ونحن على أعتاب فصل الشتاء القارس في شمال أوروبا، فإن خوض الحرب في هذا الفصل يحمل ذكريات تاريخية لدى الاتحاد السوفيتي الأب الشرعي لروسيا الحالية، ففي أكبر حربين من حروب السوفيت كان الشتاء سلاح تكبدهم خسائر كبيرة وأعاق تقدمهم في بداية الهجوم على فنلندا، بينما كان الشتاء هو المنقذ لهم من اجتياح النازيين لأراضيهم في الحرب العالمية الثانية، وكذلك من اجتياح جيوش نابليون.
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، قد صرح بأن روسيا ستواصل على الأرجح مهاجمة شبكة الكهرباء والبنية التحتية للغاز في أوكرانيا، وكذلك الخدمات الأساسية فيها.
وأضاف ستولتنبرغ في مؤتمر صحفي ببوخارست بدء اجتماع لوزراء خارجية دول الحلف: "القيام بذلك ونحن على أعتاب الشتاء يُظهر أن الرئيس فلاديمير بوتين يحاول حاليا استخدام.. الشتاء سلاح حرب ضد أوكرانيا".
حرب الشتاء .. خسائر الجيش الأحمر في فنلندا
حرب الشتاء، تعرف أيضا باسم الحرب السوفيتية الفنلندية الأولى، وكانت حربًا بين الاتحاد السوفيتي، وجيشه الشهير بـ"الجيش الأحمر"، ضد فنلندا، حيث اندلعت الحرب بغزو سوفيتي لفنلندا في 30 نوفمبر 1939، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية وانتهت بعد ثلاثة أشهر ونصف بمعاهدة موسكو للسلام في 13 مارس 1940.
تكبد الاتحاد السوفيتي خسائر فادحة ولم يحرز تقدمًا يُذكر في البداية، على الرغم من قدراته العسكرية المتفوقة خاصةً في الدبابات والطائرات، اعتبرت عصبة الأمم الغزو غير قانوني وطردت الاتحاد السوفيتي من المنظمة.
قدم السوفيت عدة مطالب من ضمنها تنازل فنلندا عن مناطق حدودية شاسعة مقابل مناطق في مكان آخر، لأسباب أمنية تتمثل في حماية لينينغراد في المقام الأول، والواقعة على بعد 32 كم (20 ميل) من الحدود الفنلندية، وعندما رفضت فنلندا، غزاها الاتحاد السوفيتي.
صدت فنلندا الهجمات السوفيتية لأكثر من شهرين وألحقت خسائر فادحة بالغزاة، في فترة وصلت فيها درجات الحرارة إلى حدها الأدنى بمقدار -43° (-45 ف)، ولكن عندما أعاد الجيش السوفيتي تنظيم صفوفه وتبنى تكتيكات مختلفة، جدد هجومه في فبراير وتغلب على الدفاعات الفنلندية.
وتوقف القتال في مارس 1940 بعد توقيع معاهدة موسكو للسلام تنازلت فنلندا بموجبها عن 9% من أراضيها إلى الاتحاد السوفيتي، بالنسبة إلى الجانب الآخر، كانت الخسائر السوفيتية فادحة وتضررت سمعة البلاد الدولية، إلا أن مكاسبها تجاوزت مطالبها قبل الحرب، فضم الاتحاد السوفيتي مناطق واسعة على طول بحيرة لادوغا وفي أقصى الشمال.
نابليون:الشتاء كارثتنا .. أصبحنا ضحايا الطقس الروسي
قام الجيش الفرنسي الكبير البالغ قوامه 600 ألف جندي بقيادة نابليون بغزو روسيا في يونيو من عام 1812، ولم يكن الجيش الروسي يصل في حجمه إلى نصف قوة الجيش الفرنسي فحسب، لكنه لم يعرف في البداية ما إذا كان هدف بونابرت هو موسكو أم سان بطرسبرج.
وتبنت القوات الروسية سياسة التراجع الاستراتيجي حيث استفزت الغزاة لكنها رفضت الانخراط في معركة ضارية، وعندما تولى المارشال ميخائيل كوتوزوف القيادة، وافق على مضض على أن الروح المعنوية الروسية تتطلب المواجهة، وقد أسفرت معركة بورودينو عن خسائر فادحة في صفوف الجيش الروسي.
وبعد أسبوع واحد دخل نابليون موسكو، وانتظر هناك لسفارة السلام التي افترض أنها ستأتي من القيصر، ومع مرور شهر، واندلاع الحرائق في جميع أنحاء المدينة وتزايد الجوع وعدم السيطرة على قواته، أمر نابليون بالانسحاب.ظل كوتوزوف يتابع الفرنسيين مع عودتهم إلى الغرب، رافضا الاشتباك على الرغم من إلحاح جنرالاته. فهو لم ير أي حاجة لخوض معركة أخرى فقد كان نابليون يغادر على أي حال، وكان راضيا عن السماح لغارات القوزاق باستنزاف الخطوط الفرنسية، ومع انخفاض درجات الحرارة ترك الباقي لحليفه الأكبر "الجنرال الشتاء".
وبالفعل، عندما اجتاحت العاصفة الثلجية الأولى الجيش، وأعقبها ذوبان الجليد والصقيع حدثت الغالبية العظمى من خسائر نابليون، فبعد أن أحاط به الجليد، أخذ الجيش ينسحب عبر ساحات المعارك، ولم يجد مأوى من قسوة المناخ، لم تكفه المؤن المتضائلة مع لجوء الروس لسياسة الأرض المحروقة.
ومع استمرار الثلج بالهطول، كان الجنود الفرنسيون يفتقرون للملابس الدافئة والأحذية، لم يكونوا مستعدين لفصل الشتاء، وما إن بدأت الحرارة تهبط إلى 30 درجة تحت الصفر حتى بدأ الرجال يتجمدون، وفي 12 نوفمبر من عام 1812، كانت قوات نابليون التي وصلت إلى مدينة فيازما قد انخفض عددها بالفعل إلى حد كبير، وواصلت القوات الفرنسية انسحابها من الأراضي الروسية متكبدة خسائر كبيرة حتى وصلت إلى نهر بريزينا حيث قرر الروس اعتراض طريق الفرنسيين هناك.
وفي رسالة وجهها إلى زوجته الإمبراطورة ماري لويز، أوضح نابليون بونابرت أسباب هزيمته في روسيا قائلا: "الشتاء كان كارثتنا، أصبحنا ضحايا الطقس الروسي".
معركة موسكو .. انتهاء اسطورة جيش هتلر بالشتاء
معركة موسكو إحدى المعارك الجبهة الشرقية أثناء الحرب العالمية الثانية وتعد من المعارك المصيرية التي غيرت مسار الحرب وقلبته على ألمانيا النازية. بدأت المعركة في أكتوبر 1941 وإستمرت حتى أبريل 1942، وذلك للسيطرة على موسكو أكبر مدينة سوفيتية والتي تعد مركز الصناعة والأقتصاد السوفيتي.
كان الألمان قد وقفوا على بعد 30 كم من موسكو حيث أن القادة الألمان يستطيعوا رؤية بنايات موسكو. بدأت القوات الروسية بهجوم مضاد مما أدى إلى خروج القوات الألمانية من ضواحي موسكو. بلغ عدد الجنود السوفيت في تلك المعركة 1.250.000 جندي، 1000 دبابة أما الجنود الألمان 1.000.000 جندي، 1700 دبابة. انتهت بنصر روسي أدى إلى تغير مسار الحرب.
أحرز جيش الدبابات الالماني أكتوبر عام 1941 نجاحا عسكريا كبيرا في جنوب غرب موسكو باستيلائه المفاجئ على مدينة أوريول، الأمر الذي شكل مقدمات لمحاصرة الجيوش السوفيتية في منطقة مدينة بريانسكـ، واضطرت القيادة السوفيتية الى زج احتياطياتها في المعركة، وما ادى الى انخراط التشكيلات الالمانية المتقدمة في اشتباكات دامية مع الوحدات المدرعة السوفيتية.
ولكن مع دخول شهر ديسمبر بدأ الهجوم السوفيتي، في ظروف التفوق الالماني في الأفراد والدبابات والطائرات، الامر الذي فاجأ الجيوش الالمانية التي استنفدت طاقتهم الهجومية، وتم توجيه ضربات قوية الى الالمان من الشمال والجنوب والشرق، فانسحبوا مهددين بخطر المحاصرة.
وتم تحرير مقاطعتي موسكو وتولا ومدينتي تولا وكالوغا الكبيرتين وعدد كبير من المدن والقرى. كما تم دفع القوات الالمانية عن موسكو الى مسافة تتراوح بين 100 و250 كيلومتر، وفي الفترة ما بين يناير ومارس شن الجيش الاحمر هجوما شاملا في أهم الاتجاهات الاستراتيجية.
وكان لانتصار القوات السوفيتية على الالمان في معركة موسكو اهمية سياسية وعسكرية ودولية كبيرة، وأسفر الهجوم المضاد السوفيتي عن دحر 38 فرقة ألمانية، بما فيها 11 فرقة مدرعة و4 فرق ميكانيكية، وترك الألمان في حقول ضواحي موسكو آلاف المدافع ومئات الدبابات وعدد كبير من الآليات الحربية الاخرى.
وأحبط النصر السوفيتي في ضواحي موسكو خطة هتلر لخوض الحرب الخاطفة ضد الاتحاد السوفيتي، وكانت الهزيمة في معركة موسكو أول هزيمة للقوات الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، مما أدى الى تغيير طبيعة الحرب وجعلها تحمل طابعا استنزافيا عديم المستقبل لألمانيا.
وبدد دحر القوات الالمانية في معركة موسكو أسطورة الجيش الأماني الذي لا يقهر ووجه ضربة الى الروح المعنوية للألمان وثقتهم بالنصر في الحرب، وكان انتصار القوات السوفيتية في المعركة يعني بدء الانعطافة في الحرب الوطنية العظمى والحرب العالمية الثانية .