عقب انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، التي كشفت نتائجها عن توازن الكتلتين الجمهورية والديمقراطية في كل من غرفتيه دون تحقيق أي من الكتلتين لأغلبية كبيرة، عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤتمرا صحفيا الأربعاء الماضي أعرب خلاله عن رضاه بتلك النتائج مؤكدا أن التوقعات بشأن ما يسمى بـ "الموجة الحمراء"، أو فوز الجمهوريين بأغلبية كبيرة، ثبت خطؤها.
دعم أوكرانيا على المحك بعد التجديد النصفي
وبالنسبة للمراقبين خارج الولايات المتحدة، كان الحديث عن الوضع في أوكرانيا هو الموضوع الأهم الذي انتظروا تعليق بايدن عليه، وقد أعرب عن أمله في تعاون الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب معه، حيث قال إنه مستعد للعمل معهم وإن الشعب الأمريكي يتوقع منهم الاستجابة لمساعي إدارته لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وفي القلب منها الموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا، حسبما ذكر موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي.
ومن المتوقع أن تؤثر خسارة الديمقراطيين للأغلبية في مجلس النواب على تنفيذ أجندة بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ومن الآن فصاعدا سيجد بايدن نفسه مضطرا لمناقشة قراراته بشأن أوكرانيا مع الجمهوريين، كما ستحدث الأزمات الاقتصادية المتتالية في أوروبا اضطرابا سياسيا، خاصة مع التدفق المتوقع للاجئين الأوكرانيين على دول الجوار هربا من ظروف الشتاء القاسية.
وستلقي هذه المعطيات بتبعات ثقيلة على دول الغرب، وقد جاءت زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين الأسبوع الماضي لتؤكد ذلك، ومن ناحية أخرى تهدد التعبئة الجزئية للجيش الروسي بتوجيه ضربة مؤثرة للجيش الأوكراني، ورغم ذلك لا يبدي حلفاء أوكرانيا أي استعداد للمواجهة العسكرية مع روسيا، حيث تركز كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على معالجة المشكلات الداخلية لديهما، خاصة مع التحدي الذي تواجهه الحكومة البريطانية الجديدة لسد فجوة تمويلية تقدر بـ 50 مليار جنيه استرليني.
إشارات إلى التسوية في أحاديث بايدن
وفي معرض إجابته على سؤال عما إذا كان الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيستمر دون أي توقف، قال بايدن إن الولايات المتحدة لا تمنح أوكرانيا دعما مفتوحا بلا نهاية، بل تقدم لها المساعدات التي تعينها على الدفاع عن نفسها فقط.
ولفت بايدن إلى أن قادة مجموعة العشرين ناقشوا مستجدات الوضع في أوكرانيا على هامش مشاركتهم في قمة المجموعة التي عقدت في جزيرة بالي الإندونيسية يومي 15 و16 من نوفمبر الجاري، رغم تغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عنها وحضور وزير خارجيته سيرجي لافروف ممثلا عن روسيا، وأوضح بايدن أن القمة شهدت نشاطا دبلوماسيا مكثفا في هذا الصدد.
ويمكن القول إن حضور لافروف قمة مجموعة العشرين في بالي كان مهما، حيث تواصل مع نظرائه الغربيين بشكل مباشر، وقد قال رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي مارك مايلي خلال كلمة له في افتتاح منتدى نيويورك الاقتصادي الأربعاء الماضي في جوابه على سؤال عن مدى إمكانية جلوس روسيا وأوكرانيا إلى مائدة المفاوضات، إن هناك فرصة كبيرة لذلك تلوح في الأفق ولابد من استغلالها.
ومن اللافت للنظر أن بايدن جاء على ذكر المفاوضات أكثر من مرة، وهو ما يعكس تحولا ملحوظا في موقف الولايات المتحدة التي شدد مسئولوها مرارا وتكرارا على حتمية انسحاب روسيا من كامل الأراضي الأوكرانية، وقد أكد بايدن أن قرار التفاوض بيد طرفي الأزمة ولا يتعين على أحد فرضه على أي منهما.
وأكدت تصريحات بايدن الأنباء التي انفردت بها قناة "إن بي سي نيوز" الأمريكية الأربعاء الماضي، حيث نقلت عن مصادر مطلعة أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان كان قد قام بزيارة لم يعلن عنها إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي، للوقوف على مدى استعدادها للاستجابة للجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء النزاع.
وأبرزت قناة "آر تي" الروسية تقرير قناة "إن بي سي نيوز" وسلطت الضوء عليه بإيعاز من الكرملين، كما علقت عليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قائلة إن بلادها منفتحة على خيار التفاوض ولم ترفضه قط، وهي مستعدة للانخراط في المفاوضات مع الأخذ في الاعتبار مستجدات الوضع على الأرض.
الانسحاب الروسي من خيرسون.. لماذا يحبط آمال بايدن؟
ومن جانبها تؤكد السلطات الروسية أن انسحاب قواتها من خيرسون أملته الاعتبارات الأمنية، بناءً على توصيات الجنرال سيرجي سوروفيكن قائد العمليات العسكرية في أوكرانيا، الذي قال خلال كلمة متلفزة له إن الانسحاب من خيرسون سيعزز خطوط الجيش الروسي الدفاعية وسيحفظ أرواح الجنود والمدنيين على السواء.
وعلى الجانب الآخر تحطمت آمال بايدن التي أعلن عنها سابقا في تغير النظام الحاكم في روسيا، ورغم ذلك يمكن للولايات التحدة أن تتنفس الصعداء إذ يدل انسحاب روسيا من غرب نهر دنيبر بمقاطعة خيرسون على عدم نيتها التقدم صوب مقاطعتي ميكولايف وأوديسا الأوكرانيتين على الأقل في المدى المنظور.
وكان بايدن قد علق على انسحاب القوات الروسية من مقاطعة خيرسون الأوكرانية بقوله إن هذه الخطوة كانت متوقعة، وإن اللافت للانتباه في الأمر هو أن موسكو انتظرت حتى انتهاء انتخابات التجديد النصفي، وإن لم يجب بشكل واضح عما إذا كان هذا الانسحاب سيفتح المجال لأوكرانيا للتعاطي الإيجابي مع اقتراح بدء المفاوضات مع روسيا، مكتفيا بالقول إن هذه الخطوة ستسمح لكلتا الدولتين بإعادة تقييم وضعها واتخاذ القرار المناسب لها خلال فترة الشتاء، وأن على الجميع أن ينتظر ليرى مدى استعداد أوكرانيا للتفاوض.
وفي حال تمكنت القوات الأوكرانية من الاستيلاء الكامل على خيرسون وتهديد شبه جزيرة القرم، سيشكل هذا تحديا كبيرا لإدارة بايدن رغم أنها تثق في قدرتها على منع كييف من التصعيد.
ومن المبكر الآن الحديث عن احتمال اتخاذ روسيا قرارا صعبا بالتخلي نهائيا عن خيرسون التي تأسست في عهد القيصرة كاثرين العظمى، والتي تحتل مكانة هامة في الوجدان الجمعي الروسي، ومن المؤكد أن واشنطن ستمنع كييف من الاستمرار في مطاردة القوات الروسية المنسحبة إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبرو.