها -أي: هذه الأيام- الشرعُ من شوال للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصلٌ في غيره، فيشرع التأخير؛ جمعًا بين مصلحتين] اهـ.