اتخذ البنك المركزي، أمس مجموعة من القرارات التي من شأنها إصلاح المنظومة الاقتصادية المصرية في ظل الأزمات التي تضرب العالم حاليا، حيث قرر رفع سعر الفائدة 2%، وإلغاء الاعتمادات المستندية بشكل كامل في ديسمبر المقبل، وتحديد سعر صرف الجنيه وفق العرض والطلب بنظام الصرف المرن للجنيه، مشددا على أن الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات ما كان له تداعيات وخيمة تسببت في خروج رؤوس أموال المستثمرين الأجانب فضلا عن ارتفاع في أسعار السلع.
وأوضح أنه وفقا لهذه التطورات، تم اتخاذ إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي بما يعكس سعر الصرف قيمة الجنيه المصري مقابل العملات العالمية، متوقعا أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام عن نظيره المستهدف من قبل البنك المركزي والبالغ 7 ±( ٪2 نقطة مئوية( في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022 .
كيف تتأثر الاستثمارات بقرارات المركزي
في هذا الصدد، قال الدكتور عمرو صالح أستاذ الاقتصاد السياسي، ومستشار البنك الدولي السابق، إن تأثير قرار البنك المركزي على الاستثمارات الأجنبية لن يكون سلبيا، لأن الرفع كان بمقدار 2% فقط وهذه نسبة ليست كبيرة مثل ما فعلت أمريكا ورفعت الفائدة أكثر من مرة ولم نر تأثيرا على المستثمرين، لافتاً أنه من المتوقع أن يزيد من السيولة النقدية بالنظام المصرفي وبالتالي زيادة المشاريع التي يمكن أن يقوم بها الجهاز المصرفي في سبيل عملية التنمية.
وأضاف صالح، خلال تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أنه كما قيل من قبل أن السياسات المالية والنقدية يجب أن تكون مرنة خاصة أن السياسات المالية والنقدية تقوم في الأساس على التذبذبات النقدية وبالتالي التغير في السياسة المالية والنقدية شيء ضروري ومطلوب خاصة أننا نعيش في عصر "لا يقين" مشيراً إلى أن مصر لديها اقتصاد قوي خاصة بعد الإصلاح الاقتصادي ولكن هذا لا يعني أنه لن يكون هناك صدمات مستقبلية.
قرارات البنك المركزي ذكية
وأوضح مصر من ضمن 18 دولة على مستوى العالم حققت مستوى نمو إيجابي بنسبة 2.5% او 3% أما المانيا وفرنسا وغيرها كانت نسبة النمو عندها بالسالب وهذا إن دل فإنه يدل على قدرة مصر على امتصاص الأزمات مع وجود الإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن الأزمة حاليا ثلاثية متمثلة في أزمة الطاقة المرتفعة وأزمة الغذاء وسلاسل النقل والتوريد، وبالتالي لكل ذلك أثره بالتزامن مع انخفاض معدلات النقد الأجنبي، وبالتالي قرارات رفع سعر الفائدة وتطبيق سعر الصرف المرن هو قرار ذكي كما أن نقطة عدم ربط الجنيه بالدولار هي نقطة في غاية الذكاء لكي يكون هناك مرونة في سعر الصرف وألا يكون الجنيه المصري مرتبط بالدولار فقط بل يكون مرتبطا بسلة عملات وهو ما يعطي واقعية أكثر للجنيه المصري للتصدي للأزمات.
قرارات المركزي مدروسة بعناية
من جانبه، قال الدكتور عبد النبي عبد المطلب، خبير الاقتصاد الدولي، ووكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية، إن قرارات البنك المركزي تم اتخاذها بعد دراسة عميقة منذ تغيير محافظ البنك المركزي حيث كان هناك مجموعات عمل في كل مواقع صنع القرار لإيجاد أفضل السبل للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، موضحا أن الخط الأساسي فيما يخص الأزمة الاقتصادية الحالية كان قائما على عدم توفير الدولار لتمويل المشتريات المصرية في ظل رغبة مصرية حقيقية ألا ينخفض الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي عن مبلغ معين وهو ما يوازي ثلاثة أشهر واردات.
وأضاف عبد المطلب، خلال تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن ما تم اتخاذه من قرارات متكاملة يعطي رسالة للعالم أجمع بأن مصر تعترف بوجود المشاكل وأنها جادة في تطبيق الحلول لها بالاستعانة بالخبرات الموجودة في الجهاز الإداري للدولة أو المؤسسات الدولية العالمية، وهو ما يتضح جلياً في المشاركات الكبيرة من قامات مصرية لها تواجد ونفوذ ودراسات سواء في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن قرارات البنك المركزي سواء بالتخطيط أو باعتماد سياسة مرنة لسعر الصرف أو رفع سعر الفائدة سوف يكون لها تأثيرات إيجابية بتشجيع وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر للقدوم إلى مصر.
مظلات حماية لدعم المواطنين
واختتم الدكتور عبد النبي عبد المطلب قائلاً- إن القرارات التي اتخذتها الحكومة بتوجيهات من الرئيس السيسي فيما يخص رفع الحد الأدنى للأجور يؤكد أن الدولة أرادت تقديم مظلة حماية اجتماعية للمواطن المصري حتى لا تكون التأثيرات الأخيرة للبنك المركزي أو للحكومة ضارة بالمواطن.
ثبات التصنيف الائتماني لمصر
من جانبه، قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إنه فيما يخص التأثيرات على الإستثمارات الأجنبية، فحتى الآن لا يوجد تأثير على الاستثمارات الأجنبية وهذا واضح تماماً، مشيراً إلى أن القرض القادم من الصندوق خالف جميع التوقعات فكانت قيمته 3 مليارات دولار في حين أن الخبراء والمحللين كانوا متوقعين أن يكون القرض بقيمة 6 مليارات دولار، فضلاً عن أن مدته 6 شهور أعطى إشارة سلبية من جانب وإيجابية من جانب آخر.
وأضاف النحاس، خلال تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن السوق سيعبر عن التأثيرات فيما بعد، لافتاً أن هناك قلقا أن يحدث تخفيض لنظرة التصنيف الائتماني مثل ما شاهدناه مؤخراً في مؤسسة فيتش التي قالت إنه بعد أن كانت النظرة المستقبلية إيجابية أصبحت مستقرة، مؤكداً أن التصنيف الائتماني لمصر مثل ما هو منذ عام 2011 و الذي يتغير هو النظرة فقط من مستقبلية إيجابية لمستقرة او حيادية او سلبية.