بأكتاف مثقلة بالهموم يغازلها الأمل بعد أزمات طاحنة على مدار عقود طويلة وزادت حدتها مؤخراً جراء الحرب الروسية الأوكرانية، يحمل ما يقرب من 50 قائد وزعيماً إفريقيا طموحات شعوبهم وأحلامهم ويغردون بها نحو العاصمة الأمريكية واشنطن، باحثين عن ملاذ آمن وصديق يشعر بأوجاعهم، قد يساعدهم على مواجهة أخطار تكاد تعصف بالقارة الإفريقية.
القمة الأمريكية الإفريقية
وبحثاً عن موطأ قدم لها داخل القارة الافريقية ودور متعدد الأوجه بعد سنوات من السيطرة الأوروبية والروسية والصينية والتركية تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن القمة الأمريكية الإفريقية الثانية في الفترة ما بين 13 إلى 15 ديسمبر 2022.
وعقدت في واشنطن القمة الأمريكية- الإفريقية عام 2014، وكانت الأولى من نوعها التي تعقد بين الولايات المتحدة ودول القارة السمراء، وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما هو من وضع اللبنة الاولى لهذه القمة وطرح الفكرة عام 2013.
وبحثت القمة الأمريكية الإفريقية وقتها قضايا عدة أبرزها التعاون الاقتصادي بين القارة النامية بقوة والقوة الاقتصادية الأولى عالميا، وركزت على قضايا مثل الزراعة والبنية التحتية، والتبادل التجاري، وقضايا أخرى ذات طابع سياسي مثل الحكم والتهديدات الأمنية والديمقراطية.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان صحفي نشره البيت الأبيض عبر موقعه الإلكتروني، يوليو الماضي: "اتطلع إلى استضافة قادة من جميع أنحاء القارة الأفريقية في واشنطن العاصمة في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022؛ لحضور القمة الأمريكية الإفريقية الثانية".
وأضاف جو بايدن، أن هذه القمة تظهر كذلك التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه إفريقيا وتؤكد أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
وأعرب الرئيس الأمريكي عن تطلعه للعمل مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومجتمعات الشتات والمغتربين في جميع أنحاء الولايات المتحدة؛ لمواصلة تعزيز رؤيتنا المشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وأفاد بأن القمة المرتقبة بين قادة الولايات المتحدة وأفريقيا سوف تستند إلى قيمنا المشتركة؛ لتعزيز المشاركة الاقتصادية الجديدة بشكل أفضل، وتعزيز التزام الولايات المتحدة وأفريقيا بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتخفيف من تداعيات كورونا والأوبئة المستقبلية.
وتابع بايدن قائلا: "تقوم كذلك على العمل بشكل تعاوني لتعزيز الصحة الإقليمية والعالمية وتعزيز الأمن الغذائي والسلام والأمن والاستجابة لأزمة المناخ".
ومن المتوقع أن تكون مصر حاضرة وبقوة ضمن المشاركين في القمة الأمريكية الإفريقية من خلال حضور القيادة السياسية المصرية، حيث تمثل القاهرة واحدة من أهم الحلفاء داخل القارة السمراء لواشنطن، وصاحبة نفوذ ودور كبير وتاريخي.
العلاقات المصرية الأمريكية
وشهدت العلاقات المصرية الأمريكية تطوراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين من خلال التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتطورت علاقات مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014.
أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع قيمة الاستثمارات الأمريكية في مصر؛ لتسجل 9.2 مليار دولار خلال العام المالي 2020 /2021، مقابل7.7 مليار دولار خلال العام المالي2019 / 2020، بنسبة ارتفاع قدرها 19.8%.
وارتفعت قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة الأمريكية لتصل إلى 2.5 مليار دولار خلال عام 2021 مقابل 1.6 مليار دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 56.3%، وبلغت قيمة الواردات المصرية من الولايات المتحدة الأمريكية 6.1 مليار دولار خلال عام 2021 مقابل 4.7 مليار دولار خلال عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 30.9%.
وجمع لقاء هام ومثمر بين الرئيس السيسي والرئيس بايدن، في نوفمبر الماضي، وذلك على هامش انعقاد أعمال القمة العالمية للمناخCOP27، والتي استضافتها مدينة شرم الشيخ في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر 2022، وشارك فيها أكثر من 120 زعيم وقائد دولة ورئيس حكومة ولفيف من الشخصيات الدولية والخبراء.
وأكد الرئيس بايدن، أن الولايات المتحدة تعتبر مصر صديقاً وحليفاً قوياً تعول عليه في المنطقة، كما أن اللقاء شهد تبادل الرؤى ووجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، خاصةً الأزمة الروسية الأوكرانية وامتداد تداعياتها السلبية على مستوى العالم، خاصةً في قطاعي الغذاء والطاقة، فضلاً عن التباحث بشأن تطورات الأوضاع في كلٍ من ليبيا واليمن وسوريا.
كما تم تناول ملف مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، حيث أشاد الرئيس الأمريكي بنجاح الجهود المصرية الحاسمة في هذا الإطار معرباً عن دعم الإدارة الأمريكية لتلك الجهود، ومؤكداً أن مصر تعد شريكاً مركزياً في التصدي لتحدي الإرهاب العابر للحدود.
كما تطرق اللقاء كذلك إلى قضية سد النهضة، حيث أكد الرئيس تمسك مصر بالحفاظ على أمنها المائي للأجيال الحالية والقادمة من خلال التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد يضمن الأمن المائي لمصر، وذلك وفقاً لمبادئ القانون الدولي لتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، ومن ثم أهمية الدور الأمريكي للاضطلاع بدور مؤثر لحلحلة تلك الأزمة.
وكشف الرئيس الأمريكي - خلال كلمته بمؤتمر المناخ cop27 بشرم الشيخ عن صفقة مع مصر بقيمة 500 مليون دولار، وقال الرئيس الأمريكي في كلمته إن هناك صفقة مساعدات لمصر بقيمة 500 مليون دولار لتمويل التحول إلى الطاقة النظيفة.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 12 نوفمبر الماضي، إن الولايات المتحدة تركز على جعل cop27 يستجيب لأولويات واحتياجات القارة الإفريقية، إذ تقع 17 دولة من أصل 20 دولة الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ في إفريقيا.
القمة الأمريكية الإفريقية 2
وتم الإعلان من قبله عن المزيد من الاستثمارات الأمريكية للتكيف مع المناخ في القارة الإفريقية، واستشهد بلينكن بقانون أصدره الكونجرس الأمريكي للحد من التضخم - وهو القانون الوحيد في التشريع المناخي في تاريخ الولايات المتحدة، ويهدف لخفض انبعاثات الولايات المتحدة بنسبة 50-52 في المائة في عام 2030 دون مستويات عام 2005.
وفي هذا الصدد قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن هذه القمة تأتي في إطار الاستراتيجية الأمريكية لتكريس الدور الأمريكي جنوب الصحراء، وتأتي في إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء النفوذ الصيني في أفريقيا، وكذلك التغلغل التركي والإيراني والروسي في إفريقيا جنوب الصحراء.
وأضاف هريدي - خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أن هناك مبادرات أمريكية موجهة للشباب الإفريقي خصوصاً لصغار رجال الأعمال الأفارقة، أيضاً هناك برامج لدعم المرأة، وبرامج تدريب وتقديم مساعدات إنمائية محدودة لعدد من الدول الإفريقية في سبيل تكريس الدور الأمريكي في القارة الإفريقية.
ولفت مساعد وزير الخارجية السابق: فيما يخص دعم الولايات المتحدة في ملف الأمن الغذائي والتغيرات المناخية - فإن الولايات المتحدة أنشأت صندوق للأمن الغذائي، وكذلك استضافت قمة عالمية هذا العام تخص الأمن الغذائي، وبالنسبة للتغيرات المناخية فإن التشريع الأمريكي الجديد، والذي يسمى القانون الأمريكي "قانون خفض التضخم"، فقد تم تخصيص ميزانية له بلغت 400 مليار دولار، منها 386 مليون دولار موجهة للطاقة البديلة للحد من الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة موجودة في جميع التكتلات الدولية، التي تعمل على الأمن الغذائي والحد من التغيرات المناخية، ولكن تواجدها له أبعاد استراتيجية تتعلق بالتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وبين الصين وروسيا من جانب آخر.
وكشفت الولايات المتحدة في أغسطس 2022 عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب، حيث قال بلينكن - خلال زيارة إلى بريتوريا بالقارة الإفريقية: "نتطلع قبل كل شيء إلى شراكة حقيقية بين الولايات المتحدة وافريقيا لا نريد علاقة غير متوازنة".
كما أن هناك وثيقة تحمل عنوان "استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء" تعرض بالتفصيل أربعة أهداف تمتد لخمس سنوات: دعم المجتمعات المفتوحة وتقديم مكاسب ديموقراطية وأمنية والعمل على الانتعاش.
وأكد مشاركون في مائدة مستديرة حول "الاستثمار في إفريقيا" عقدت في فبراير 2022، دعم إدارة الرئيس بايدن توجيه الاستثمارات إلى القارة السمراء، موضحين أن عام 2019 شهد عقد الإدارة الأمريكية 107 صفقات في مجال الطاقة و75 نشاطًا تجاريًا زراعيًا و54 صفقة في الرعاية الصحية، و43 في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بجميع أنحاء إفريقيا بقيمة إجمالية بلغت 50 مليار دولار.
مبادرة لازدهار إفريقيا
وأكد سامويل روبيرج المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأمريكية - خلال تصريحات صحفية
أن هناك مبادرة تسمى "ازدهار إفريقيا" على مستوى الحكومة تستفيد من خدمات وموارد 17 وكالة حكومية أمريكية لزيادة التجارة والاستثمار بشكل كبير بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
وتجمع مبادرة "ازدهار إفريقيا" مجموعة كاملة من موارد الحكومة الأمريكية لربط الشركات الأمريكية والأفريقية بالمشترين والموردين الجدد وفرص الاستثمار.
وتفتخر حكومة الولايات المتحدة - بأنها ساعدت في إبرام 900 صفقة عبر 45 دولة أفريقية بقيمة تقديرية تبلغ 50 مليار دولار في الصادرات والاستثمارات الجديدة منذ إطلاق مبادرة "ازدهار إفريقيا" في العام 2019.
وسيعقد خلال قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا منتدى أعمال أمريكي - إفريقي؛ لإبرام المزيد من الصفقات، وللإعلان عن التزامات جديدة من الشركات الأمريكية والإفريقية والحكومات والمستثمرين.