يفصلنا يومان فقط عن انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية الثانية، والتي تستضيفها العاصمة واشنطن خلال الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر الجاري بحضور أكثر من 40 قائد وزعيماً أفريقيا، وذلك بعد 8 سنوات من انعقاد أول قمة أمريكية أفريقية عام 2014.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان صحفي نشره البيت الأبيض عبر موقعه الإلكتروني في يوليو الماضي، إن هذه "القمة تظهر التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أفريقيا وتؤكد أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا".
وأعرب الرئيس بايدن عن تطلعه للعمل مع الحكومات الأفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات المتحدة؛ لمواصلة تعزيز رؤيتنا المشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
وأفاد بأن القمة المرتقبة بين قادة الولايات المتحدة وأفريقيا سوف تستند إلى قيمنا المشتركة لتعزيز المشاركة الاقتصادية الجديدة بشكل أفضل وتعزيز التزام الولايات المتحدة وأفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتخفيف من تداعيات كورونا والأوبئة المستقبلية.
وتابعبايدن قائلا: "تقوم كذلك على العمل بشكل تعاوني لتعزيز الصحة الإقليمية والعالمية وتعزيز الأمن الغذائي والسلام والأمن والاستجابة لأزمة المناخ".
الوجود الأمريكي في أفريقيا
ويعود التواجد الأمريكي داخل القارة السمراء إلى الحرب العالمية الثانية، التي بدأت في الأول من سبتمبر عام 1939، وانتهت في الثاني من سبتمبر عام 1945، والتي كانت بين حلفين عسكريين متنازعين هما قوات الحلفاء، التي كانت متمثلة في (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين)، ودول المحور، التي تضم (ألمانيا وإيطاليا واليابان).
وكانت دول المحور بقيادة ألمانيا وإيطاليا تسعى جاهدة للسيطرة على قناة السويس من خلال احتلال القواعد الإنجليزية بالقناة، حيث شنت ألمانيا وإيطاليا في عام 1941، هجوماً على كل من القوات الإنجليزية والفرنسية في مصر وتونس، وكان الرد البريطاني والفرنسي وأيضاً الولايات المتحدة هو حشد قوات لتحرير الشمال الأفريقي من ألمانيا وإيطاليا.
وكان عدد القوات الأمريكية في شمال أفريقيا في نوفمبر 1942، يقدر بحوالي 49 ألف عسكري، وتم وضع الدار البيضاء كقاعدة أمريكية بقيادة الجنرال باتون، وقاعدة وهران تحت قيادة الجنرال الأمريكي ريدر.
وقامت الولايات المتحدة في يناير 1943 بعمل قاعدة ويلس العسكرية في طرابلس عاصمة ليبيا، واستمر الوجود العسكري الأمريكي في القاعدة حتى يونيو 1970 بعد مطالبة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي رحيل القوات الأمريكية من قاعدة ويلس.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، خلال الحرب الباردة التي كانت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك كان الدور الأمريكي في أفريقيا غير واضح سياساً.
وتغيرت الاستراتيجية الأمريكية في أفريقيا بعد انتهاء الحرب الباردة، فعلى سبيل المثال؛ في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، قدمت واشنطن مبلغ 20 مليون دولار للنهوض بالاقتصاد الصومالي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت في 2018، إن الولايات المتحدة استأنفت "وجودها الدبلوماسي بشكل دائم" في الصومال بعد انقطاع دام حوالي 30 عاما، وعينت واشنطن دونالد ياماموتو، أول سفير لها لدى مقديشو منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991.
وأصبحت مصالح أمريكا مهددة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتزايد الجماعات الإرهابية في القارة الأفريقية، ففي شرق أفريقيا برزت حركة شباب المجاهدين، وفي منطقة الساحل والصحراء انتشر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وفي غرب أفريقيا ظهر تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، الأمر مما دفع واشنطن للتمركز في العديد من المواقع العسكرية في جيبوتي وكينيا وأوغندا وبوروندي والكاميرون والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية.
وبلغت الواردات النفطية الأمريكية من أفريقيا - بحسب مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية حوالي 11.2 مليار دولار خلال عام 2017 و4.1 مليار دولار، أي أن أكثر من نصف الواردات الأمريكية من أفريقيا والبالغة حوالي 24.9 مليار دولار من النفط والمعادن.
وتحتل الدول الأفريقية مراكز متقدمة في قائمة أكثر الدول المصدرة للنفط للولايات المتحدة (44 دولة)، ففي المرتبة السابعة تأتي نيجيريا بقيمة 5.1 مليار دولار أي 3.2% من إجمالي الواردات الأمريكية، وفي المرتبة العاشرة تأتي أنجولا بقيمة 2.5 مليار دولار أي بنسبة 1.5% من إجمالي الواردات الأمريكية من النفط وتليها الجزائر بقيمة 2.2 مليار دولار أي ما يعادل1.4% من إجمالي الواردات النفطية الأمريكية.
وسجلت الجزائر زيادة في تصدير النفط للولايات المتحدة بنسبة تبلغ 756.7%، كما سجلت نيجيريا زيادة في قيمة صادراتها النفطية للولايات المتحدة بقيمة 88.9%، مما يعني تزايد الاهتمام الأمريكي بالنفط الأفريقي.
أسباب اهتمام أمريكا بأفريقيا
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أغسطس 2022 خلال زيارة إلى بريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا، إن "الولايات المتحدة تريد شراكة حقيقية مع أفريقيا"، مؤكداً أن "بلاده لا ترغب في تجاوز نفوذ القوى العالمية الأخرى في القارة".
وكانت هذه الزيارة تهدف إلى محاولة تقريب جنوب إفريقيا دبلوماسياً من المعسكر الغربي والتصدّي للنفوذ الروسي في القارة، خاصة أنها جاءت بعد وقت قصير من زيارة نظيره الروسي سيرجي لافروف إلى القارة الأفريقية في نهاية يوليو الماضي.
وحسب ما قاله سامويلروبيرج المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية - خلال تصريحات صحفية - فإن الرئيس جو بايدن يعتبر أن تعاون الولايات المتحدة مع القادة الأفارقة والمجتمع المدني والأعمال التجارية والقادة الشباب أمر ضرورى لمواجهة التحديات المشتركة واغتنام الفرص، بما فى ذلك زيادة الإنتاج الغذائي المستدام وتعزيز النظم الصحية ومكافحة وباء "كوفيد 19" والاستجابة لأزمة المناخ المتفاقمة وبناء اقتصاد عالمي قوي وشامل وتقديم المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة وتعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية العالمية.
وبكون إفريقيا واحدة من أسرع المناطق نموًا فى العالم وأكبر مناطق التجارة الحرة والنظم البيئية الأكثر تنوعا وبكونها واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة، فإن المساهمات والشراكات والقيادة الأفريقية تعد ضرورية لمواجهة التحديات المحددة لهذا العصر.
توفر الاقتصاديات والطاقات البشرية في القارة الأساس لمستقبل مشرق للقارة والولايات المتحدة.
وكشفت واشنطن مؤخراً عن وثيقة جديدة تتضمن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا جنوب الصحراء لمواجهة الوجود الروسي والصيني ومكافحة الإرهاب.
تلعب إفريقيا جنوب الصحراء دورا أساسيا في دفع الأولويات العالمية بحيث تكون في صالح الأفارقة والأمريكيين، وهي تتمتّع بإحدى أكثر المناطق نمواً من حيث عدد السكان في العالم، وفيها أكبر مناطق التجارة الحرّة وأكثر النظم البيئية تنوعا، أضف إلى كونها واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة.
وقد بات من المستحيل مواجهة التحّديات الكبرى للحاضر بدون مساهمات أفريقيا ودورها القيادي، وسيكون للمنطقة دور بارز في الجهود الرامية إلى: إنهاء جائحة كوفيد-19، ومعالجة أزمة المناخ، ووقف المد العالمي لتراجع الديمقراطية، ومعالجة انعدام الأمن الغذائي العالمي، وتعزيز الإنصاف والمساواة بين الجنسين، وترسيخ نظام دولي منفتح ومستقر، وتشكيل قواعد العالم بشأن القضايا الحيوية مثل التجارة والإنترنت والتكنولوجيات الناشئة؛ ومواجهة تهديد الإرهاب والصراع والجريمة عبر الوطنية.
وتأسيسا على إجراءات إدارة بايدن هاريس والتزامها في تعميق مشاركتنا وشراكاتنا في إفريقيا خلال العام الماضي، توضّح هذه الاستراتيجية رؤيتنا الجديدة للشراكة الأمريكية الأفريقية في القرن الحادي والعشرين. وهي استراتيجية تعترف بالفرص الإيجابية الهائلة الموجودة لتعزيز المصالح المشتركة جنبا إلى جنب مع شركائنا الأفارقة.
وندرك في الوقت عينه أن إمكانات إفريقيا ستستمر في مواجهة الصعوبات ما دامت النزاعات القاتلة مستمرّة في تفتيت المجتمعات، وما دام الفساد يعيق التقدم الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي يزيد من خطر المجاعة وسوء التغذية والقمع يخنق حقوق الإنسان والتعبير الديمقراطي.
وكما سبق للرئيس بايدن أن أوضح في خطابه إلى الاتحاد الأفريقي العام الماضي، فإن "أيا من هذا لن يكون سهلا، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة مستعدّة الآن لتكون شريككم، في مسار من التضامن والدعم والاحترام المتبادل".
أهداف الاستراتيجيةالأمريكية
وستعيد استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء صياغة مكانة إفريقيا بالنسبة لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
وسوف نسعى إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى:
1 - تشجيع الانفتاح والمجتمعات المفتوحة
- تعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية.
- زيادة تركيزنا على سيادة القانون والعدالة والكرامة.
- مساعدة البلدان الأفريقية على الاستفادة بشكل أكثر شفافية من مواردها الطبيعية من أجل التنمية المستدامة.
2- توزيع مكتسبات الديمقراطية والأمن
- العمل مع الحلفاء والشركاء الإقليميين لوقف المدّ الأخير لمواجهة الاستبداد والاستيلاء العسكري
- دعم المجتمع المدني، وتمكين الفئات المهمشة، وتركيز أصوات النساء والشباب، والدفاع عن انتخابات حرة ونزيهة.
- تحسين قدرة الشركاء الأفارقة على تقوية الاستقرار والأمن الإقليميين.
- الحدّ من تهديد الجماعات الإرهابية للولايات المتحدة كبلد وكمواطنين إضافة إلى منشآتها الدبلوماسية والعسكرية.
3-دعم التعافي من الوباء والفرص الاقتصادية
- تحديد أولويات السياسات والبرامج لإنهاء المرحلة الحادة لوباءكورونا وبناء القدرات لزيادة التأهب للتهديد الصحي التالي.
- دعم مبادرات تصنيع اللقاحات وغيرها من الإجراءات الطبية المضادة.
- تعزيز مسار أقوى للنمو الاقتصادي وتعزيز مبادرات كازدهار أفريقيا والطاقة الإفريقية وإطعام المستقبل، إضافة إلى مبادرة جديدة للتحول الرقمي.
- الشراكة مع البلدان الأفريقية لإعادة بناء رأس المال البشري والنظم الغذائية التي أضعفها الوباء وحرب روسيا ضدّ أوكرانيا.
4- دعم المحافظة على البيئة والتكيف مع المناخ والتحول العادل للطاقة.
- الشراكة مع الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات المحلية للمحافظة على النظم البيئية الطبيعية الغنية في القارة وإدارتها واستعادة ما فقد أو دُمر منها.
- دعم البلدان في جهودها لتقليل آثار تغير المناخ والتكيف معها، بما في ذلك تعزيز المجتمع والاقتصاد ومرونة سلسلة التوريد.
- العمل عن كثب مع البلدان لتسريع انتقالها العادل إلى مستقبل الطاقة النظيفة ودعم حصولها على الطاقة وتحقيق أمن الطاقة فيها.
- متابعة الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل التطوير المستدام وتأمين المعادن الهامة التي ستوفر تقنيات الطاقة النظيفة.