يوافق الخامس عشر من أبريل ذكرى ميلاد ليوناردو دافنشي، أحد أعظم المفكرين والفنانين والفلاسفة الذين انخرطوا في العديد من المجالات المختلفة، من العلوم إلى الفضاء، حيث أثبت إبداعه وظل عمله معاصرًا لعدة قرون.
ويعتبر ليوناردو دافنشي شخصية رئيسية في عصر النهضة الأوروبية، بأفكاره المزدهرة واكتشافاته العلمية وبعض الأعمال الفنية الرائعة، وأشهرها لوحة الموناليزا .
عاش الفنان والمخترع الإيطالي ليوناردو دافنشي خلال عصر النهضة وكان معروفًا بإنجازاته العلمية واختراعاته، وتعدد مواهبه، وتنوع معرفته، حيث كان ليوناردو رسامًا ونحاتًا وكاتبًا ومهندسًا معماريًا وموسيقيًا ومهندسًا عسكريًا وفلكيًا وعالم رياضيات وفيزيائيًا وجيولوجيًا وعالم نبات ورسام خرائط، كما يقال إنه والد العمارة وعلم الحفريات، ويعتبره الكثيرون أعظم رسام في التاريخ، لكن القليل من لوحاته بقيت حتى يومنا هذا.
طفولته وتعليمه
قضى ليوناردو طفولته في منزل والدته في قرية أنشيانو، وفي عام 1457 انتقل إلى منزل العائلة في بلدة فينشي.
تزوج والده أربع مرات، وأنجب اثنا عشر من الإخوة غير الأشقاء ل ليوناردو، و كانوا يصغرونه بسنوات عديدة؛ فلم يكن منسجم معهم بشكل كافي.
تم تعليم ليوناردو بشكل غير رسمي اللغة اللاتينية والهندسة والرياضيات ، وسجل في مذكراته بعض الأحداث البارزة منذ طفولته، أحدها أن طائر تسلق إلى سريره في الليل واضعًا ذيله في فمه؛ واعتبرها علامة على كتاباته في هذا المجال، وفي حادثة أخرى تجول في الجبال ووجد كهفًا، و سيطر عليه شعوران: الأول الخوف من المخلوقات التي قد تكون كامنة في الداخل، والثاني فضول لاكتشاف ما في داخل الكهف، كما دون بعد ما شغله في الطفولة، كالماء والكتابة وشطب اسم بلدته فى دفتر كتاباته.
جانب من حياته وأعماله
تلقى ليوناردو عمولة شخصية في يناير 1478 لرسم مذبح كنيسة سانت برنارد في قصر فيكيو، مما يشير إلى استقلاله عن ورشة عمل فيروكيو في ذلك الوقت.
أسند إليه رسم "عشق المجوس"في مارس 1481، ولكن كان عليه السفر لخدمة دوق ميلان، لذلك ظلت اللوحة غير مكتملة.
في عام 1482 صنع ليوناردو آلة وترية فضية، وجمجمة حصان، وقرن كبش، وأحضرها إلى سفورزا ، وكتب خطابًا يصف نجاحاته ومهاراته في مجالات متنوعة مثل الهندسة وتصميم الأسلحة.
عمل في ميلانو من عام 1482 إلى عام 1499 وتم تكليفه بذكرى "مادونا أوف ذا روكس" في كنيسة الحبل بلا دنس، والعشاء الأخير في دير سانتا ماريا ديلي غراسي.
وفي ربيع عام 1485، زار ليوناردو مملكة المجر نيابة عن سفورزا، والتقى بالملك ماتياس كورفينوس، و شارك سفورزا في العديد من المشاريع ، بما في ذلك إعداد العوامات والمواكب للمناسبات الخاصة وإعداد الرسومات والنقوش الخشبية.
برفقة مساعده سالاي وصديقه عالم الرياضيات لوكا باتشيولي، فر ليوناردو من ميلانو إلى البندقية بعد أن سقطت ميلان في أيدي الفرنسيين في بداية الحرب الإيطالية الثانية.
عمل ليوناردو في البندقية كمهندس ومصمم عسكري ، حيث ابتكر طرقًا للدفاع ضد الهجمات البحرية.
عام 1495 كلَّف لودفيكو حاكم ميلان دافنشي برسم لوحة "العشاء الأخير" على الجدار الخلفي لقاعة الطعام في دير سانتا ماريا ديل غرازي في ميلانو. التحفة التي أخذت ثلاث سنوات لإنجازها.
ساهم دافنشي في تصميم قبة ميلانو، بنحت تمثال برونزي طوله 16 قدم لوالده مؤسس السلالة الحاكمة فرانشيسكو سفورزا، عمِل دافنشي لاثني عشر عاماً مع طلابه على المشروع ونحت تمثالًا من الطين بالحجم الطبيعي قبل أن يتوقف المشروع بسبب الحاجة للبرونز لصناعة المدافع خلال الحرب مع فرنسا.
بعد اجتياح القوات الفرنسية لميلانو عام 1499 فرَّ دافنشي مع العائلة الحاكمة من المدينة، وعاد إلى فلورنسا عام 1500، وأقام مع عائلته كضيف على رهبان دير سانت سيما أنونزياتا، ويقول فاساري إن ليوناردو رسم مادونا والطفل مع القديسة آن و القديسة يوحنا المعمدان خلال هذه الفترة، وتوافد الصغار والكبار على رؤيتها "وكأنها مهرجان عظيم".
وعمل فترة قصيرة بين عامي 1502 و 1503 كمهندس حربي لدى سيزار بورجيا، وقائد الجيش الباباوي.
وخلال عام 1503 كُلٍّف برسم لوحة جدارية في قصر الحاكم فيشيو لتُخلد إحدى المعارك، وكان مخططاً أن تكون بضعف حجم العشاء الأخير، إلا أنه تخلى عن المشروع بعد عامين بعد أن بدأت اللوحة تتلف قبل إنهائها.
الموناليزا.. أشهر أعمال دافنشي
بدأ دافنشي في عام 1503 مشروع لوحته الأشهر "الموناليزا" التي تمثل ابتسامة غامضة لامرأة رسمها بتقنيه المبتكر بعدما حاول كثيرًا التقاط ابتسامتها ، وزاد من سحر اللوحة الغموض الذي أحاط ببطلتها، وكثرت التكهنات والروايات حولها.
لكن الرواية الأكثر منطقية كانت لأحد المؤرخين الذي قال إن اللوحة لليزا دي جوكندو، زوجة تاجر حرير فلورنسي واسم اللوحة الإيطالي "لا جوكندا" يدعم هذه النظرية، ويقول المؤرخ إن اللوحة كانت احتفالاً بقرب ولادة مولود التاجر وهو ما يعني أن زوجته كانت حاملاً وقت رسم اللوحة. هذه اللوحة التي اعتبرها دافنشي عمله المستمر دائماً وذلك سعياً منه إلى أن تكون خالية من أي عيب.
وتوجد الموناليزا اليوم في متحف اللوفر خلف زجاج مضاد للرصاص وتعتبر من الكنوز الوطنية، ويراها ملايين الزوار.
اختراعاته
برع ليوناردو دافنشي خلال فترة حياته في مجال الهندسة، مستخدماً ذات المنهج العقلاني والتحليلي الذي اتبعه في دراسة علم تشريح جسم الإنسان، حيث قام بدراسة وتصميم عدد مذهل من الآلات والأدوات، بما فيها:
مظلة الهبوط، الطائرة المروحية، الساعة المائية "المنبّه المائي"، المركبة القتالية "الدبابة"، معدات الغوص.
كما وضع مخططات لعددٍ من الآلات الحديثة مثل: لاقط الطاقة الشمسية، والآلة الحاسبة، وبعض الآلات الموسيقية. ولم يُنفذ من هذه الاختراعات في زمنه إلا قسم قليل نظراً للإمكانيات المحدودة وقتها.
كما يمتلك اكتشافات كبيرة في علم التشريح والهندسة والجيولوجيا والبصريات وجريان الموائع.
من كلماته
إن الطبيعة لطفت بنا لأنها جعلتنا نعثر على المعرفة حيثما أدرنا وجوهنا في هذا العالم.
إن الرجال الأجلاف ذوي الإدراك السطحي لا يستحقون سوى كيس يستوعبون به طعامهم ويخرجونه ثانية، لأنهم لايعدون إلا أن يكونوا قناة هضمية.
كثيرون هم الذين اتخذوا من الأوهام والمعجزات الزائفة وخداع البشر تجارة لهم.
ما أن تتذوق طعم الطيران ستسير دوما على الأرض فيما عيناك معلقتان في السماء حيث أنك كنت هناك وإلى هناك ستتوق إلى العودة دوما.
وفاته
تُوفي ليوناردو في “كلو لوسي” في الثاني من مايو 1519، وعمره 67 عامًا، وتم دفنه في كنيسة سانت فلورنتين الجماعية في قلعة أمبواز بفرنسا.
وقال عنه الملك فرانسيس: "ليست الهندسة المعمارية، بل المعرفة التي جعلته فيلسوفًا عظيمًا ".