في نهاية عام من تقلبات الطبيعة الحادة، وتفشي ظواهر مثل موجات الحرارة والفيضانات والجفاف والأعاصير، يجتمع قادة العالم هذا الأسبوع في قمة المناخ COP27 بمنتجع شرم الشيخ في مصر.
أهداف مكافحة تغير المناخ.. مراجعة الحسابات
وحسبما ذكرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأمريكية، فإن تساؤلا مهما يلوح في الأفق عن مدى التزام الدول المشاركة في قمة COP27 بتعهداتها باتخاذ إجراءات للحد من تأثير تغير المناخ بشكل يجنب العالم كارثة مناخية.
ومن الجدير بالذكر أن الهدف الرئيسي لاتفاق المناخ الأول الموقع عام 1992، الذي صدقت عليه الدول المشاركة تمهيدا لعقد أول قمة للمناخ عام 1995، كان الحد من التدخل البشري في النظام المناخي لكوكب الأرض، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
ويشهد مليارات البشر حول العالم أثر النشاط البشري المدمر على المناخ الذي تجاوز عتبة الخطر، وقد بدأ الوضع في التردي منذ تسعينيات القرن العشرين، حتى أصبح أزمة مناخ طاحنة تنذر بمزيد من الدمار والخراب وهو ما يتعين على الجميع التكاتف لمواجهته.
وعلى الرغم من عدم وجود معيار دقيق لتحديد مقدار ارتفاع درجة الحرارة الأرض الذي يمثل "كارثة"، إلا أن علماء المناخ خلصوا إلى أن تخطى الارتفاع في درجة حرارة الأرض حاجز 1.5 درجة مئوية من شأنه إحداث تداعيات مدمرة غير قابلة للعلاج، وقد أدرجت هذه الدرجة في اتفاقية باريس للمناخ باعتبارها الحد الأقصى المأمول الوقوف عنده، والعالم اليوم في حالة سباق مع الزمن لمنع تجاوزها.
مؤشر تفاؤل.. قيادات عالمية تكترث لأزمة المناخ
ومما يدعو للتفاؤل أن هناك تقدما ملحوظا هذا العام لكنه غير كاف، فقد أقرت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة النصيب الأكبر من الانبعاثات الكربونية ومسببات الاحتباس الحراري عالميا، حزمة تشريعات فيدرالية مناخية ضمن قوانين تهدف للحد من التضخم، وهو ما يمكن اعتباره استثمارا وطنيا بقيمة 370 مليار دولار، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والاتجاه نحو اعتماد الأنشطة الاقتصادية على الكهرباء النظيفة، وتهدف هذه الخطة إلى خفض الانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 بنسبة 40% من مستوياتها المسجلة عام 2005، وإن كان دون مستوى الخفض المستهدف وطنيا والمقدر سابقا بـ 50%.
ويتطلب تفعيل سياسة مناخ طموحة في الولايات المتحدة وجود أغلبية في الكونجرس تدعمها، ويعتمد هذا على ما إذا كان الناخبون الأمريكيون سيصوتون لصالح المعسكر المهتم بالشأن المناخي أم لصالح المعسكر غير المكترث به في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس والمقرر انطلاقها هذا الأسبوع.
وفي السياق الانتخابي عالميا، تشير نتائج بعض الانتخابات لهذا العام في عدد من دول العالم إلى انفراجة نسبية متوقعة في أزمة المناخ، ففي أستراليا تسلمت حكومة حزب العمال المعروف بالاعتدال والاهتمام بأزمة المناخ شئون البلاد من سابقتها المحافظة التي كانت تدعم استخدام الوقود الأحفوري، كما تولى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا حكم البرازيل خلفا للرئيس السابق جايير بولسونارو المعروف بسياساته المدمرة لغابات الأمازون.
فجوة الانبعاثات.. إشارات تحذير
ويشير تقرير "فجوة الانبعاثات" الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، إلى وجود تقصير من المجتمع الدولي في تنفيذ أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وعدم وجود خريطة طريق واضحة المعالم لمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية، ويحذر التقرير من تجاوز درجات الحرارة عتبة 2.8 درجة مئوية بحاول نهاية القرن الحالي، أو استقرارها عند 2.4 درجة مئوية في أفضل الأحوال إذا ما وضعت التعهدات الدولية موضع التنفيذ في الوقت المحدد لها، لكن هذه التعهدات تظل مجرد وعود لم تترجم إلى سياسات على أرض الواقع، وحتى إذا نفذت فلن تكون كافية لتحقيق هدف إبقاء سقف ارتفاع حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية.
ويعد الهدف الأهم لقمة المناخ COP27 هذا العام هو التعامل مع التوسع المستمر في استخدام الوقود الأحفوري، وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة وعدة مراكز بحثية أخرى أنه لا مكان لمزيد من النفط والغاز عند الحديث عن الحفاظ على سقف 1.5 درجة مئوية المستهدف، ورغم ذلك لا يزال العديد من منتجي الفحم يخططون لرفع الإنتاج، ولا تزال الدول المنتجة للنفط والغاز تمضي قدما في خططها لرفع الإنتاج حتى عام 2030 وما بعده، بشكل يعكس نية الحكومات الاستمرار في مضاعفة كمية الوقود الأحفوري وهو ما يتعارض مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
وفي قمة جلاسكو للمناخ العام الماضي، عقد اتفاق تم التوصل له بشق الأنفس للتخلص التدريجي من الفحم، بسبب موقفي الهند والصين المتعنت منه، وتمثل قمة المناخ COP27 هذا العام فرصة لدول العالم للتوصل لاتفاق جديد ينهي الاعتماد على الوقود الأحفوري.
العدالة المناخية تحد رئيسي في قمة COP27
ويعد التحدي الثاني أمام قمة المناخ COP27 هذا العام هو مناقشة التأثير المدمر للانبعاثات الكثيفة الصادرة عن دول النصف الشمالي من الكوكب على دول النصف الجنوبي منه، صاحبة النسبة الأقل من الانبعاثات، حيث يتعين على الدول المتقدمة تلبية مطالب الدول الأكثر تضررا من الأزمة لمساعدتها ماديا وتقنيا على التعافي من آثارها وتطوير مشاريع الطاقة النظيفة فيها.
وكل هذه الأهداف قابلة للتحقيق، حيث لا تواجه عوائق تقنية أو مادية، وإنما يتعلق الأمر في المقام الأول بتوافر الإرادة السياسية، فمزاعم عدم إحراز أي تقدم يُذكر تعطي الفرصة لكل من يساهمون في تلويث المناخ لاستغلالها والتعذر بها عن تقاعسهم عن المشاركة في جهود معالجة أزمة المناخ والمضي في أنشطتهم المدمرة له.
وختمت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" بالقول إن العالم في أمس الحاجة لوضع خطط طموحة وقصيرة الأجل لتحقيق أهدافه في الشأن المناخي، والتعامل مع حقيقتين متعارضتين هما وجود تقدم ملحوظ لكنه غير كاف، وعلى المشاركين في قمة المناخ COP27 العمل سويا على تغيير هذا الوضع.