صدرت مؤخرًا رواية «زيرة رجال» للكاتبة والروائية نادين البدير، عن شركة مدبولي للنشر.
قراءة للرواية
كما مع عباقرة المسرح العالمي حين يتمحور العمل حول شخص واحد يؤدي مختلف أنواع الأدوار فيرسل ما يملك إلى جمهور يتلقى عشرات «الرسائل» ويتفاعل معها، تتميز نادين البدير الكاتبة والإعلامية السعودية في باكورة رواياتها «زيرة رجال» في الدمج بين شخصيتين متتاليتين في كل مرحلة من مراحل الكتابة، تبوح بالقصص وحدها متسيدة المشهد مرسلة ما تملك إلى جمهور قارئ يتلقى عشرات الرسائل التي تريد، ليس إيصالها فحسب، بل وغرزها إن أمكن في أرض كانت إلى وقت قريب عصية على استقبال ما تزرعه هذه الإعلامية المتمردة.
انفصامات متتالية في الكتاب تؤدي في النهاية إلى منطقة توحد. نادين المتمردة ونادين الشرقية والحوار الدائر الدائم بينهما. نادين اللطافة والأناقة والكلمة الجميلة لمن يعرفها ونادين زيرة الرجال المتكبرة المتغطرسة. نادين الامرأة وعلاقتها بالرجل. نادين الابنة ونادين الأسرة. نادين الإنسانة ونادين المدن. نادين الكاتبة وسيمون دي بوفوار. نادين الجريئة وفرخندة الأفغانية. وهكذا يتنقل القارئ بين ضفاف هذا النهر الكبير من الأفكار والعبارات، مبهوراً بحجم الجرأة المترافقة أحياناً مع حقد شخصي ومجتمعي.
رحلة ممتعة
قراءة «زيرة الرجال» رحلة ممتعة. نادين تصر على مخاطبة العقل للارتقاء بالغرائز من دون الدعوة إلى محاربتها، بل إلى مصادقتها والتعايش معها ورفع أغطية القمع عنها. إنما مثل لعبة رياضية سريعة يلهث المرء فيها لمعرفة مكان الكرة، تركض متابعة القارئ خلف مضامين العبارات في الكتاب للحاق ما أمكن بالفكرة (التي تربح السباق في الغالب)، فيضطر إلى التوقف قليلاً وإعادة المشهد بشكل بطيء على قاعدة «الفلاش باك» قبل إكمال القراءة.
«كيف يمكن الجمع بين الرؤية العميقة للحياة والإنسان وتحمل جموع بشرية من الفكر السطحي في آن؟ أسمعك بقوة ترددي: حتى لو اتبعتك فلا أريد بلوغ هذه الدرجة من الكبر. وكل هذه الفوقية التي تتحدثين بها»... من بدايات الحوار بين نادين ومن تصفها بـ«أنا». حوار تريده صادماً منذ البداية.
ورحلة القراءة ممتعة، خصوصاً لمن يعرف نادين البدير شخصياً، فقد كانت الأجرأ في التمرد على كل القيود وأجرها الإنساني مضاعف هنا. وهي ليست طارئة على التمرد في أجواء الانفتاح، بل فعلت ذلك حين كانت للعتمة أنياب وأظافر قادرة على افتراس أي فكر تنويري مختلف. وهي لا تسامح ولا تنسى بعض دعاة التطرف الذين قتلوا المدن قبل توريد الأشخاص إلى التهلكة. تكتب متهكمة: «الأمة سعيدة لأن الشيخ يعلن يومياً عن إباحة جديدة كان يهرطق ويهدر دم من يطالب بها. كيف تصدقوه؟ ولماذا تصفقون له، ولم تصفقوا لي ذات يوم، حين طالبت بنفس الحق؟ لماذا وقفتم ضدي في ذلك التاريخ؟ وشاركتم بتشويه نسبي وسمعتي؟ كيف تطلبون ممن كان ينشر العنف ويوزع السلاح اعتلاء مسرح التسامح؟ هل يتصدر المشهد زمن القاعدة وزمن التحرير؟ أم يحبس نفسه في أحد المعابد، ليوزع الابتسامات على المصلين والزائرين؟».