قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

هل يجوز إقامة الرجل مع مطلقته في بيت واحد؟ دار الإفتاء تجيب

الطلاق
الطلاق
×

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "رجلٌ طلّق زوجته طلاقًا بائنًا، وبعد مدة مَرِض مرضًا مُزْمِنًا جعله لا يستطيع خدمة نفسه، فهل يجوز أن يقيم مع مُطلَّقته في مسكنٍ واحد مع وجود الأولاد طوال اليوم؟

وقالت دار الإفتاء، إنه لا مانع شرعًا من أن يقيم الرجُلُ مع مُطلَّقته البائن في بيت واحد، بشرط أمن الفتنة، وأن يكون بينهما ما يَمْنَع الخلوة الـمُحرَّمة؛ كوجود الأولاد طوال اليوم كما هو مذكور في السؤال.

وأكدت أنه من المقرر شرعًا أنَّ المرأة إذا طَلَّقها زوجها طلاقًا بائنًا صارت أجنبية عنه، لها ما للأجنبية من أحكامٍ، والتي منها: عدم جواز الخَلْوة بها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» متفق عليه، والحمو -كما يقول العلماء- هو أحد أقارب الزوجة أو الزوج من غير المحارم، فإذا كان ذلك في شأن القريب غير الـمَحْرَم، فمن الأولى البعيد الأجنبي؛ كالزوج الذي أَبَتَّ طلاق زوجته فصار أجنبيًّا عنها.

وذكرت دار الإفتاء، أن ضابط الخلوة المحرَّمة -كما قال الشيخ الشَّبْرامَلِّسي الشافعي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (7/ 163، ط. دار الفكر)-: [اجتماعٌ لا تُؤمَن معه الرِّيبَة عادةً، بخلاف ما لو قُطِع بانتفائها عادةً فلا يُعدُّ خلوة] اهـ، وهذا يتفق مع ما جرى عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا من أَنَّ مجرد وجود المرأة مع الرجل في مكان واحد ليس حرامًا في ذاته، وأَنَّ الحرمة إنما هي في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع الشريف؛ كأن يُظهر النساءُ ما لا يحل لهن إظهاره شرعًا، أو يكون الاجتماع على منكر أو لمنكر، أو يكون فيه خلوة محرَّمة، ونص أهل العلم على أن الاختلاط المحرم في ذاته إنما هو التلاصق والتلامس لا مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد.

وعلى ذلك دَلَّت السنة النبوية الشريفة؛ ومن ذلك: ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِي رضي الله عنه دَعَا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلاَ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ"، وترجم له البخاري بقوله: "باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس".

قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 53، ط. الرشد): [وفيه أن الحجاب -أي: انفصال النساء عن الرجال في المكان والتعامل المباشر- ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك ذكره الله في كتابه بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]] اهـ.

وجاء في "الصحيحين" أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه في إطعامه الضيف: أنهما جعلا يُرِيانِه أنهما يأكلان، فباتا طاويَين وفي رواية ابن أبي الدنيا في "قِرى الضيف" من حديث أنس رضي الله عنه: أن الرجل قال لزوجته: أثردي هذا القرص وَآدِمِيهِ بِسَمْنٍ ثُمَّ قَرِّبِيهِ، وَأْمُرِي الخادم يطفئ السراج، وجعلت تَتَلَمَّظُ هي وهو حتى رأى الضيفُ أنهما يأكلان. وظاهره أنهم اجتمعوا على طبق واحد. وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»، ونزل فيهما قولُه تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].

ولا يلزم لكي يجوز الاجتماع مع المرأة في مكان واحد أن يوجد معها زوج أو خصوص مَحْرَمها -والمقصود بالمَحْرَم هو كل من لا يجوز له الزواج من المرأة المُعَيَّنة على التأبيد؛ بسبب قرابة، أو رضاع، أو مصاهرة-، بل يكفي أن يوجد معهما ثالث؛ ذَكَرًا كان أو أنثى، ما دام مميزًا وممن يستحى منه.

وقد روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ -وهي من غاب زوجها عن المنزل-، إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ».

وتأسيسًا على ذلك؛ فقد نَصَّ جمهور الفقهاء على جواز أن يسكنا –أي: الرجل والمرأة- في بيتٍ واحدٍ بعد الطلاق البائن بشرط أمن الفتنة؛ بأن يكون بينهما حائلٌ يمنع الخلوة المحرمة كامرأة ثقة قادرة على الحيلولة بينهما، أو كانت دار المطلق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في غرفة منفردة، ويقاس على ذلك أولاد السائل كما في واقعة السؤال.

وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا بأس أن يسكن الرجُلُ في بيت واحد مع مُطلَّقته البائن منه، بشرط أمن الفتنة، وأن يكون بينهما ما يَمْنَع الخلوة الـمُحرَّمة؛ كامرأة ثقةٍ قادرة على الحيلولة بينهما، أو وجود الأولاد طوال اليوم.