قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

ليلة دخول السادات تل أبيب واستقبال رسمي بسيناء | مضيف طائرة الرئاسة يفتح خزائن الأسرار

المضيف الجوي لطائرة رئاسة الجمهورية
المضيف الجوي لطائرة رئاسة الجمهورية
×

في ديسمبر عام 1974، كانت أول رحلة لرئيس مصري على متن طائرة خاصة برئاسة الجمهورية؛ قبل هذا التاريخ كان رئيس الجمهورية في جولاته الخارجية يسافر على طائرة من أسطول الناقل الوطني مصر للطيران؛ لم تكن رئاسة الجمهورية حينها، تملك أي طائرة خاصة بالرئيس، لذا كان نجل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مُحقًا حينما ذكر في أحد لقاءاته الإعلامية أن والده كان يستقل طائرة عادية ولا يتنقل بطائرة خاصة بالرئاسة، لأنها لم تكن تواجدت بعد.

أصبح فقط مع حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، هناك طائرة لرئيس جمهورية مصر العربية، وكانت هدية مخصصة من الشيخ زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أهداها إلى "السادات" بعد نصر أكتوبر المجيد عام 1973؛ أولى الرحلات التي أقلعت فيها هذه الطائرة كانت من نصيب الإمبراطور شاه إيران وقرينته، كانا في زيارة إلى مدينة الأقصر، حينها رافقهما المضيف الجوي " أحمد حلمي " على متن الرحلة التي كانت ضمن جدوله العادي بالشركة، تم تبليغه بها قبل موعدها بعدة ساعات على أنه سيخرج في رحلة خاصة دون إعلامه بهوية من سيرافق على الطائرة، لتكون هذه الرحلة هي بداية مشواره مع طائرة رئاسة الجمهورية التي ظل يعمل ضمن طاقمها لمدة 20 عامًا حتى خروجه في عام 1994؛ فقد تعرض لأزمة قلبية خضع إثرها لإجراء جراحة قلب مفتوح، أفقدته رخصة الطيران ضمن فرق الضيافة الجوية لأسباب صحية.

الكابتن أحمد حلمي ومحررة صدى البلد

مطار بنغازي وحرب أكتوبر

أن تصبح مُضيفًا جويًا هو حلمُ لملايين؛ إذ كيف هو الشعور بأن تكون المضيف الجوي الخاص على طائرة رئاسة الجمهورية؛ ولفترة ليست بالعادية لكنها سنوات حملت الكثير من عمر الوطن؛ سنوات سجلها التاريخ بدماء الأبطال؟.. بهذا التساؤل استكملنا الحوار بشغف، عما تحويه جعبة المضيف الجوي برئاسة الجمهورية من أسرار عن هذه الفترة التاريخية؛ وما الذي شهده على متن طائرة الرئاسة طوال 20 عاما عاصر خلالها ثلاثة رؤساء.

فيسترسل "حلمي"، بملامح مبتسمة، قائلا: " أول شيء كنا نلمسه هو استقبال الدولة لطائرة رئاسة الجمهورية المصرية، بمجرد هبوط الطائرة في أرض المطار؛ لم ننس أبدًا شعور استقبالنا بحفاوة كبيرة في كوريا الشمالية وسط 30 ألف مواطن يرفعون الأعلام المصرية، يهتفون بها دون توقف خلال زيارة للرئيس مبارك، ولم ننس أيضًا شعور الخذلان باستقبالنا كـ ضيوف غرباء على أرض سيناء الحبيبة، وهي محتلة في أوائل الثمانينيات.

قبل العام الذي سبق انضمامه إلى طائرة رئاسة الجمهورية، كان الحدث الأعظم الفاصل وسبب في امتلاك مصر طائرة خاصة بالرئاسة هو نصر 73؛ حينها كان "حلمي" رئيسًا لطاقم الضيافة الجوية بشركة مصر للطيران، الأمور تبدو مستقرة، كعادتها الرحلات الجوية تقلع وتعود في موعدها، مطار القاهرة تدور عجلته مع عقارب الساعة دون أي معوقات، هكذا مرت الأيام هادئة، حتى دقت ساعة الحرب.

يذكر "حلمي"، عن ليلة الحرب، أنه كان في رحلة إلى باريس، خط سيرها باريس- روما – القاهرة، يؤدي عمله بشكله العادي ضمن طاقم الضيافة الجوية، مجرد أن هبطت رحلتهم بسلام في روما، إذ بمدير محطة مصر للطيران في روما يهرول مسرعًا نحو طاقم الطائرة، ليخبرهم بصوتٍ جهوري مرتفع "انزلوا، مفيش رحلة .. الحرب قامت". - هكذا شهد –

مطار القاهرة في السبعينات

أول طائرة للرئاسة المصرية ونصر السادات

ويستكمل "حلمي"،: " أنزلنا ركاب الطائرة وانصرف الجميع إلى فنادق للإقامة في روما ننتظر الأخبار، بقينا فقط ليلتين هناك، حتى اليوم الثالث صدر قرار بتوجيه طاقم الطائرة إلى ليبيا، سوف نستأنف عملنا بتشغيل الرحلات الجوية المصرية من مطار مدينة بنغازي حتى تستقر الأوضاع، ونعود للقاهرة".

ويتابع: "توجهت جميع طائرات مصر للطيران إلى ليبيا، وكان يتم نقل المسافرين بالأتوبيسات من القاهرة إلى مدينة بنغازي؛ ومن مطار بنغازي كانت تنقل الركاب على متن رحلاتنا الجوية إلى وجهاتها بالدول الخارجية في أوروبا ومختلف البلدان؛ ظل الوضع هكذا حوالي ثلاثة أسابيع وتحديدًا 20 يوما، حتى تم فتح مطار القاهرة من جديد، واستأنفت الحركة من خلاله"، هكذا دارت كواليس حركة رحلات الجوية خلال أيام الحرب.

جاء عام 1974، ليحدث التحول الأكبر والأهم في حياة "أحمد حلمي"، لينتقل من مجرد مضيف جوي ضمن أطقم الناقل الوطني مصر للطيران، إلى مضيف جوي رئاسي، فيذكر، قائلا: "صاحب الفضل الأكبر لخروجي إلى مستوى مضيف جوي رئاسي يرجع إلى صهر الرئيس جمال عبدالناصر الدكتور أشرف مروان، كان في ذلك الوقت يتولى منصب سكرتير الرئيس محمد أنور السادات للمعلومات، ظللنا تحت رئاسته لمدة عامين كاملين نتمرس على العمل الرئاسي؛ وفقًا لمهتمي الجديدة رغم اعتيادي عليها بمصادفة تواجدي على أكثر من رحلة خاصة لكبار رجال الدولة والرئيس عبدالناصر، حينما كان يسافر على متن طائرات مصر للطيران، مضاف إليها أيضًا رحلتي مع شاه إيران خلال زيارته إلى الأقصر برفقة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

طاقم طائرة الرئاسة

تجهيزات زيارة السادات للقدس

على ذكر "السادات"، لمعت عيناه بفخر؛ كونه واحدًا من الشهود على أبرز مواقف الرئيس الراحل وأعظمها في تاريخ مصر الحديث، معتبرًا إياها الفترة الأهم في حياته؛ بأنه ليس مجرد شاهد عادي على تلك الحقبة، لكنه عاصرها معه، كان جزءا منها بوجوده الدائم برفقته على متن الطائرة في كل جولاته ومحطاته الفارقة في عمر الوطن؛ يتذكرها كأنها مرت على ذهنه بالأمس، ليست الأحداث فحسب، فمازال يذكر مشروب الشاي بالعسل المفضل لدى السادات، يذكر جيدًا كيف كان يحب مذاقه، حتى قرحة المعدة التي كان يعاني منها الرئيس لم ينسها، كيف كانت تمنع السادات من التلذذ بطعام الطائرة، فقد كانت وجبته الدائمة هي "طبق الشوربة".

الطقس كانت أجواؤه هادئة تميل نحو شتاء عام 1977، بالكاد سكنت المناوشات التي وقعت لعدة أيام على الحدود المصرية الليبية في يوليو ذاك العام، بعدما فاحت رائحة السلام الذي بادر إليه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكانت فتيلًا لتلك الأحداث ولم توقفه؛ بمجرد أن انقضت الأحداث على حدود ليبيا مع حرارة الصيف، جاء نوفمبر في ذاك العام؛ كان التاريخ حينها قد تخطى منتصف الشهر. وسافر "حلمي" إلى مسقط رأسه بمدينة شبين الكوم، لتأدية واجب عزاء في أحد أقاربه، ليلتها عاد متأخرًا إلى منزله بالقاهرة، إذ بوالدة زوجته "حماته"، تخبره بضرورة الاتصال بمكتب العمل فإنهم يبحثون عنه؛ فما كان منه إلا أن بادر مسرعًا بإجراء المكالمة الهاتفية إلى مكتبه؛ ليخبروه على الفور بأن ثمة رحلة طارئة سوف يخرج فيها ضمن طاقم الطائرة في الصباح الباكر دون الإفصاح عن أي تفاصيل تخص الرحلة.

يقول حلمي، "تجهزنا للرحلة يوم 17 نوفمبر، دون أن نعرف إلى أين وجهتنا، وبرفقتنا وفد رسمي من رئاسة الجمهورية، مكون من رئيس الديوان حسين كامل، وكبير الياوران الفريق محمد الماحي قائد سلاح المدفعية في حرب أكتوبر، خرجنا كطاقم طائرة لم يتم إخبارنا بأي شيء سوى لحظة وصولنا مطار القاهرة، تم إخبارنا أن الرحلة إلى تل أبيب".

ويكمل: "نعم.. الرحلة كانت إلى تل أبيب؛ وكانت الزيارة هي التمهيدية لتنسيق زيارة الرئيس السادات إلى القدس، بمجرد أن هبطت الطائرة في مطار بن جوريون، وخرج وفد الرئاسة من الطائرة؛ فوجئنا بجمع من الصحفيين والإعلاميين يهرولون مسرعين نحو الطائرة. يحاول كل منهم التقاط الأحاديث أو سحب الكلمات من الطاقم، يتساءلون هل السادات على وشك زيارة أم لا؛ وما سر حضور وفد رئاسة الجمهورية في تل أبيب؛ حينها لم يأخذوا إجابات منا على تساؤلاتهم، كان الرد، "إننا مجرد طاقم طائرة ولا نعلم شيئا".

أحمد حلمي - صورة أثناء اللقاء

ويتابع: "خرج وفد الرئاسة الرسمي في طريقه لتفقد مكان الإقامة والمواعيد وكافة التفاصيل التي تخص زيارة الرئيس. ونحن كطاقم الطائرة، تدخلت القوات في مطار بن جوريون لحمايتنا من الصحفيين ووسائل الإعلام، بعد اقتحامهم الطائرة توجهنا برفقتهم إلى "ميس" الضباط في قاعدة مطار تل أبيب العسكرية، هناك جلسنا وسط جمع من الأشخاص من جنسيات مختلفة بين العربية والأجنبية، حتى أنه دار حديث بيني وبين إحدى الضابطات بالجيش الإسرائيلي، كانت تجلس مصادفة بجواري؛ ومن فرط الرقي في الحديث بيننا، تفاجئت بسؤالها، تقول: "هما مختارينكم بالذات عشان تبهرونا يعني؟.. فكان ردي عليها "إحنا طاقم طائرة عادي وليس لنا أهداف رسمية تخص الزيارة"، فردت قائلة: "يعني إنت عاوز تقولي إن كل المصريين ودودين مثلكم بهذا الشكل"، فقلت: "أه طبعا"، لتلحقني في الحديث، قائلة: "كيف تكونوا ودودين هكذا ونحن أعداء!". حينها أدركت أن الشعوب دائمًا تدفع ثمن أخطاء حكامها.

من أبوصوير إلى تل أبيب

ويكمل، قائلا: "كان هذا يوم التنسيق للزيارة الرسمية، بعدها بيومين، كان يوافق السبت 19 نوفمبر عام 1977، حدد سفر الرئيس السادات إلى القدس، ليكون في تمام السابعة مساءً، باعتبار أنه كان يحظر في تل أبيب الخروج إلى الأرجاء إلا بعد غروب الشمس".

"تجهزنا للرحلة، وأقلعت الطائرة من مطار القاهرة الدولي، متجهة إلى مدينة الإسماعيلية، نحو قاعدة أبوصوير الجوية، مكان وجود الرئيس السادات؛ بمجرد أن هبطت الطائرة، فوجئنا بوجود أكبر اثنين من المحللين السياسيين في التليفزيون الأمريكي هناك برفقة السادات، كانا الإعلامي والتر كرونكايت والكاتبة الأمريكية والمحللة السياسية باربرا والترز".

ويتابع: "وصلت الطائرة قاعدة أبوصوير الجوية، وإذ بالصحفي الأمريكي والتر؛ يشير إليًّ يريد أن يسأل عن شيء، توجهت إليه؛ وإذا به يطلب مني سؤال كابتن الطائرة عن المسافة بين تل أبيب والقاهرة، مدة زمن الرحلة بالدقائق، فأخبرته وأنا أتعجب من سؤاله؛ إنها 40 دقيقة!!.. ولكن تفهمت السبب فيما بعد حينما خرجت عناوين الصحافة الأمريكية في اليوم التالي للزيارة تحت مانشيت رئيسي بعنوان "إن 40 دقيقة طيران أنهت 40 سنة من الحروب".

ويتابع: "ليس المحللون الأمريكان، وحدهم من كانوا المفاجأة بوفد زيارة الرئيس السادات التاريخية إلى القدس، فكان وجود الشيخ مصطفى إسماعيل بين وفد الطائرة محل دهشة بالنسبة لنا، لكن مجرد وصولنا مسجد الأقصى فهمنا سبب اختيار السادات لـ الشيخ مصطفى إسماعيل في هذه الرحلة دون غيره من القراء المصريين الذائع صيتهم في تلك الفترة".

الرئيس السادات خلال زيارة القدس

عقارب الساعة كانت تشير إلى السابعة مساءً، في الليلة التي تسبق وقفة عيد الأضحى المبارك وصلت رحلتنا إلى مطار بن جوريون في تل أبيب، كانت الموسيقى العسكرية تعزف بالسلام الجمهوري، من خلفها صوت المدفعية الجوية تطلق رصاصات الترحيب في الهواء، وسط استقبال جماهيري وإعلامي حاشد؛ - هكذا كان المشهد - الرئيس السادات يسير في المنتصف مرفوع الهامة بين قوات حرس الشرف المصطفة على الجانبين. يحوطه من الجانبين كبار القيادات في تل أبيب، الجميع يتبارى بالوصول إليه من وسط الجمع، ليحظى بإلقاء الترحيب، "الناس مكنتش مصدقة.. أنا شوفت الشعب هناك عامل إزاي.. زيارة السادات هزتهم".

ويتابع: أمضينا الليلة، وجاء موعد صلاة العيد، في صباح اليوم التالي، فذهبنا إلى المسجد الأقصى، بمجرد دخول الشيخ مصطفى إسماعيل، وجدنا مشايخ الأقصى تهلل مبتهجة بالترحيب وتنتحي أمامه، وهي تفسح له الطريق " اتفضل يامولانا علشان تقرأ قرآن العيد "، والبعض الأخر يتسابق للفوز بقبلة على الإيد، حينها توقفنا جميعا مندهشين، نردد: "الله عليك ياسادات.. هي دي مصر"، ويكمل: "كان عامل حساب كل حاجة ومهتم بكل تفصيله، كل شخص موجود ضمن الوفد اختياره لم يكن هباءً، من المحللين الأمريكان إلى الشيخ مصطفى إسماعيل".

استقبال رسمي في سيناء المحتلة

ليست زيارة القدس وحدها، الذي كان المضيف الجوي أحمد حلمي شاهدًا عليها، رفقة السادات، لقد كان موجود أيضًا خلال اللقاء الشهير الذي جمع بين الرئيس الراحل ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين في سيناء، ضمن جولات المباحثات التي أعقبت معاهدة السلام، حينها حدد "بيجن" مكان اللقاء، متعمدًا في مدينة شرم الشيخ وقتئذِ كانت سيناء تحت الاحتلال الاسرائيل

وصف "حلمي"، هذه الزيارة بأنها كانت الأصعب على نفسية السادات من زيارة القدس، فيقول: "مجرد أن هبطت الطائرة في شرم الشيخ، وجدنا بيجين يجهز استقبالا رسميًا لضيفه السادات على أرضه المحتلة، حينها وقف الزعيم الراحل على سلم الطائرة شامخًا يبتلع الغضب داخله بوجهِ متجهم، يحاول تجاهل الاستقبال.. كان شعور السادات في تلك اللحظة يصلنا جميعا، بأنه رجل عسكري منتصر يُستَقَبل على أرض بلده المحتلة استقبال الأجانب".

ويضيف: كنا كطاقم طائرة نتأثر بكل زيارات الرؤساء، نعيش معهم شعور الاستقبال الأول في الدولة التي تهبط بها طائرة الرئاسة المصرية، فلم ننس موقف استقبال الرئيس السادات في المملكة العربية السعودية بحفاوة، بمجرد أن هبطت الطائرة في مطار الرياض، كان في انتظاره الملك فيصل عند سلم الطائرة، بمجرد أن مد السادات يده بالسلام، هطلت الأمطار من السماء وهي بالنسبة للسعوديين رمزًا للخير والرخاء، فابتسم الملك فيصل ورفع يد السادات إلى السماء، قائلا:"السما بتبارك إنك جاي".

الرئيس السادات أثناء مغادرة تل أبيب - يقف على اليمين أحمد حلمي

وفي أمريكا، حيث أول لقاء للرئيس السادات مع رئيس أمريكي (جيرالد فورد) عام 1975، في مدينة سالزبورج بالنمسا، يذكر "حلمي"، كيف كان اهتمام النمساويين بهذه الزيارة التي استمرة لمدة ثلاثة أيام، كيف كان استقبالهم منذ أن هبطت الطائرة في مطار سالزبورج، كان العالم كله يترقب الزيارة وما النتائج التي ستخرج عنها.

وفي زيارة إيران أوائل الثمانينات، كانت مصر تنتظر صفقة مقاتلات الفانتوم من أمريكا، في تلك الفترة أرسل السادات الطيارين المصريين إلى إيران حتى يتم تدريبهم على طراز الفانتوم ليكونوا جاهزين بمجرد وصول الطائرات الأمريكية، يذكر "حلمي"، أنه بمجرد أن دخلت طائرة الرئاسة المصرية الأجواء الإيرانية حلق الطيارين المصريين على طائرات الفانتوم في السماء بنفس مستوى ارتفاع طائرة الرئاسة إلى جانب الإيرانين، من أجل تحية السادات، ويتابع:"وجدنا السادات بشكل لا إرادي ينظر إلينا في سعادة وفخر، بيقولنا "بصوا فراعنة".

كان السادات سعيدًا، بانتقال الطيارين المصريين من السيستم الروسي إلى السيستم الأمريكي، كيف يحلقون في السماء إلى جانبه بخفة ومهارة عالية. هكذا عاصر "حلمي" السادات وكان شاهدًا على أبرز محطات حياته الفاصلة في تاريخ الوطن.

محاولات ضرب طائرة الرئاسة المصرية

برحيل السادات، تتابعت الأحداث وتبدلت العلاقات السياسية بين الدول، ومن كان حليفا بالأمس بات عدوًا مع بداية حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك، عاصر "حلمي"، إرهاصات توتر العلاقات وكان شاهدًا عليها، إيران التي كانت حليفة بالأمس باتت تناهضك اليوم، بافتعال المناوشات، بسبب حرب العراق، كان "حلمي"، شاهدًا على محاولتي احتكاك إيراني في الأجواء بطائرة الرئاسة المصرية، فيذكر:" كنا في رحلة مع حسني مبارك لإحدى الدول في آسيا، وأثناء تحليقنا فوق الخليج، تم إبلاغنا بأنه ثمة عطل فني في الطائرة، حينها كانت قد جاءت إخبارية إلى الرئيس مبارك بأن طائرة الرئاسة المصرية كان سيتم استهدافها في المجال الجوي، إلا أنه بمجرد وصولنا المجال السعودي أخذتنا الطائرات السعودية في ممرات بعيدة عن الطائرات المدنية حتى عبرنا المدى الإيراني".

وفي رحلة أخرى إلى البحرين، خرجت الطائرات الحربية الإيرانية، تحلق إلى جانب طائرة مصر للطيران في السماء على سبيل المناوشة في إحدى الرحلات، فحاول كابتن الطائرة التواصل مع برج المراقبة وإخباره بأن هناك طائرة إيرانية تدخل نفس الممر الجوي التي نحلق فيه، وإذ بالبرج لا يرد؛ ظل الطيار يحاول حتى استطاع العبور بسلام.

ليست المناوشات الإيرانية وحدها من عايشها "حلمي" وزملاءه من طاقم طائرة الرئاسة، بل جاءت حادثة اختطاف طائرة مصر للطيران الشهيرة في ملطا منتصف الثمانينات؛ كان "حلمي" ضمن طاقم الطائرة المكلفين بإحضار كابتن الطائرة الناجي من الحادث والشاهد على الواقعة، ويذكر أنهم حينما ذهبوا لإحضار الطيار حتى يتم أخذ شهادته أخرجوه متنكرَا، ورغما عن ذلك جاءت إخبارية أنه سوف يتم اعتراض الطائرة المصرية التي تحمل الطيار الشاهد على الحادثة حتى يمنع من الإدلاء بإفادته على الواقعة، فيقول: "خرجنا في حماية الأسطول الأمريكي من مالطا في ممر جوي حربي، وتم قطع الاتصال بيننا وبين أي محطة منعا لتتبع الطائرة، وظلت الطائرات الأمريكية تطير في حراستنا حتى وصلنا الضبعة على الساحل الشمالي المصري، استقبلتنا الطائرات الميراج المصرية وأخذتنا في حمايتها حتى وصلنا مطار القاهرة.

المضيف الجوي أحمد حلمي مع الرئيس السادات

هكذا عاصر "مضيف الرئاسة الجوي" رحلاته ضمن طاقم رئاسة الجمهورية، من عبدالناصر وصولا إلى السادات ومبارك، بداية العهد مرت من زهو السبعينات إلى قطيعة ومناوشات الثمانينات، حتى جاءت التسعينات واستقرت الأوضاع وتبدلت السياسات، لتأتي رحلة نيويورك عام 1994 مع شركة مصر للطيران، تعرض لأزمة قلبية حادة، أجرى إثرها عملية قلب مفتوح منعته من الخروج في رحلات طيران بعدها؛ ولكن كانت بداية لفتح بابًا أخر جديد مع مصر للطيران كان حلمه الطفولي دومًا يهفو أن يطرقه

رحلة الـ 20 عامًا خرج منها بـ "صورتين"، تعنيان له ملخص مسيرة الحياة؛ الأولى مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي عاصره في أزهى وأسوأ اللحظات، أما الثانية التقطها برفقة مصطفى خليل رئيس وزراء مصر أنذاك إلى جواره الدكتور أسامة البارز في إحدى الرحلات؛ كان حبه لـ خليل نابعًا من تقدير الرئيس السادات؛ لذا لم يتردد "حلمي" أن يطلب من رئيس الوزراء إلتقاط صورة، فما كان من الأخير إلا أن يفاجئه بلطف، يقول " أحمد الصورة دي بتاعتك.. إنت في النص واحنا هنقف جنبك ".

أحمد حلمي ومصطفى خليل وأسامة الباز