حازت مدينة شرم الشيخ بإشادة عالمية من كافة الوفود المتواجدة بمؤتمر الدول الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ “COP27” المنعقد في شرم الشيخ خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري، خصوصا كونها تعد أحد المدن الخضراء حول العالم.
وكان مخطط الدولة المصرية بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعلان تحويل مدينة شرم الشيخ لتكون إحدى المدن الخضراء حول العالم، هو الدافع الأول الذي جعل العالم يوافق على إقامة المؤتمر بمصر، وهو الذي يجعل من الضروري معرفة قصة "المدينة الخضراء".
بداية الفكرة
ويرجع فكرة المدينة الخضراء بمفهومها الشامل والمحدد إلى مبادرة "المدن الخضراء" التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة في سبتمبر 2020، والتى تهدف إلى تحسين سبل عيش سكان المناطق الحضرية وشبه الحضرية ورفاههم في 100 مدينة على الأقل حول العالم خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، في حين تتطلع إلى انضمام 000 1 مدينة إليها بحلول عام 2030.
وأعلنت المنظمة في بيانها الأول عن المبادرة، أن "المدن الخضراء" تهدف لإعادة البناء بشكل أفضل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهى المبادرة التي تم إطلاقها على بالتزامن مع الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بالتركز على المدن الصغيرة والمتوسطة والمتروبولية.
أساس الفكرة
تعتمد فكرة المدن الخضراء على تبني مجموعة من المواصفات القياسية للاستفادة من الطاقة البديلة وخفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وذلك في مواد البناء مثل الأسطح العازلة لحرارة الشمس أو برودة الجو،
وتشمل المبادرة توفير في هذه المبانٍ مجموعة من العناصر التي تنسجم مع البيئة، وهي ترشيد استهلاك الطاقة واستخدام المواد العازلة للاستفادة منها من ناحية التكييف والتدفئة، بالإضافة إلى إعادة استخدام المياه واستخدام أسلوب الحصاد المائي، فضلا عن مجموعة من العناصر الاخرى التي تحسن من حياة قاطن المسكن وبالوقت ذاته تقلل من تلوث البيئة.
ومن ضمن أهداف المبادرة اعتماد تلك المدن على المباني الخضراء، والتي تعتمد على منظومة متكاملة من الإجراءات والحلول التي تطبق على مرافق المبنى أو المشروع العقاري فتقلل من مصروفات الطاقة والفاقد، وتحولها إلى عناصر مفيدة للبيئة وللمبنى ولساكنيه.
ومن أهداف المدن الخضراء تحقيق كلا من الأمن الغذائي إنتاج كامل مكونات السلة الغذائية، والأمن الاجتماعي باستثمار الطاقات البشرية الشابة والخريجين الجدد، وأمن الطاقة باستثمار مصادر الطاقة المتجددة.
حلم ذكره الأدباء والكتاب
وبداية الحديث عن المدن الخضراء يرجع لفكرة التنمية المستدامة، وهى التى ظهرت في الإرث الأدبي والعلمي لعدد من الكتاب والمثقفين، حيث تحدثوا وجود مدينة صممت مع مراعاة الأثر البيئي، والتي يقطنها شعب مخصص لتقليل المدخلات المطلوبة من إنتاج الطاقة والمياه والمواد الغذائية، والنفايات من الحرارة، وتلوث الهواء - CO2، والميثان، وتلوث المياه.
ويعد ريتشارد سجل أول من صياغة لمصطلح «المدن البيئية» في كتاب له 1987، بيركلي المدن البيئية، حيث كتب عن بناء مدن من أجل مستقبل صحي، وهناك شخصيات بارزة أخرى تصورت المدينة المستدامة منهم المهندس المعماري داونتن بأول، وكذلك تيموثي وستيفن ليمان، الذين كتبوا على نطاق واسع حول هذا الموضوع.
مواصفات المدينة الخضراء
وتضمن صورة المدينة المستدامة التى صاغتها المنظمات الدولية المعنية بتلك المبادرة مواصفات أهمها :
نظم زراعية مختلفة مثل المخططات الزراعية داخل المدينة (الضواحي أو في الوسط).
مصادر الطاقة المتجددة، مثل توربينات الرياح، والألواح الشمسية، أو الغاز الحيوي التي تم إنشاؤها من مياه الصرف الصحي.
وسائل مختلفة للحد من الحاجة لتكييف الهواء، مثل زراعة الأشجار وتخفيف الألوان السطحية، ونظام التهوية الطبيعية، وزيادة في المسطحات المائية، ومساحات خضراء، ما يعادل ما لا يقل عن 20٪ من مساحة المدينة.
تحسين وسائل النقل العام وزيادة في طرق المشاة للحد من انبعاثات السيارات.
كثافة البناء المثلى لجعل وسائل النقل العام قابلة للحياة ولكن تجنب خلق جزيرة الحرارة الحضرية.
حلول لتقليل الزحف العمراني، من خلال اكتشاف وسائل جديدة لتمكين الناس من العيش أقرب إلى مساحة العمل.
تعميم فكرة الأسطح الخضراء.
وسائل النقل عديمة الانبعاثات .
التوسع في فكرة بناء صفر الطاقة.
انظمة الصرف الصحي المستدامة في المناطق الحضرية أو رغوة الصابون.
أنظمة الحفاظ على الطاقة/ لأجهزة.
أشهر المدن الخضراء حول العالم
تعتبر مدينة فانكوفر كولومبيا البريطانية أحد أبرز الأمثلة على تبني مبادئ المدن الخضراء، حيث حققت نسبة غير مسبوقة في خفض انبعاثات الكربون وجودة الهواء، نتيجة الاهتمام بنشر الطاقة الخضراء واستخدام الطاقة الكهرومائية، بالإضافة إلى مدينة كوريتيبا بالبرازيل، حيث أصبحت المدينة التي تقع في جنوب البرازيل من أكثر المدن الخضراء على مؤشر سيمينز، منذ إنشاء أول أنظمة أتوبيسات سريعة في الستينيات من القرن الماضي، وتطوير برنامج إعادة التدوير في الثمانينيات.
وبالمنطقة العربية هناك مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، والتي يبلغ عدد سكان المدينة المستدامة حوالي 3000 نسمة، يعيشون في شقق ومنازل مستقلة تغطيها الألواح الشمسية، بهدف ترشيد استهلاك الطاقة، كما تم إطلاق "وثيقة الخمسين" التي تتضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الماء والطاقة لما نسبته 10% من المنازل في المدينة المستدامة، ليس هذا وحسب إذ تضم المدينة مسارا مخصصا للدراجات الهوائية يبلغ طوله 140 كيلومترا، والعمل جارٍ للوصول إلى مسار بطول 500 كيلومتر.
لا يمكن لقائمة المدن الخضراء أن تكتمل دون وجود ريكيافيك العاصمة الأيسلندية، وأكبر مدنها ومراكزها الثقافية، ريكيافيك، ويعيش في المدينة حوالي 120 ألف نسمة (أي ما نسبته 40% من مجمل سكان أيسلندا)، وجميعهم يطمحون لتقليل مساهمات مدينتهم في تغيّرات المناخ، ولأن يكونوا من الرائدين عالميًا في مجال الطاقة المتجددة. وضعت ريكيافيك لنفسها هدفًا رائعًا بأن تكون خالية تمامًا من الوقود الأحفوري بحلول عام 2050.
أما فيما يتعلق بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فالعاصمة الأيسلندية تعدّ بالفعل واحدة من أكثر المدن خضرة وأقلها إصدارا لهذه الغازات على مستوى العالم.
مصر تتبنى مفهوم واستراتيجية المدن الخضراء
وفيما يخص مصر، ورؤية القيادة السياسية وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي لمفهوم المدينة الخضراء، فقد تم الإعلان بشكل واضح، أن مصر تهدف إلى تطوير مستقبل المدن المصرية بشكل مستدام في ظل الظروف الراهنة والتحديات المستقبلية للتغيرات المناخية، والحاجة الملحة إلى فتح مجالات جديدة للتنمية الخضراء، لتؤد جانبا هاما في إطار رؤية مصر٢٠٣٠، وخلق مناطق تميز في الصحراء المصرية، تسهم في الحدّ من الكثافة السكانية في المدن القائمة، وجذبها من الوادي الضيق إلى المناطق الجديدة المهيأة، مما يساعد على خلخلة الكتلة العمرانية القائمة، التي بدأت تعاني بالفعل من التدهور البيئي الشديد.
وعملت مصر على تشكيل «وحدة المدن المستدامة والطاقة المتجددة» بالقرار الوزاري رقم (512) لسنة 2014، وتقوم هذه الوحدة بوضع اقتراح للاستراتيجية والخطط اللازمة لضمان توفر معايير العمران الاخضر المستدام فى المدن الجديدة، وعلى الأخص فيما يتعلق باستخدامات الطاقة وتقديم الدعم الفنى والتقني والاستشارات والدراسات اللازمة لذلك سواء على مستوى المدن الجديدة القائمة او المدن المزمع انشاؤها، بالإضافة إلى اقتراح الأطر الاستراتيجية والمعايير ذات الصلة بمصادر نظم واستخدامات الطاقة فى المدن الجديدة، خاصة ما يتعلق منها بترشيد الاستهلاك واستخدام المصادر المتجددة، وذلك بمراعاة تنوع الموارد الطبيعية والخصائص المناخية والجغرافية فى مصر.
وبدأت مصر في إنشاء تلك المدن حيث عملت إحدى شركات العقارات على تطور عمرانى، وإنشاء مدينة "أليكو" كمدينة مستدامة على الساحل الشمالى على مساحة 483 ألف متر مربع - 115 فدانا - باستثمارات تقدر بنحو 2.1 مليار جنيه فى المرحلة الأولى، والمزرعة السويسرية على الساحل الشمالى عند الكيلو 83 وبها بيوت ومنازل صديقة للبيئة، كما انها تعتمد على الطاقة الشمسية.
وكذلك تم تخطيط موتفق مع تلك الاستراتيجية عند بناء العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع "بيت الوطن" و"النرجس الجديدة" في التجمع الخامس، وكذلك فى مدينة الشروق ومدينة العبور والعلمين الجديدة ومدينة الجلالة بالعين السخنة والمنصورة الجديدة وغيرهم، من خلال توفير طرق واسعة ذات تصميم جيد ومساحات خضراء شاسعة فى المدن السكنية بحيث تتعدى نسبة الأخضر فى كل مدينة الـ 40 و 50%.