لا تزال الحضارة المصرية القديمة تبوح بأسرارها بين الحين والأخر، ليتضح لنا كيف كان قدماء المصريين يعيشون حياتهم، نشعر بالانبهار تجاههم تارة، ونتعلم منهم تارة اخرى، ومع أول انعقاد لمؤتمر المناخ على أرض مصر، كشف أحد المؤرخين عن مدى اهتمام قدماء المصريين بالتغيرات المناخية، وهو أحد أسرار عظمتهم.
اهتمام قدماء المصريين بالتغيرات المناخية
كشف الدكتور بسام الشماع، المؤرخ والمحاضر في علم المصريات، عن اهتمام قدماء المصريين بالتغيرات المناخية، الذي بدأ قبل 14 ألف سنة.
وأضاف المؤرخ، أن مصر منذ آلاف السنين مرت بتغيرات مناخية كبيرة، فالطقس استمر لمئات السنين مطير، حيث نبتت حشائش السافانا، وعاشت بعض الحيوانات مثل الزراف، والنعام، والأسود، والنمور، والفهود والفيلة، وظهرت هذه الحيوانات في النقوش الصخرية، حيث كان يصطادها المصري القديم باستخدام السهم والقوس، وحدوث تغير مناخي وتصحر جعل هذه الحيوانات تنسحب من مصر القديمة وتتجه جنوبا، حيث تتوفر الماء والخضرة، كما اختفى طائر الفلامينجو والنعام بسبب التغير المناخي".
جهاز لرصد التغيرات المناخية من 14 الف سنة
عرف المصري القديم، الأعاصير وهي موجودة في نبوءة "نفرتي"، التي ذكرت فيها وجود غمامة غطت الشمس.
وصمم قدماء المصريين دائرة من الأحجار قطرها 4 أمتار، بهدف معرفة مكان شروق قرص الشمس في أول يوم في فصل الصيف، حيث أشار الشماع إلى وجود هذه الأحجار في حديقة متحف النوبة، ويطلق عليها دائرة الأفلاك، لافتًا إلى أن الأحجار تعد أول جهاز ابتكره الإنسان لرصد التغيرات المناخية منذ 14 ألف سنة.
الشتاء عند المصري القديم
عرف المصري القديم الشتاء، والرياح والأعاصير، والثلوج، وذكرها في كتاباته الهيروغليفية، حيث قسم السنة لثلاث فصول موسم "الآخت"، وهو موسم الفيضان، ومدته 4 أشهر، وهو أول موسم في العام، ثم موسم "البريت"، والبعض كان يشبه هذه الكلمة بكلمة برد الحالية، والموسم الثالث موسم "الشمو"، وكل موسم 4 أشهر لتكتمل شهور السنة 12 شهرا".
وبرر المؤرخ، اهتمام المصري القديم بارتداء ملابس تقيه من البرد، بأن المصري القديم ارتدى بالفعل الملابس الشتوية الثقيلة، ويتضح ذلك في رسمة فرعونية تبين 4 سيدات يرتدين الملابس الثقيلة مع "شال" له لون بني مائل إلى الإحمرار، وأخرى بملابس بنية فاتحة مائل للاصفرار، وهذه الألوان الداكنة تناسب الشتاء، ولم يكن يرتدي طوال الموسم الكتان الشفاف الخفيف".
وبين أن صور ارتداء الملابس الشتوية تظهر في مقبرة لرجل اسمه "ايمين إم إنت"، وصاحب هذه المقبرة كاهن، في معبد "بتاح - سكر" للملك "إيمنحوتب الثالث" في الأسرة 18، وهو والد "إخناتون" وجد "توت عنخ آمون"، والمقبرة في البر الغربي للأقصر، وزوجة هذا الكاهن اسمها "نيفرتيري" وهي منشدة دينية للإله "إيمن" وفي صورها في المقبرة كانت تلبس ملابس طويلة مغطاة لونها يميل إلى الأحمر".
المصريون ابتكروا جوارب لتدفئة القدمين
في متحف الأقصر، توجد جوارب مصرية قديمة، تم تصميمها بحيث يكون إبهام القدم منفصل عن باقي الجورب، حتى يعطي الحرية لارتدائه كـ"شبشب" - حذاء خفيف، ليس له كعب، يمكن ارتدائه ونزعه بسهولة.
وكان هذا النوع من الجوارب مصنوع من قماش سميك، يدل على أنه كان يتم ارتدائه في جو البرد، وعمره يزيد عن 3300 عام، وهو في حالة جيدة للغاية من الحفظ، وهناك أمثلة كثيرة على الملابس الشتوية التي كان يرتديها المصريون.
صور الفراعنة بالملابس الصيفية فقط
وحول السبب في عدم رؤية المصريين على جدران المعابد بالملابس الشتوية، يؤكد الشماع أن ما حدث أن الناس تزور المقابر الشهيرة، فربما عدم زيارة المقابر التي تظهر فيها الملابس الشتوية هو سبب تعود الرائي على رؤية الملابس الخفيفة فقط.
كما أن هناك عاملا آخر، وهو اكتشاف 1% فقط من الآثار المصرية القديمة، كما ذكرت العالمة "سارة باركاك" من وكالة ناسا، وتعتمد على صور الأقمار الصناعية في إخراج الآثار، ووضع الإحصائيات.
وأشار إلى أن الصور على المقابر، تجسد صورة المصري القديم وهو يفلح الأرض بملابس خفيفة من الكتان مع زوجته، لها سبب كان يعتقد أنه يعمل في حقول الجنة، لكن هذه الملابس لا تعبر عن ملابسه في حياته اليومية العادية، وهناك أدلة على وجود ملابس شتوية من أعلى مستوى، مثل جلود الماشية، وجلود الماعز الجبلي، والظباء الأبقار بأنواعها المختلفة، والثيران، وشعر الخيول، وصور هذه الحيوانات مرسومة في المقابر القديمة بامتياز، كذلك فإن ارتداء المصري القديم طبقات مختلفة من الكتان كانت تكفي لتدفئته.
وأضاف الشماع: "تم اكتشاف عدد كبير من الصدريات التي يرتديها الرجال النساء، وكانت مزركشة بالنقوش الذهبية والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، ما يجعلها ثقيلة، وكانت تعلق على الأكتاف مثل الملابس الداخلية في الوقت الحاضر، وهي تستخدم في تدفئة منطقة الصدر بشكل كبير، كما يوجد في متحف ليفربول شيء يشبه الحزام وهو مصنوع من الكتان طوله يزيد عن 5 أمتار، يرجع للملك "رمسيس الثالث" وهو في حالة ممتازة، واعتقد العلماء بسبب طوله أنه حزام عسكري، وكان بسبب طوله يمكن لفه من البطن حتى الصدر ما يجعله يوفر حماية وتدفئة للجسم في نفس الوقت".