الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الركود وأسعار النفط.. لماذا يحذر صندوق النقد الدولي من كارثة قادمة؟

حقل نفط
حقل نفط

واصلت أسعار النفط انخفاضها بعد إصدار صندوق النقد الدولي نسخة معدلة من توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، عمقت المخاوف من احتمال دخول العالم في مرحلة من الركود.

نصف النمو وضِعف التضخم.. توقعات متشائمة لصندوق النقد الدولي

وفي نشرته المنقحة لتوقعات الاقتصاد العالمي، تنبأ صندوق النقد الدولي بأن معدل نموه سيتراجع من 6% عام 2021 إلى 3.2% هذا العام، أما التضخم فسيرتفع من 4.7% عام 2021 إلى 8.8.

ووفقًا لموقع "أويل برايس" الأمريكي، يبدو أن نهج البنوك المركزية في التعامل مع التضخم يمثل مصدر قلق خاص لصندوق النقد الدولي، حيث يشير التقرير إلى أن "الهبوط الناعم" للتضخم الذي روج له رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول وكبار مسئولي السياسات النقدية في البنوك المركزية حول العالم قد لا يتحقق في الواقع.

وبلغ التضخم في الولايات المتحدة خلال العام الحالي أعلى مستوى له منذ 4 عقود، وتفاوتت نسبته من بلد إلى آخر وإن لم يترك دولة تنجو من آثاره، مدفوعًا بثلاثة عوامل رئيسية:

أولهم وفرة السيولة النقدية في الأسواق نتيجة برامج التيسير المالي والمساعدات النقدية التي اتبعتها البنوك المركزية إبان فترة جائحة كورونا، لتشجيع الشركات والمستهلكين على تجاوز آثار الإغلاق، ما أغرق الأسواق بالنقود التي لم تقابل كمية تعادلها من السلع المعروضة.

والثاني هو استمرار الاختناق في سلاسل الإمداد نتيجة الانتعاشة المفاجئة للأعمال بعد انحسار جائحة كورونا، ما أدى إلى تكدس البضائع في الموانئ وغيابها من الأسواق ومن ثم ارتفاع أسعارها. 
والثالث هو ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة اختلال إمدادات الغاز والنفط عالميًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أوروبا على روسيا، التي تعد من كبار موردي الطاقة الرئيسيين في العالم.

وفي سبيل كبح التضخم، عمد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض 5 مرات منذ مارس الماضي، في محاولة لسحب الفائض النقدي من الأسواق وتشجيع الادخار وتشديد شروط الاقتراض.

ولكن قرارات الاحتياطي الفيدرالي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار أمام عملات دول العالم الأخرى، فمن المعروف أنه كلما ارتفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة يميل المستثمرون في أنحاء العالم إلى شراء سندات الخزانة الأمريكية المقومة بالدولار، انتظارًا لعوائدها المرتفعة، الأمر الذي يرفع سعر الدولار أمام العملات الأخرى.

وكان من نتيجة ذلك أن البنوك المركزية في أنحاء العالم اضطرت بدورها لرفع أسعار الفائدة، لكبح التضخم من ناحية، ووقف نزيف الدولار من خزائنها من ناحية أخرى، ومن ثم عمدت البنوك المركزية إلى تشجيع الادخار وتشديد شروط الاقتراض.

وأدى التضخم وارتفاع الأسعار من جهة، والسياسات المالية الانكماشية المشجعة للادخار والمشددة للاقتراض من ناحية أخرى، إلى تراجع معدلات الاستهلاك وتباطؤ نمو وتوسع الأعمال، بل وتقليص حجم العمالة في بعض المؤسسات، وبالنتيجة تراجعت القدرة الشرائية للمستهلكين والقدرة التوظيفية للأعمال، وهذا بالضبط هو ما يُطلق عليه الركود، والذي حذر صندوق النقد الدولي من العالم مقبل عليه لا محالة.

ما علاقة النفط بالركود؟

تأثرت أسواق النفط العالمية بشدة بمخاوف متنامية من حدوث ركود عالمي، نتيجة تشديد السياسات المالية في معظم أنحاء العالم لكبح التضخم.

وتراهن الأسواق على أن رفع أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي - مثلما حدث الأربعاء الماضي بمقدار 75 نقطة أساس - سوف يضر بالطلب على الطاقة من خلال تقليل قيادة الناس للسيارات والسفر وتقليل استهلاك الشركات للطاقة.

التراجع في سوق الطاقة مدفوع جزئيًا بالارتفاع الصاروخي في سعر الدولار، والذي يستمر في الارتفاع مقابل العملات المنافسة حيث يندفع المستثمرون إلى شراء الدولار كملاذ آمن. ويُعد هذا الاتجاه سلبيًا بالنسبة للنفط الذي يتم تسعيره بالدولار، لأنه يقوض القوة الشرائية للمشترين الأجانب.

قرار أوبك+.. منتجو النفط يلهثون لوقف تراجع الأسعار

وفي محاولة لوقف تراجع أسعار النفط، قررت مجموعة أوبك+ في 5 سبتمبر الجاري خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، من أجل تقليل المعروض من النفط في أسواق العالم ودفع أسعاره للارتفاع مرة أخرى.

وبررت أوبك+ قرار خفض إنتاج النفط برغبتها في استقرار الأسعار التي تراجت مؤخرًا بفعل انخفاض الطلب العالمي على النفط، والذي يُعزى إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بسبب التضخم وما يصاحبه من سياسات مالية انكماشية متشددة للسيطرة عليه.

وبطبيعة الحال، يثير كل ارتفاع في أسعار النفط مخاوف حقيقية ومبررة لدى المستهلكين من ارتفاع أسعار الوقود، والذي يرفع معه أسعار السلع الأساسية بالتبعية.

ورفعت بنوك الاستثمار العالمية توقعاتها لأسعار النفط عقب قرار تحالف "أوبك+" بخفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر المُقبل.

ورفع محللو النفط لدى بنك "غولدمان ساكس" توقعاتهم لأسعار "خام برنت" خلال الربع الرابع من العام الحالي بمقدار 10 دولارات إلى 110 دولارات للبرميل، وذلك بعد قرار "أوبك+" خفض الإنتاج.

وقال رئيس قسم أبحاث الطاقة في بنك "جولدمان ساكس" دامين كورفالين، إن "كل التطورات التي شهدناها على جانب العرض في هذه المرحلة تمهد الطريق لما نعتقد أنه سيكون أسعاراً أعلى في نهاية هذا العام".

وتوقع محللو بنك "يو بي إس" أن تشهد سوق النفط مزيداً من التشديد، وأن "خام برنت" قد يرتفع إلى أعلى من 100 دولار خلال الأرباع السنوية المقبلة.

وقالت مؤسسة "سيتي" للأبحاث في مذكرة إن التأثير النهائي في السوق لقرار أوبك+ خفض إنتاج النفط سيعتمد على مدة الاتفاق، وتوقعت أن يتفاعل كبار المستهلكين مع الاتفاق باستياء.

وأضافت "سيتي" أيضاً أن احتمال حدوث مزيد من اضطرابات الإمدادات وتعديل محتمل في التدفقات التجارية مع تطبيق سقف لأسعار النفط الروسي في ديسمبر المقبل والحظر الأوروبي وتدهور بيئة الاقتصاد الكلي، ستواصل دفع التقلبات خلال الشتاء وعام 2023.

توقعات صندوق النقد الدولي.. ضربة لمنتجي النفط

كشفت توقعات صندوق النقد الدولي المعدلة أن مخاطر حدوث ركود اقتصادي في أغنى اقتصادات العالم حقيقية وعالية للغاية، فيما تعاني الاقتصادات الناشئة من أزمة ديون نتيجة لهذه التطورات الاقتصادية.

ولا عجب إذن أن أسعار النفط تراجعت بسرعة بعد نشر تقرير صندوق النقد الدولي، وبعدما كانت قد انتعشت لأيام معدودة بفضل قرار أوبك+ خفض المعروض من النفط.

وتراجعت العقود الآجلة للنفط، أمس الأربعاء، مع التوقعات الاقتصادية القاتمة وقوة الدولار، وهبطت العقود الآجلة لخام برنت 1.42 دولار أو 1.5% إلى 92.87 دولار للبرميل، فيما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.54 دولار أو 1.7% إلى 87.81 دولار.

وخفضت منظمة أوبك أمس الأربعاء توقعاتها للطلب على النفط، وكان قرارها مع حلفاء من بينهم روسيا الأسبوع الماضي قد دعم الأسعار، بعد الاتفاق على خفض الإمدادات بمقدار مليوني برميل يومياً في نوفمبر.