قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: يقول هناك ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها .. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول} فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه،{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه. {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنا} وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
وفي سنة رسول الله ﷺ جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما. ومن ذلك ما صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: "رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال رسول الله ﷺ: " ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما".
وعن معاوية بن جاهمة السلمي: أنه استأذن الرسول ﷺ في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويَبرَ أُمَّه، ولما كرر عليه، قال ﷺ: " ويحك الزم رجلها فثمّ الجنة".
وسمى الشرع الحنيف الولد كسبا لأبيه، فقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: {إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه}، وقال ﷺ: {إن أولادكم من كسبكم؛ فكلوا من كسب أولادكم}.
وكان فهم الصحابة والتابعين، وأئمة الدين سلفا وخلفا فعن عطاء قال قلت له: إن أمي تقسم علي أن لا أصلي بعد المكتوبة شيئا ولا أصوم (إلا) فريضة شفقة علي، قال: أبرر قسمها. [مصنف ابن أبي شيبة].
ويكون بر الوالدين بالإحسان إليهما بالقول اللين الدال على الرفق بهما والمحبة لهما، وتجنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، وبمناداتهما بأحب الألفاظ إليهما، كيا أمي ويا أبي، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما، ودنياهما ويعلمهما ما يحتاجان إليه من أمور دينهما، وليعاشرهما بالمعروف. أي بكل ما عرف من الشرع جوازه، فيطيعهما في فعل جميع ما يأمرانه به، من واجب أو مندوب، وفي ترك ما لا ضرر عليه في تركه، ولا يحاذيهما في المشي، فضلا عن التقدم عليهما، إلا لضرورة نحو ظلام، وإذا دخل عليهما لا يجلس إلا بإذنهما، وإذا قعد لا يقوم إلا بإذنهما، ولا يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما لما في ذلك من أذيتهما، وفي قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} قال ابن عباس: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما.