أكد أستاذ الآثار والمسكوكات الإسلامية، عميد كلية الآثار بجامعة الفيوم الدكتور عاطف منصور، أن الآثار في تعريفها البسيط هي رسالة من الماضي البعيد إلى الزمن الحاضر، مشيراً إلى أن منها الثابت ومنها المنقول، وبالنسبة لنا الآن هي آثار، لكن لمن صنع الحضارة كانت منتجاً يومياً يقوم صانع هذا الأثر بعمله، فهو المنتج الذي كان يعيش ويتعامل به ويستخدمه، ومع مرور الزمن صار بالنسبة لنا من الأشياء القديمة التي يجب أن ننظر لها بعين الاعتبار.
وقال منصور خلال جلسة «توثيق المسكوكات لتاريخ إمارة الشارقة في العصر الإسلامي»، التي أقيمت ضمن فعاليات «معرض الشارقة الدولي للكتاب 41»: «يجب ألا ينظر الباحثون إلى الآثار الثابتة فقط، لكن يجب النظر أيضاً بعين الاعتبار للآثار المنقولة، لأن هناك بعض المناطق التي لا تتوفر فيها الآثار الثابتة نظراً لعواملها الجغرافية»، موضحاً أن الآثار المنقولة تتمثل في الخزف والمسكوكات، وبالتالي علينا البحث عن مصادر غير تقليدية لتاريخ الدول، لذلك كان العلماء يقفون حائرين لمحاولة استقراء تاريخ الدول من خلالها.
وأضاف منصور: «من أهم الآثار المنقولة المسكوكات، وحينما اختُرعت كانت أداة اقتصادية بحتة بهدف أن تكون وسيطاً للمبادلة، وتسهل العمليات التجارية بين الناس وتحل إشكاليات كبيرة جداً بسبب نظام المقايضة الذي كان موجوداً آنذاك»، لافتاً إلى أن النقود هي التي تعارف عليها الناس وقبلوها، وتحولت من مجرد أداة اقتصادية إلى وثيقة تعبّر عن تاريخ الدول، لأن الدول بدأت تضع رموزها وأسماء حكامها على المسكوكات.
لا وطن للمسكوكات
وتابع: «يعود تاريخ المسكوكات المكتشفة إلى الألف الثالث قبل الميلاد في بلاد الرافدين وتطورت في مختلف دول العالم، وأخيراً تم اكتشاف كنز من 409 قطع في الشارقة»، مؤكداً أن المسكوكات تطورت حتى وصلت إلى شرق العالم الإسلامي والهند.
وأوضح منصور أن المسكوكات الإسلامية تميزت بأمور لم تكن متوفرة في المسكوكات الأخرى، لأنها كانت تحمل تاريخ سكّها مع اسم الحاكم والعلامات والشعارات وغير ذلك، وبالتالي فهي وثيقة مهمة.
وأشار إلى أنه من الممكن دراسة تاريخ مكان ما من خلال مسكوكات ظهرت في مكان آخر، وشرح أن الموقع الجغرافي لإمارة الشارقة ارتبط بحركة التجارة وحركة الجيوش، فحينما كان أي جيش إسلامي يتوجه لفتح سيجستان أو موكران أو طبرستان، كان يمر على هذه المنطقة، وكذلك الحركة التجارية.
وقال الدكتور عاطف منصور: «الموقع الجغرافي لأي منطقة مواجهة للبحر ولها ظهير صحراوي من الصعب أن تجد به بنايات تستمر بسبب عوامل التعرية والتغيرات المناخية، فبالتالي الجزء المؤثر الذي يؤرخ لهذه المنطقة هو ما يوجد من آثار، فالمسكوكات تؤرخ وتعرفنا العديد من الجوانب».
وأضاف: «إن الاكتشافات الأخيرة في الشارقة كشفت عن العديد من المسكوكات التي أشارت إلى العديد من الأحداث التاريخية التي لم يؤرخ لها، وبالتالي نبدأ منها استخراج المعلومات التي نستطيع من خلالها رسم حضارة المنطقة».