يعد تدخل الأهل في زواج الأبناء من أكثر الأمور الشائكة ، وسبب لكثير من المشاكل حين تتعارض رغبة الأبناء مع آبائهما ، وهو ما يطرح سؤال هل للوالدين حق في اختيار زوج ابنتهما ؟، حيث قد حسم الشرع الحنيف كل هذه الأمور ، التي تثير الجدل والمشكلات الاجتماعية .
هل للوالدين حق في اختيار زوج ابنتهما
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الإسلام لم يجعل للوالدين سلطة الإجبار عليهما، فدور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما- ذكوراً وإناثاً- على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء، وقد ساوى بين الرجل والمرأة في حق اختيار كل منهما للآخر
وأوضح «جمعة» عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الزواج يعتبر من خصوصيات المرء، وإجبار أحد الوالدين ابنته على الزواج بمن لا تريد محرم شرعاً، لأنه ظلم وتعد على حقوق الآخرين، فللمرأة في الإسلام حريتها الكاملة في قبول أو رد من يأتي لخطبتها، ولا حق لأبيها أو وليها أن يجبرها على من لا تريد، لأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقوم على القسر والإكراه، وهذا يتناقض مع ما جعله الله بين الزوجين من مودة ورحمة.
وأضاف أن هذا الحكم المستقر دلت عليه نصوص كثيرة من شرعنا الحنيف، ووقائع فعلية تبين للعالم كله كيف تعامل الرحمة المهداة، إمام العالمين- صلى الله عليه وسلم- مع المرأة ووليها في تحد واضح لكل نظم الجاهلية التي تظلم المرأة، وأثبت حقها في اختيار زوجها، وأبطل زواج من حاول إجبارها حتى وإن كان ذلك الشخص هو الأب، ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة لعادات العرب وقتها، فكان ذلك امتحانا لقلوب المؤمنين بأن يرضوا بالشرع الحنيف الذي يكرم المرأة، ويحترم إرادتها واختيارها، ويتبرءوا من كل النظم التي تهين المرأة وتحتقرها وتظلمها.
وتابع: فجاءت النصوص النبوية الشريفة في هذا الباب كلها تؤكد هذا الحق، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن». قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت» كما كان ينصف صلى الله عليه وسلم من تأتى تشتكى إجبار أبيها لها على الزواج. كما ثبت ذلك في سنته صلى الله عليه وسلم حيث ورد: «أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» «أخرجه أحمد في مسنده».
ودلل بما روي أن رجلاً زوج ابنة له وهي كارهة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن- وذكرت كلمة معناها- أبي زوجني رجلاً وأنا كارهة، وقد خطبني ابن عم لي. فقال: «لا نكاح له انكحي من شئت» «أخرجه النسائي»، وعن خنساء بنت خدام قالت: أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر، فشكوت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تنكحها وهي كارهة» «أخرجه النسائي».
وأشار إلى أن اهتمام الإسلام بقضية الاختيار بين الزوجين هو في الحقيقة اهتمام بالنواة الأساسية المكونة للأسرة، فبداية الأسرة برجل وامرأة اجتمعا على قدر كبير من التفاهم، مما يؤثر في الأسرة عندما تكبر وتتعدد أطرافها، والأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وعلى هذا الأساس السليم تنشأ الحضارات وتعلو القيم.
ويشهد لأهمية المرأة في تكوين المجتمع المسلم قول أمير الشعراء أحمد شوقي: ( الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعبا طيب الأعراق)، وكما أعطى الإسلام المرأة الحق في اختيار زوجها أعطاها الخيار في البقاء معه أو فراقه عندما تسوء العشرة بينهما، ولا يمكن التوفيق والصلح، ولهذا شرع الطلاق لمصلحة المرأة والرجل على السواء.