تختتم القمة الأمريكية الإفريقية الثانية المنعقدة في العاصمة واشنطن بحضور ومشاركة ما يقرب من 50 زعيما وقائدا أفريقيا جدول أعمالها اليوم الخميس، وذلك بعد ثلاثة أيام من المناقشات الجادة حول مستقبل القارة وما تواجهه من أزمات ومخاطر.
القمة الأمريكية الإفريقية
القمة التي تعقد في ظل عالم غير مستقر يعاني من صراعات طاحنة خاصة بين القوى الكبرى، التي سارعت نحو أفريقيا باحثة عن ساحة جديدة لبسط نفوذها كما هو في حال الولايات المتحدة الأمريكية، تضمنت تعهدات كبيرة من قبل الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بدعم الأفارقة لتجاوز أزمات مزمنة: كالفقر ونقص الغذاء والنزاعات المسلحة وانتشار الأوبئة، إضافة لمساعدتهم على التنمية.
ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، أمام قادة 49 دولة أفريقية إلى إقامة "شراكة" كبيرة مع القارة، باعتبارها مفتاح "النجاح" للعالم، حيث شدد بايدن في كلمة له على "إقامة شراكات تدفع إلى إرساء التزام سياسي وتعزيز التبعية وتحفيز النجاح المشترك"، مضيفا أنه "عندما تنجح أفريقيا، تنجح الولايات المتحدة، والعالم كله ينجح".
وتحدث الرئيس الأمريكي عن بعض ملامح المشاريع الأميركية في أفريقيا خلال السنوات الـ3 المقبلة، والتي تناهز قيمتها الإجمالية 55 مليار دولار، من بينها 100 مليون دولار للطاقة النظيفة.
وأعلن أيضاً عن التزامات للقارة قدّمتها شركات من بينها استثمار شركة "فيزا" الرائدة في مجال بطاقات الائتمان مليار دولار.
يشار إلى أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قال في وقتٍ سابق، إنّ الولايات المتحدة سوف تتعهد، خلال القمة الأميركية الأفريقية، دعم أفريقيا بمبلغ قيمته 55 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
من جانبه واصل الرئيس عبد الفتاح السيسي، عقد اللقاءات والاجتماعات الموسعة والتشاورية مع كبار المسؤولين الأمريكيين على هامش مشاركته في أعمال القمة، حيث التقى الرئيس، الأربعاء، وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن وزير الخارجية الأمريكي رحب بزيارة الرئيس إلى واشنطن، والتي تأتي في إطار دعم مسيرة العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين على نحو بناء وإيجابي، مؤكدً التزام الإدارة الأمريكية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات، ودعم جهود مصر الحثيثة في السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.
وأضاف المتحدث الرسمي، أن اللقاء شهد تبادل وجهات النظر حول مجمل القضايا الأفريقية في ضوء القمة الأمريكية الأفريقية الحالية، حيث شدد الرئيس على أن القارة الأفريقية تحتاج إلى بنية أساسية قارية مكتملة الأركان تدعم تنفيذ الجهود والمبادرات التي تستهدف الدول الأفريقية، وليكن ذلك من خلال مشروع دولي ضخم يحشد الموارد والدعم من الدول الكبرى والخبرات التنموية العالمية لبلورة رؤية شاملة لتلك البنية الأساسية التي تعتبر حتمية لنجاح جهود التنمية في القارة.
كما تم التباحث حول عدد من الملفات الإقليمية، ذات الاهتمام المشترك خاصة قضية سد النهضة الأثيوبي، حيث أكد الرئيس بتمسك مصر بتطبيق مبادئ القانون الدولي ذات الصلة ومن ثم ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد للحفاظ على الأمن المائي لمصر وعدم المساس بتدفق المياه في نهر النيل، الذي قامت عليه أقدم حضارة عرفتها البشرية منذ آلاف السنين.
ومن جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي دعم بلاده لجهود حل تلك القضية على نحو يحقق مصالح جميع الأطراف، ويراعي الأهمية البالغة التي تمثلها مياه النيل لمصر.
وقد عبر الجانبان عن الحرص المتبادل لتدعيم وتعميق الشراكة الاستراتيجية الممتدة بينهما، والتي تمثل ركيزة هامة للحفاظ على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، والتطلع لتعظيم التنسيق والتشاور المشترك خلال الفترة المقبلة بشأن مختلف القضايا السياسية والأمنية ذات الاهتمام المشترك.
كما التقى الرئيس السيسي، الأربعاء، وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، وذلك بمقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"؛ لمناقشة عدد من الملفات؛ سواء على مستوى التعاون الثنائي أو على الصعيد الدولي.
وصرح المتحدث الرسمي - بأن وزير الدفاع الأمريكي عبر عن تشرفه بزيارة الرئيس لمقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، مؤكدً على التقدير البالغ لجهود الرئيس الشخصية وروح القيادة شديدة الاتزان والفاعلية لتحقيق الأمن والاستقرار والتهدئة في ليس فقط في الشرق الأوسط وأفريقيا بل على المستوى العالمي، وتجاه مختلف القضايا والأزمات الدولية، وذلك امتدادً لدور مصر التاريخي السباق في إرساء ونشر ثقافة السلام والعيش المشترك في المنطقة، وهو الدور الهام جدا للولايات المتحدة التي تعول عليه وتدعم قدراته.
ومن جانبه أكد الرئيس السيسي حرص مصر على دعم شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصةً ما يتعلق بالشق العسكري، وكذلك على الصعيد الأمني خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة والعالم، وفي هذا السياق تم التوافق خلال اللقاء على الاستمرار في تعزيز العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة باعتبارها صلب الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتدعم مسؤوليتهما وجهودهما المشتركة تجاه استعادة الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط.
مصر والتنمية في إفريقيا
ويقول الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ، والخبير في الشأن الأمريكي، إن القمة الأمريكية الإفريقية فرصة للدولة المصرية لكي تتعامل مع مصالحها القومية، فعندما يكون هناك قمة لها علاقة بين إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية فيجب علينا أن نستغلها في طرح القضايا التي تهم الدولة المصرية والقارة السمراء.
ولفت سعيد، إلى أن ذلك يكون من خلال المناقشات التي تحدث على هامش القمة سواء مع الجانب الإفريقي أو الأمريكي، وكلاهما مفتاح من مفاتيح التعامل أولًا مع قضية سد النهضة، وهي قضية حيوية بالنسبة للدولة المصرية، وذات طبيعة إستراتيجية.
وأكد سعيد - في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن قضية التنمية داخل القارة السمراء من القضايا الهامة التي طرحت على طاولة القمة، فمصر لديها رؤية واضحة في التنمية في إفريقيا، حيث يظهر ذلك من خلال المشروعات التنموية، التي تنفذها في عدد من البلدان الإفريقية.
وضرب سعيد المثل بالمشروع المصري للربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر الأبيض المتوسط، أحد المشروعات العملاقة التي تسعى مصر لتنفيذها داخل القارة، والتي يتداخل فيها عدد كبير من البلدان مثل: "مصر والسودان وأوغندا ورواندا وإثيوبيا".
وأكد الخبير في الشأن الأمريكي، أن مصر تريد أن تربط جميع دول القارة الإفريقية ببعضها البعض من خلال شبكة مشروعات قومية وتنموية، وبالطبع فأن الولايات المتحدة في ذلك الأمر من الممكن أن تقدم التكنولوجيا.
واختتم أن قضية سد النهضة من أهم القضايا التي سوف يتم طرحها أيضًا على طاولة تلك القمة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت شاهدة على جميع المفاوضات مع إثيوبيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لذلك يجب على واشنطن أن تخرج ما لديها من وثائق في الوقت الراهن، لتحل تلك القضية؛ لأنها عامل من أبرز عوامل التنمية بمصر والمشروعات القومية المتعلقة بالقارة بالكامل.
هذا ومن المقرر أن يكشف الرئيس الأميركي عن التزام طويل الأمد في القارة الأفريقية في وقتٍ أعلنت شركات أميركية عن استثمارات تتخطى قيمتها مليارَي دولار على رأسها صفقات تكنولوجية، في قارة أصبحت فيها الصين لاعباً رئيسياً.
وسيلقي بايدن خطابا عن أفريقيا أمام 49 مسؤولًا مجتمعين في واشنطن في قمة حول أفريقيا هي الأولى منذ قمة عقدها الرئيس السابق باراك أوباما في العام 2014.
وقال البيت الأبيض، إن "بايدن سيشدد على أهمية أفريقيا، وسيدعم تعزيز دور الاتحاد الأفريقي، ويُعلن عن نحو 55 مليار دولار لدعم القارة على مدى السنوات القليلة المقبلة".
وبعد الإعلان عن المساهمة في تدريب العاملين الصحيين، قال البيت الأبيض، الأربعاء، إن "الولايات المتحدة ستلتزم بمبلغ 350 مليون دولار وتحشد 450 مليون دولار لتمويل التنمية الرقمية في أفريقيا".
وأشار البيت الأبيض إلى أن "تعزيز الاتصال بالإنترنت سيساهم في التنمية وفي تعزيز المساواة الاجتماعية وفي خلق مزيد من الفرص للشركات الأميركية".
وتجاوزت الصين في العقد الماضي الولايات المتحدة في الاستثمار في أفريقيا من خلال مشاريع ضخمة للبنية التحتية غالباً ما يتم تمويلها من خلال قروض بلغ مجموعها أكثر من 120 مليار دولار منذ بداية القرن.
وحذّر وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، القادة الأفارقة في اليوم الأول للقمة، الثلاثاء، من أن نفوذ الصين وروسيا "يمكن أن يكون مزعزعاً للاستقرار".
كما حذر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، باتريك رايدر، من أن تنمية العلاقة بين الدول الأفريقية والصين ستكون لها تداعيات سلبية على علاقة هذه الدول بالولايات المتحدة.
ومن جانبه أقر نائب وزير التجارة الأميركي، دون جريفز، بأنّ الولايات المتحدة تخلّفت عن الركب بعدما تجاوزت الصين الاستثمار الأجنبي الأميركي في أفريقيا.