نعيش خلال هذه الساعات ليلة النصف من رجب ، والتي أوشكت على الانتهاء ، فيزيد البحث عن الأعمال المستحبة لاغتنام فضل هذه الليلة، فنجد أن هناك روايات منتشرة عن صلاة في ليلة نصف رجب وأنه أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحيث إن شهر رجب من الأشهر الحُرم ، التي يتضاعف فيها أجر الطاعات والعبادات، من هنا ينبغي معرفة حقيقة صلاة في ليلة نصف رجب وكيفية أدائها؟.
صلاة في ليلة نصف رجب
وردت عدة أحاديث عن صلاة في ليلة نصف رجب ، ومنها : أنه روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : صلّ ليلة النصف من رجب اثنتي عشر ركعة ، تُسلّم بين كلّ ركعتين، تقرأ في كلّ ركعة أم الكتاب أربع مرّات وسُورة الإخلاص أربعاً وسورة الفلق أربع مرّات ، وسورة النّاس أربع مرّات وآية الكرسي أربع مرات ، و « إنّا انزلناه في ليلة القدر » أربع مرات وثم تشهّد وتسلّم وتقول بعد الفراغ بعقب التسليم أربع مرات : الله الله رَبّي لا أُشرِكُ بِه شَيئًا ولا أتّخِذُ مِن دونه وَليّاً، ثمّ ادع بما أحببت .
وهناك رواية أُخرى عن صلاة في ليلة نصف رجب ، من جملة حديث عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما معناه : أن من صلّى فيها ثلاثين ركعة بالحمد و « قل هو الله احد » عشر مرّات لم يخرج من صلاته حتى يُعطى ثواب سبعين شهيداً ويجيء يوم القيامة ونوره يضيء لأهل الجمع كما بين مكة والمدينة ، وأعطاه الله براءة من النّار وبراءة من النفاق ويُرفع عنه عذاب القبر ، وأيضًا عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : من صَلّى ليلة خمس عشر من رجب ثلاثين ركعة ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة و « قل هو الله احد » عشر مرّات أعتقه الله من النّار وكتب له بكلّ ركعة عبادة أربعين شهيداً وأعطاه الله بكلّ آية اثني عشر نوراً وبنى له بكلّ مرة يقرأ ( قل هو الله احد ) اثني عشر مدينة من مسك وعنبر ، وكتب الله له ثواب من صام وصلّى في ذلك الشهر من ذكر وأنثى ، فإن مات ما بينه وبين السنة القابلة مات شهيداً ووُقي فتنة القبر .
وعنها قالت دار الإفتاء المصرية، إن هذه الأحاديث عن صلاة في ليلة نصف رجب كلها لا تصح، وهي ما بين باطل، وموضوع، وضعيف، منوهة بأن رجب من الأشهر الحرم التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ».
وأوضحت “ الإفتاء” عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الأشهر الحرم هي، رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهذا التحديد وردت به الأخبار عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها 4 حرم، 3 متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» رواه البخاري.
وأضافت أن ما ذكر من أحاديث نبوية في فضل شهر رجب، قسمها الحافظ ابن حجر العسقلاني في «تبيين العجب بما ورد في فضل رجب» إلى ضعيفة وموضوعة، فكان الضعيف أحد عشر حديثا؛ منها حديث: «إن في الجنة نهرا يقال له: رجب، أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، من صام من رجب يوما سقاه الله من ذلك النهر» رواه البيهقي في "فضائل الأوقات»، وحديث: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان» رواه الطبراني في «المعجم الأوسط»، والبيهقي في «شعب الإيمان».
ونبهت إلى أن الموضوع منها واحدا وعشرين حديثا؛ منها حديث: «من صلى ليلة النصف من رجب 14 ركعة، يقرأ في كل ركعة ﴿الحمد﴾ مرة، و﴿قل هو الله أحد﴾ 20 مرة، و﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ 3 مرات، و﴿قل أعوذ برب الناس﴾ 3 مرات، فإذا فرغ من صلاته صلى علي 10 مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله 30 مرة، بعث الله إليه 1000 ملك يكتبون له الحسنات ويغرسون له الأشجار في الفردوس، ومحا عنه كل ذنب أصابه إلى تلك الليلة، ولم يكتب عليه خطية إلى مثلها من القابل، ويكتب له بكل حرف قرأ في هذه الصلاة 700 حسنة، وبني له بكل ركوع وسجود 10 قصور في الجنة من زبرجد أخضر، وأعطي بكل ركعة 10 مدائن في الجنة، كل مدينة من ياقوتة حمراء، ويأتيه ملك فيضع يده بين كتفيه فيقول: استأنف العمل، فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك».
وأشارت إلى أن هذا لا يمنع من التزود بالعمل الصالح في هذا الشهر المعظم، ولا يمنع أيضا من العمل بما ورد من الضعيف في هذا الباب؛ عملا بما عليه جماهير الأمة من التسامح في العمل بالضعيف في باب الفضائل، بشرط ألا يشتد ضعفه، وأن يندرج تحت أصل معمول به، وألا يعتقد الفاعل ثبوته، وذلك كما هو مقرر ومفصل في موضعه في كتب مصطلح الحديث، وهو ما يتفق مع الأحاديث الضعيفة الواردة في هذا الباب.